لاتزال ارتدادات التصريحات المستفزة للرئيس الفرنسي تصنع الحدث في الجزائر وباريس، ففي الوقت الذي يستمر التنديد والاستنكار من جميع الأطياف السياسية والمجتمعية في الجزائر، برزت في الجبهة الداخلية الفرنسية تنديدات بهذه التصريحات والتي اعتبرت تكريسا للفشل الدبلوماسي لماكرون، ومحاولة للارتماء في حضن اليمين المتطرف واستمالته قبيل الانتخابات الرئاسية.
زادت ارتدادات الأزمة السياسية الأخيرة بين الجزائر وباريس، عقب التصريحات غير المسؤولة من طرف الرئيس الفرنسي بخصوص تاريخ وهوية الجزائريين والوضع السياسي، خصوصا في الجزائر، بإجماع جزائري لكل الأطياف السياسية والمجتمعية بضرورة التصعيد أكثر، والذهاب نحو إجراءات تمس البعد الاقتصادي والفكري، خصوصا ما تعلق بالفرنكفونية واللغة الفرنسية أهم قلاع فرنسا بالجزائر.
ودخلت على خط الأزمة معظم الأحزاب في الجزائر وكذا النقابات التي تسابقت في إصدار بيانات التنديد والرفض للتصريحات الفرنسية، خصوصا وأنها مست أحد الخطوط الحمراء في المجتمع الجزائري ألا وهو “التاريخ والهوية”، بالإضافة إلى المؤسسات الرسمية التي رفضت الخطوة الفرنسية، على غرار المجلس الوطني الشعبي الذي عبر، عن استنكاره من استمرار مستعمر الأمس، في التهجم على تاريخ البلد، مشيرا بأن الجزائر التي ينبثق وجودها من فجر التاريخ لم تكن يوما هينةً إلى الحد الذي يجعلها عرضة للتدنيس أو المساومة، مشددا في السياق ذاته على أن الجزائر لا يمكن أن تنثني أمام محاولة يائسة للتقليل من شأنها.
وأفادت مصالح إبراهيم بوغالي، بأن هذه المحاولات ليست أكثر من حملة انتخابية استوقدت خطابها الهزيل من مغالطات تعمل على توجيه الرأي العام الفرنسي والتستر على الأزمات الحقيقية التي يعيشها هذا البلد داخليا وخارجيا، مؤكدا على أن المجلس يرفض استمرار مستعمر الأمس بالتهجم على تاريخ بلاد كانت عرضة لمشروع استيطاني وغزو همجي مهول قادته ونفذته قوة إجرامية كادت تظفر بمرادها الآثم، لولا أن أرغمتها عزيمة رجال صادقين على الهزيمة صاغرة مدحورة.
وعبر مكتب الغرفة التشريعية السفلى، عن رفضه للتبريرات التي قد تحاول الطبقة السياسية الفرنسية أن تقدمها، مؤكدا بأن التصريحات المنسوبة لرئيس جمهورية فرنسا لا تُخفي سوى نية لتدخل سافر في شؤون دولة مستقلة كاملة السيادة لها كلمتها ووزنها في المحافل الدولية وتتعامل مع شركائها وجيرانها من منطلق الندية داخل أطر حددتها الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية.
كما عبر المجلس الشعبي الوطني عن امتعاضه من هذه التصريحات التي تشنج العلاقات بين البلدين وترهن بالفعل ما كان يمكن أن يؤدي إلى تعاون متميز بينهما، مشيرا إلى أن الجزائر الجديدة، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، ماضية في تعزيز استقلالها الذي انتزعته بقوة وعزيمة وكفاح وبتضحيات شعب قدم الملايين من الشهداء، شعب كان وسيبقى مصمما على العيش بكرامة.
وفي سياق متصل، اعتبرت جريدة “لوموند” أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دليل على فشل دببلوماسي لهذا الأخيرة، رغم أن تصريحات ماكرون القاسية في حق الجزائر كانت موزونة بعناية مع نية واضحة لنقلها، مشيرة إلى أن استنكار القيادة في الجزائر لهذه التصريحات كان صحيحا.
وشددت الجريدة، على أن الأزمة الحالية التي تسبب فيها ماكرون بتصريحاته، ستكرس، على المستوى الثنائي، الفشل الفعلي لجهود المصالحة التذكارية – على المستوى الدبلوماسي والتي تعهد بها إيمانويل ماكرون مع الجزائر في أعقاب نشر التقرير، في جانفي الماضي.
ق.ح