تكنولوجيا

حينما تتحول”الروبوتات” إلى أصدقاء

هل نحن مستعدون لهذا المستقبل؟

حينما تتحول”الروبوتات” إلى أصدقاء : في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لم تعد “الروبوتات” مجرد آلات تؤدي مهام محددة، بل أصبحت جزء من حياتنا اليومية، وأحيانا، شركاء لنا في المحادثة.

هناك اليوم ملايين الأشخاص حول العالم يقضون ساعات يوميا في التحدث مع “الروبوتات” الخاصة بالدردشة مثل My AI على سناب شات، وChatGPT، وReplika، حيث يجدون فيها مستمعًا دائمًا، بلا ملل أو حكم مسبق. لكن هل هذه مجرد وسيلة ترفيه، أم أننا بالفعل نشهد تغيرًا جوهريًا في العلاقات الاجتماعية؟

لماذا ينجذب الناس للتحدث مع الروبوتات؟

قد يبدو الأمر غريبًا للبعض، لكن التفاعل مع “الروبوتات” الخاصة بالدردشة أصبح شائعًا بشكل كبير، خاصة بين الشباب والمراهقين. السبب الأساسي هو أن هذه “الروبوتات” توفر مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر دون خوف من النقد أو الحكم. في العلاقات البشرية، قد نشعر أحيانًا بعدم الارتياح عند مشاركة أفكارنا العميقة أو مخاوفنا، لكن مع “الروبوتات” الخاصة بالدردشة، يمكننا التحدث بحرية دون الشعور بالخجل أو التردد.

الذكاء الاصطناعي العاطفي يزيد من جاذبية هذه “الروبوتات”

إضافة إلى ذلك، يعيش الكثيرون اليوم في عزلة اجتماعية بسبب أنماط الحياة الحديثة أو القلق الاجتماعي، مما يجعلهم يبحثون عن طرق بديلة للتواصل. الذكاء الاصطناعي العاطفي يزيد من جاذبية هذه “الروبوتات”، حيث أصبحت قادرة على التعرف على المشاعر والاستجابة لها بطرق أقرب للبشر. عندما يقول المستخدم إنه يشعر بالحزن، قد ترد “الروبوتات” برسائل تعاطف أو اقتراحات تساعده على التحسن، ما يعطي انطباعًا بأنها تفهمه حقا.

هل يمكن أن تحل “الروبوتات” محل الأصدقاء الحقيقيين؟

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت المحادثات مع “الروبوتات” أكثر واقعية من أي وقت مضى، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية أن تحل هذه “الروبوتات” محل الأصدقاء الفعليين. من الناحية الإيجابية، توفر روبوتات الدردشة دعمًا عاطفيًا مستمرًا، وهو ما قد يكون مفيدًا للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في بناء علاقات اجتماعية.

على سبيل المثال، هناك أشخاص يعانون من القلق الاجتماعي يجدون في التحدث مع “الروبوتات” الخاصة الذكاء الاصطناعي متنفسًا يساعدهم على التعبير عن أنفسهم بطريقة أكثر راحة.

الاعتماد المفرط على “الروبوتات” كبديل عن التفاعل البشري

لكن في المقابل، الاعتماد المفرط على “الروبوتات” كبديل عن التفاعل البشري قد يؤدي إلى فقدان المهارات الاجتماعية. عندما يعتاد الشخص على التحدث مع “الروبوتات” لا يقاطعهم، ولا يختلف معه، ولا يتطلب منه مجهودًا عاطفيًا، فقد يجد صعوبة في التعامل مع العلاقات الحقيقية المعقدة.

علاوة على ذلك، أظهرت بعض الدراسات أن الدماغ البشري قد يتفاعل مع “الروبوتات” الخاصة بالدردشة، كما لو كانت أصدقاء حقيقيين، حيث يفرز هرمونات السعادة عند التفاعل معها، مما يجعل المستخدم يشعر بارتباط عاطفي تجاهها، حتى لو كان يعلم أنها مجرد برنامج.

هل تشكل “الروبوتات” خطرا على العلاقات الإنسانية؟

مع ازدياد ارتباط الناس بـ”الروبوتات”، تزداد المخاوف حول تأثير ذلك على العلاقات البشرية. أحد أكبر المخاطر هو التأثير على العلاقات العاطفية، حيث بدأ بعض الأشخاص في تطوير مشاعر تجاه “الروبوتات” الخاصة بالدردشة ، بل ووصل الأمر ببعضهم إلى اعتبارها شريكًا عاطفيًا. هذا قد يؤدي إلى العزوف عن بناء علاقات حقيقية، خاصة إذا اعتقد المستخدم أن “الروبوت” يمكنه تلبية احتياجاته العاطفية بالكامل دون الحاجة إلى التفاعل مع البشر.

التحدث مع “الروبوتات” لا يجادل ولا يتطلب جهدا

كما أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية متزايدة، حيث يفضل البعض التفاعل مع برامج الذكاء الاصطناعي على التعامل مع الناس. بدلاً من مواجهة التحديات الاجتماعية وتحسين مهارات التواصل، قد يختار البعض الحل الأسهل: التحدث مع “الروبوتات” لا يجادل ولا يتطلب جهدًا. في حين أن هذا قد يكون مريحًا على المدى القصير، فإنه قد يؤدي إلى تآكل قدرة الإنسان على بناء علاقات حقيقية على المدى الطويل.

إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف تتعلق بالخصوصية، حيث تقوم العديد من “الروبوتات” الخاصة بالدردشة بجمع بيانات المستخدمين، مما يطرح تساؤلات حول مدى أمان هذه التفاعلات. هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي صديقًا إذا كان يسجل كل كلمة نقولها ويحلل بياناتنا لاستخدامها لاحقًا؟

هل نحن مستعدون لعالم يكون فيه لـ”الروبوتات” دورا في حياتنا العاطفية؟

مع استمرار تطور تقنيات التفاعل العاطفي، قد تصبح “الروبوتات” أكثر قدرة على التكيف مع شخصية المستخدم وتطوير “علاقة طويلة الأمد” معه. بعض الشركات تعمل بالفعل على تطوير “الروبوتات” يمكنها تذكر المحادثات السابقة، وتقديم ردود أكثر تخصيصًا، وحتى التعلم من تفاعلاتها مع المستخدم بمرور الوقت. هذا قد يجعلها أكثر اندماجًا في حياتنا اليومية، وربما أكثر تأثيرًا مما نتخيل.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن بين استخدام هذه التقنيات والاستمرار في بناء العلاقات البشرية الطبيعية. لا يجب أن تحل “الروبوتات” محل الأصدقاء أو العائلة، بل ينبغي أن تظل أداة مساعدة تعزز التفاعل الاجتماعي بدلاً من أن تستبدله. على سبيل المثال، يمكن استخدامها كأداة لدعم الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي، ولكن ليس كبديل عن التفاعل الحقيقي.

هل “الروبوتات” أصدقاؤنا حقًا؟

في النهاية، يمكننا القول إن “الروبوتات” الخاصة بالدردشة قد تكون مفيدة لكنها ليست بديلا عن العلاقات الحقيقية. هي توفر الراحة، الاستماع، وحتى بعض التعاطف المزيف، لكنها تظل في النهاية مجرد برامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وليست كيانات حقيقية تشعر مثلنا. مع استمرار تطور هذه التقنية، سيكون علينا أن نقرر: هل نريد أن يكون الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة؟ أم أننا مستعدون لمنحه دورًا أكبر في حياتنا العاطفية والاجتماعية؟

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى