
أزمة البطالة في علوم الحاسوب.. لطالما كان تخصص علوم الحاسوب حلما يراود الاف الطلاب حول العالم. باعتباره بوابة إلى مستقبل مزدهر ورواتب مجزية. إلا أن الواقع الحالي جاء مغايرا للتوقعات تماما.حيث كشفت دراسة حديثة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عن ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي هذا التخصص لتتراوح بين ستة وواحد من عشرة في المئة وسبعة وخمسة من عشرة في المئة. وهي نسبة تزيد عن ضعف ما يواجهه خريجو تخصصات أخرى مثل علم الأحياء أو تاريخ الفن. مما أثار صدمة في الأوساط الأكاديمية والمهنية على حد سواء.
أزمة البطالة في علوم الحاسوب .. قصص خريجين تكشف قسوة السوق
تروي حكايات الخريجين الجدد مشهدا غير مألوف في ميدان التقنية، حيث تحولت امالهم إلى معاناة يومية في البحث عن عمل. فإحدى الخريجات البالغة من العمر ٢١عاما حصلت على شهادة علوم الحاسوب من جامعة مرموقة. بعد أن وعدت بعروض عمل مغرية تصل رواتبها الابتدائية إلى ٦ أرقام.
لكنها فوجئت بالحصول على مقابلة واحدة فقط مع سلسلة مطاعم للوجبات السريعة ولم يتم قبولها. أما أحد الخريجين من جامعة أخرى فقد تقدم لما يقارب ٦ آلاف وظيفة في قطاع التقنية منذ تخرجه عام ٢٠٢٣.
إلا أنه لم يحصل سوى على ١٣ مقابلة دون أي عرض توظيف، حتى أن إحدى سلاسل المطاعم الشهيرة رفضته بحجة عدم امتلاكه الخبرة الكافية.
هذه الحالات الفردية التي تتكرر بين الشباب تكشف أن الأزمة ليست عابرة بل هي بنيوية. فالشركات الكبرى في القطاع مثل بعض المنصات التجارية وشركات التواصل وخدمات الحوسبة السحابية قلّصت أعداد الوظائف بشكل واضح.
في حين باتت المنافسة على ما تبقى من وظائف شرسة إلى حد غير مسبوق، خصوصا مع اعتماد الشركات على أنظمة فرز آلية تستبعد طلبات كثيرة في دقائق معدودة.
الذكاء الاصطناعي.. سلاح ذو حدين في سوق العمل
أزمة البطالة في علوم الحاسوب.. يرى محللون أن أحد الأسباب الجوهرية لهذه الأزمة هو الطفرة الهائلة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشركات.
حيث أصبحت الكثير من المهام التي كانت توكل عادة إلى الموظفين المبتدئين تنجز الان اليا. وهو ما أدى إلى تقلص الحاجة إلى التوظيف في المستويات الدنيا من السلم الوظيفي.
وفي الوقت نفسه يعتمد الخريجون أنفسهم على أدوات الذكاء الاصطناعي لإرسال طلبات توظيف جماعية.ما يخلق ما يمكن تسميته بـ”حلقة مفرغة”.
إذ يرد الذكاء الاصطناعي في أنظمة التوظيف بفلترة سريعة ترفض عددا كبيرا من المتقدمين خلال دقائق.
هذا الواقع المعقد جعل من رحلة البحث عن العمل اختبارا للصبر والابتكار، حيث لجأ بعض الخريجين إلى وسائل غير تقليدية للفت الانتباه إلى سيرهم الذاتية، فاستعانوا بمنصات التواصل لعرض مهاراتهم أو تقديم محتوى يبرز تميزهم.
ونجح البعض في كسر الحاجز والحصول على فرص عمل بعد شهور من الإحباط، ما يعكس أن المنافسة في عصر الأتمتة تحتاج إلى مزيج من المهارات التقنية والتسويق الشخصي.
أزمة البطالة في علوم الحاسوب .. إعادة التفكير في المسار المهني
المتغيرات السريعة في سوق العمل التقني تطرح أسئلة عميقة حول جدوى المناهج التقليدية في الجامعات. إذ يطالب خبراء بضرورة دمج مهارات ريادة الأعمال والتكيف مع التقنيات الناشئة ضمن برامج الدراسة. لتأهيل الطلاب للتعامل مع بيئة مهنية تتغير بوتيرة غير مسبوقة.
كما يشيرون إلى أهمية بناء شبكة علاقات مهنية قوية أثناء الدراسة من خلال التدريب العملي والمشاريع المشتركة. وعدم الاعتماد الكلي على الشهادات وحدها كجواز مرور إلى الوظيفة.
وفي ظل هذه التحديات. يبقى الأمل قائما في أن تتمكن الأجيال الجديدة من خريجي علوم الحاسوب من إعادة صياغة أدوارهم بما يتناسب مع عصر الذكاء الاصطناعي.
وأن يبتكروا حلولهم الخاصة لتجاوز فجوة البطالة. فالتاريخ أثبت أن كل ثورة تقنية تحمل في طياتها فرصا جديدة بقدر ما تحمل من مخاطر، والقدرة على اغتنام هذه الفرص هي ما يحدد ملامح النجاح في المستقبل.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله