تكنولوجيا

أمينة الافتراضية.. ذكاء اصطناعي يحاكي اللاجئين

في مبادرة فريدة من نوعها، أطلق معهد أبحاث تابع للأمم المتحدة مشروعًا تجريبيًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي بهدف تسليط الضوء على قضايا اللاجئين، حيث قام المعهد بابتكار شخصيتين افتراضيتين تحاكيان الواقع المعيشي للاجئين في المخيمات، وتقدمان صورة تفاعلية عن معاناتهم اليومية، وذلك ضمن نشاط أكاديمي أجراه طلاب في مركز أبحاث السياسات بجامعة الأمم المتحدة.

 

شخصية “أمينة” الافتراضية وتفاصيل الحياة في المخيم

ضمن هذا المشروع، تم إنشاء نموذج افتراضي لامرأة خيالية تُدعى “أمينة”، وهي لاجئة تُجسد تجربة آلاف الأشخاص الذين فروا من مناطق الصراع، وتحديدًا من السودان نحو تشاد، ويُتاح للمستخدمين عبر منصة المشروع التحدث مباشرة معها للتعرف على تفاصيل حياتها اليومية، وما تواجهه من تحديات في المخيم، مثل نقص الغذاء والرعاية الصحية وفرص التعليم.

هذه المحادثات الافتراضية تهدف إلى تقريب صورة الواقع المأساوي الذي يعيشه اللاجئون إلى الجمهور الواسع، وخلق نوع من الوعي التفاعلي من خلال تجربة تدمج بين التقنية والسرد الإنساني، وتسعى هذه الشخصية الرقمية إلى إيصال الرسالة التي قد يعجز عنها الخبر الصحفي أو التقرير المكتوب، عبر حديث مباشر يحمل في طياته الألم والمعاناة، ولكن أيضًا الأمل والتمسك بالحياة.

ورغم أن المشروع في مرحلته التجريبية، إلا أنه أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والحقوقية، وطرح تساؤلات حول مدى فعاليته كوسيلة توعوية، وما إذا كان من الممكن تعميمه مستقبلاً في حملات المساعدات الإنسانية أو مناشدات التمويل الدولي.

 

مواقف متباينة بين الرفض والتقدير

في تصريح له، أوضح الأستاذ الجامعي “إدواردو ألبريشت”، الذي يشرف على المشروع ويعمل في مركز دراسات السلام والعدالة، أن هذه المبادرة لا تُطرح حاليًا كحل عملي من قبل الأمم المتحدة، بل هي تجربة تعليمية هدفها اختبار قدرة التقنيات الحديثة على تعزيز فهم الناس للواقع المعاش داخل مخيمات اللاجئين، وقد جاءت الفكرة من محاولة الطلاب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل جديد يخدم الأبعاد الإنسانية.

رغم ذلك، لم تلق التجربة القبول الكامل من جميع المتفاعلين، إذ أظهرت ورقة بحثية نُشرت لاحقًا أن العديد من المشاركين في ورش العمل عبّروا عن تحفظاتهم على استخدام شخصيات افتراضية لتمثيل لاجئين حقيقيين، معتبرين أن اللاجئين يمتلكون أصواتهم الخاصة وقادرون على سرد معاناتهم بأنفسهم دون وسائط رقمية تحاكي لسان حالهم.

وبينما يرى البعض في التجربة اختزالًا للواقع وتحويلاً لمعاناة اللاجئ إلى “نموذج رقمي”، يعتقد آخرون أنها أداة حديثة قد تساعد في إيصال الرسالة بسرعة إلى الجهات المانحة وصنّاع القرار، خصوصًا في عالم بات يعتمد بشكل متزايد على التفاعل الرقمي في تقديم القضايا العالمية.

 

ما بين التفاعل الرقمي والحضور الإنساني

يبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة النماذج الذكية على تعويض صوت الإنسان الحقيقي، إذ إن الحديث مع شخصية افتراضية لا يرقى إلى معايشة الواقع الصعب الذي يعيشه اللاجئ، ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق قد يُعد خطوة أولى نحو دمج التقنية في جهود المناصرة الإنسانية، بشرط أن تُراعى حدود الكرامة الإنسانية ولا يُستخدم هذا الأسلوب كبديل عن تمكين اللاجئين من سرد قصصهم بأنفسهم.

وبين التأييد والنقد، فإن هذه التجربة تكشف عن تطور نوعي في كيفية تعامل المؤسسات البحثية مع الأزمات الدولية، وتُعيد فتح النقاش حول العلاقة بين الابتكار الرقمي والعدالة الاجتماعية، كما تسلط الضوء على الحاجة المستمرة إلى تطوير أدوات تعبير أكثر حساسية وإنصافًا لمجتمعات عانت طويلاً من الإقصاء والتجاهل.

قد لا تكون “أمينة” شخصية حقيقية، لكن واقعها المستوحى من قصص حقيقية يضعنا أمام مسؤولية أخلاقية في كيفية تمثيل الألم الإنساني، خصوصًا حين يصبح الذكاء الاصطناعي جزء من لغة السرد في عالم لا يتوقف عن التغيّر.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى