
استراتيجيات النهوض بـ الجامعات الجزائرية في التصنيفات العالمية .. دور المرئية الرقمية في تعزيز التصنيف عالميًا
بقلم: د. عمر العربي (جامعة بشار)
أهمية مرئية الجامعات في التصنيف العالمي
تشكل مرئية الجامعات إحدى الركائز الأساسية في تصنيفها عالميًا، حيث تعتمد المؤسسات الأكاديمية
الرائدة على استراتيجيات مدروسة لتعزيز حضورها البحثي والتعليمي.
في عالم اليوم، أصبح ترتيب الجامعات في التصنيفات الدولية مؤشرًا حاسمًا لجودة التعليم العالي
والبحث العلمي، إذ يؤثر بشكل مباشر على سمعة المؤسسة الأكاديمية وجاذبيتها للطلاب والباحثين
الدوليين.
التحديات التي تواجه الجامعات العربية والجزائرية
ومع ذلك، تواجه العديد من الجامعات العربية، بما في ذلك الجامعات الجزائرية، تحديات تعيق تحقيق
مراتب متقدمة عالميًا، رغم موقعها المميز في المنظومة التعليمية الإقليمية.
ولتحقيق تقدم ملموس، لا بد من فهم آليات التصنيف الأكاديمي، المعايير المعتمدة، والاستراتيجيات
الفعالة التي أثبتت نجاحها عالميًا.
فكيف يتم تصنيف الجامعات؟ وما الخطوات اللازمة لتحسين ترتيب الجامعات العربية والجزائرية في
هذه القوائم؟
أهمية تصنيفات الجامعات عالميًا ومعاييرها
يعد تصنيف الجامعات عالميًا أمرًا ضروريًا لقياس جودة التعليم العالي والأداء الأكاديمي
للمؤسسات الجامعية، حيث تعتمد العديد من الهيئات الدولية المرموقة على معايير دقيقة لتقييم
الجامعات وتصنيفها وفقًا لأدائها في البحث العلمي، جودة التدريس، التأثير الأكاديمي، والسمعة الدولية.
تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات (ARWU)
يأتي في مقدمة هذه التصنيفات “تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات” (ARWU)، والذي
يعتبر الأكثر استنادًا إلى الأداء البحثي.
يعتمد هذا التصنيف على عدة معايير، أبرزها: عدد الحائزين على جوائز نوبل ممن تخرجوا أو
عملوا في الجامعة (30 بالمائة)، وعدد الأبحاث المنشورة في مجلتي وNature Science (20
بالمائة) بالإضافة إلى عدد الاستشهادات العلمية والباحثين الأكثر تأثيرًا (40 بالمائة)، فضلًا عن
الأداء الأكاديمي مقارنة بعدد أعضاء هيئة التدريس والطلاب (10 بالمائة).
ويقتصر هذا التصنيف على أول 500 جامعة عالميًا، ما يجعله معيارًا صارمًا تهيمن عليه
المؤسسات البحثية الكبرى.
تصنيف التايمز للتعليم العالي (THE)
أما تصنيف التايمز للتعليم العالي (THE)، فهو يُعتبر من أكثر التصنيفات شمولية، حيث يقيم
الجامعات بناءً على خمسة معايير رئيسية، وهي: جودة التدريس (30 بالمائة)، البحث العلمي
(30 بالمائة)، الاستشهادات بالأبحاث المنشورة (30 بالمائة)، العلاقات الدولية من حيث نسبة
الطلبة وأعضاء هيئة التدريس الأجانب (7.5 بالمائة)، والدخل الجامعي من القطاع الصناعي (2.5 بالمائة).
يتميز هذا التصنيف بتقديم صورة أكثر توازنًا عن الجامعة من خلال دمج البحث والتدريس والبعد
الدولي، ما يجعله خيارًا مفضلاً لمؤسسات التعليم العالي التي تسعى إلى تحسين سمعتها الأكاديمية عالميًا.
تصنيف كيو إس العالمي للجامعات (QS)
في المقابل، يركز تصنيف كيو إس العالمي للجامعات (QS) على السمعة الأكاديمية للمؤسسة ومدى
جاهزية خريجيها لسوق العمل.
يتم احتساب الترتيب وفقًا لعدة مؤشرات، أهمها: السمعة الأكاديمية بنسبة (40 بالمائة)، نسبة
أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب (20 بالمائة)، الاستشهادات البحثية (20 بالمائة)، تقييم جهات
التوظيف لجودة الخريجين (10 بالمائة)، ونسبة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الدوليين(10 بالمائة).
ورغم اختلاف هذه التصنيفات في منهجياتها، إلا أنها تشترك في بعض المعايير الأساسية، مثل
البحث العلمي، التأثير الأكاديمي، جودة التدريس، والسمعة الدولية.
استراتيجيات فعالة لتحسين ترتيب الجامعات الجزائرية عالميًا
تواجه الجامعات الجزائرية تحديات كبيرة تعيق وصولها إلى مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية،
مثل ضعف الإنتاج العلمي المنشور في المجلات المرموقة، قلة التعاون الدولي، محدودية استخدام
الإنجليزية في البحث الأكاديمي، ونقص التمويل والابتكار.
علاوة على ذلك، فإن ضعف البنية الرقمية لمواقع الجامعات يؤثر بشكل مباشر على مرئية هذه المؤسسات
أكاديميًا.
تطوير استراتيجيات متكاملة لتعزيز التميز الأكاديمي والبحثي
لتحقيق قفزة نوعية في تصنيف الجامعات الجزائرية، لا بد من تبني استراتيجيات متكاملة تعالج أوجه
القصور الحالية، مع التركيز على الجوانب التي تضمن تعزيز التميز الأكاديمي والبحثي.
ويشمل ذلك تحسين جودة البحث العلمي، تطوير مناهج التدريس، تعزيز العلاقات الدولية، والاهتمام بالمرئية الرقمية.
تحفيز أعضاء هيئة التدريس للنشر البحثي
يعد البحث العلمي أحد أهم العوامل التي تسهم في تحسين ترتيب الجامعات، حيث تعتمد
التصنيفات العالمية على عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المرموقة مثل Nature وScience،
إضافة إلى معدل الاستشهادات بهذه الأبحاث.
لذا، ينبغي تحفيز أعضاء هيئة التدريس والباحثين على نشر أبحاثهم في قواعد بيانات معتمدة مثل
Scopus وWeb of Science، إلى جانب توفير الدعم المالي للباحثين الذين ينشرون في مجلات عالية التأثير.
يمكن للجامعات أيضًا تقديم حوافز مالية وترقيات أكاديمية للباحثين الذين يسهمون في تحسين الأداء البحثي.
تحديث المناهج التعليمية واستراتيجيات التدريس
إن بناء سمعة أكاديمية قوية يتطلب تحديث المناهج التعليمية لتواكب التطورات الحديثة، وإدراج مقررات
تدريبية تركز على المهارات العملية والابتكار.
كما أن استخدام استراتيجيات تعليمية حديثة مثل التعليم التفاعلي والدورات المفتوحة عبر الإنترنت
(MOOCs) يمكن أن يعزز من جودة التدريس ويسهم في رفع تصنيف الجامعة.
فعلى سبيل المثال، اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في التدريس أو استخدام الفصول الافتراضية
يمكن أن يسهم في تقديم تجربة تعليمية أكثر تطورًا.
تعزيز الشراكات الدولية والتعاون الأكاديمي
كذلك تلعب العلاقات الدولية دورًا محوريًا في رفع تصنيف الجامعات، حيث يعزز التعاون مع جامعات
عالمية مصنفة التبادل الأكاديمي وفرص البحث المشترك.
يمكن للجامعات الجزائرية إبرام اتفاقيات شراكة مع مؤسسات تعليمية مرموقة لإنشاء برامج تبادل
طلابي وأكاديمي، مما يعزز من خبرة الطلاب والباحثين ويزيد من جاذبية الجامعة عالميًا.
على سبيل المثال، يمكن استلهام تجربة جامعة طوكيو التي تعتمد بشكل واسع على شراكات
أكاديمية دولية لتعزيز مكانتها في التصنيفات العالمية.
تحسين الحضور الرقمي لرفع التصنيف الأكاديمي
يعد الحضور الرقمي أحد العوامل الحاسمة التي تؤثر في ترتيب الجامعات عالميًا، حيث يمكن
أن تؤثر المرئية والوجود الإلكتروني على ترتيب الجامعة بنسبة تتراوح بين 10 بالمائة إلى 20 بالمائة،
وقد تصل إلى 100 بالمائة في تصنيف Webometrics، مما يجعلها عنصرًا جوهريًا في تحسين التصنيف.
لتحقيق ذلك، ينبغي على الجامعات الجزائرية تحسين مواقعها الرسمية بمحتوى محدث، ونشر
الأبحاث والمقالات العلمية على منصات مفتوحة مثل Google Scholar، مما يسهل الوصول إلى
الإنتاج الأكاديمي للجامعة.
إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تحسين محركات البحث (SEO) وزيادة الروابط الخارجية المؤدية
إلى موقع الجامعة إلى رفع تصنيفها في Webometrics.
تشجيع الابتكار ودعم ريادة الأعمال
كما يعد تسجيل براءات الاختراع وإنشاء الحاضنات الجامعية أحد العوامل المهمة التي تساهم في
تحسين تصنيف الجامعات عالميًا. فالجامعات التي تدعم الابتكار وريادة الأعمال تجذب المزيد من
الاستثمارات البحثية والشراكات الصناعية.
على سبيل المثال، نجحت جامعة ستانفورد في تحسين ترتيبها العالمي عبر دعم الشركات الناشئة التي أسسها خريجوها مثل Google وTesla، مما جعلها مركزًا عالميًا للابتكار.
يمكن للجامعات الجزائرية الاستفادة من هذه التجربة عبر توفير بيئة داعمة لرواد الأعمال، وإقامة شراكات مع القطاع الصناعي لتطوير المشاريع البحثية وتحويلها إلى حلول اقتصادية ملموسة.
تجارب ناجحة في تحسين تصنيف الجامعات عالميًا
تحسين ترتيب الجامعات عالميًا يتطلب استراتيجيات فعالة تشمل البحث العلمي، الشراكات الأكاديمية، وتعزيز الوجود الرقمي.
تمكنت جامعة سنغافورة الوطنية (NUS)، التي تحتل المرتبة 11عالميًا في تصنيف QS لعام 2024، من
تحقيق تقدم ملحوظ عبر زيادة النشر في مجلات مرموقة مثل NatureوScience، إلى جانب شراكاتها
مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة الأمريكية، المصنف رقم 1 عالميًا.
بدورها، عززت جامعة تسينغهوا الصينية المرتبة 17 عالميًا في(QS 2024)مكانتها من خلال دعم الابتكار
وريادة الأعمال، مما ساهم في تأسيس شركات تقنية كبرى مثل ByteDance المالكة لتطبيق (TikTok).
أما جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) في المملكة العربية السعودية، فقد استفادت
من استثمارات ضخمة في البحث العلمي والمختبرات الحديثة، ما ساهم في تحسين تصنيفها إلى الفئة
201-300 في تصنيف شنغهاي 2024.
في الجزائر، تمكنت جامعة جيلالي اليابس – سيدي بلعباس من تحقيق تقدم ملحوظ عبر زيادة
النشر العلمي في Scopus، وتطوير شراكات دولية، وتحسين موقعها الإلكتروني لتعزيز مرئيتها الأكاديمية،
ما جعلها تحتل المرتبة الأولى مغاربيًا والثانية إفريقيًا وفق تصنيف.
THE World Ranking 2025 هذه التجارب تثبت أن التركيز على البحث، التعاون الدولي، والرقمنة يمكن
أن يسهم في رفع تصنيف الجامعات الجزائرية وتعزيز مكانتها عالميًا.
نحو جامعة جزائرية تنافسية عالميًا: رؤية استراتيجية للمستقبل.
إن تحسين ترتيب الجامعات الجزائرية عالميًا ليس مجرد هدف نظري، بل هو عملية تتطلب استراتيجيات واضحة وجهودًا متواصلة.
لتحقيق ذلك، يجب تعزيز البحث العلمي والنشر الدولي من خلال دعم الباحثين وتحفيز النشر في مجلات عالية التأثير.
كما يعد تطوير الشراكات الأكاديمية الدولية عنصرًا حاسمًا، إذ يسهم التعاون مع الجامعات المرموقة في
تبادل المعرفة وزيادة الاعتراف العالمي بالمؤسسات الجامعية.
بالإضافة إلى ذلك، تعزيز المرئية الرقمية عبر تحسين المواقع الإلكترونية، نشر الأبحاث على
منصات مفتوحة، وزيادة التفاعل مع المجتمع الأكاديمي العالمي يمكن أن يرفع من ترتيب الجامعات في
تصنيفات مثل .Webometrics
وأخيرًا، من الضروري ربط البحث العلمي بالاقتصاد الوطني من خلال دعم الابتكار وريادة الأعمال وإنشاء
الحاضنات التكنولوجية، مما يعزز مساهمة الجامعات في التنمية المستدامة.
إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب رؤية استراتيجية، استثمارًا مستدامًا، وتعاونًا وثيقًا بين الجامعات،
الحكومة، والقطاع الخاص، مما سيمكن الجامعات الجزائرية من تحقيق موقع تنافسي في الساحة الأكاديمية العالمية.