تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي

هل سيجعل الفئات المهمشة أكثر تهميشا؟

في زاوية مظلمة من الإنترنت، حيث لا تصل الأضواء الساطعة للابتكار والتكنولوجيا، يوجد سؤال يشغل الكثيرين “ماذا يحدث عندما تدمج التقنيات الأكثر تقدما مع الحياة اليومية لأولئك الذين طالما تم تجاهلهم؟”. وفي الواقع، إذا كان الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا جديدة، هل يعزز العدالة الاجتماعية أم يزيد الهوة بيننا؟

“الذكاء الاصطناعي” أصبح مهيمنا على كل جانب من جوانب حياتنا، من الخوارزميات التي تحدد المحتوى الذي نشاهده على الإنترنت إلى الأطباء الرقميين الذين يقدمون التشخيصات. ولكن في هذه الثورة الرقمية، تكمن مشكلة حقيقية: ليس الجميع سيستفيد بنفس القدر من هذه الابتكارات. هل تساءلت يومًا عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الأشخاص الذين لا يمتلكون نفس الفرص التكنولوجية؟

الذكاء الاصطناعي” سلاح ذو حدين للفئات المهمشة

بينما يعد “الذكاء الاصطناعي” بالكثير من الفرص لتحسين حياة الأشخاص في المناطق النائية أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن العواقب قد تكون بعيدة المدى إذا لم يتم التعامل مع هذه التكنولوجيا بعناية. على سبيل المثال، في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الوصول إلى المعرفة والعلاج، خاصة للفئات التي تعاني من نقص في الخدمات الأساسية.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذا تم اعتماد هذه الأدوات دون مراعاة التنوع الاجتماعي والثقافي، فإنها قد تُسهم في تعزيز التمييز. مثلاً، العديد من الأنظمة الذكية التي تعمل على تحليل البيانات تكون مُعتمدة على مجموعات بيانات تفتقر إلى التنوع، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة. إذا كان “الذكاء الاصطناعي” يستخدم بيانات يغلب عليها استخدام أساليب وطرق تكنولوجية تخص الأغنياء أو الأقليات المهيمنة، فكيف يمكن توقع أن يعكس هذه الأنظمة تطلعات واحتياجات الفئات المهمشة؟

 

هل سيتحكم “الذكاء الاصطناعي” في وظائفهم؟

“الذكاء الاصطناعي” قد يسرق وظائفهم، هو أحد المخاوف الأكثر شيوعًا، لكن ماذا لو كان الذكاء الاصطناعي يحرمهم حتى من فرصهم في الحصول على وظائف؟، أظهرت بعض الدراسات أن الخوارزميات التي يتم استخدامها في اختيارات التوظيف يمكن أن تكون منحازة ضد النساء والأقليات العرقية، مما يفاقم وضع هؤلاء الأشخاص. لننظر على سبيل المثال في منصات التوظيف الرقمية، حيث تستخدم الخوارزميات لتصفية السير الذاتية بناء على معايير قد تكون متحيزة ثقافيًا أو عرقيا. هل يعقل أن “الذكاء الاصطناعي”، الذي من المفترض أن يكون محايدًا، يساهم في تهميش هؤلاء الأشخاص بشكل أكبر؟

 

التحديات الجديدة لـ “الذكاء الاصطناعي” في عصر الفجوة الرقمية

الفجوة الرقمية ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي قضية اجتماعية تؤثر في الطبقات الأكثر ضعفًا، لأن “الذكاء الاصطناعي” يعتمد على البيانات، وهذه البيانات غالبًا ما تكون مشوهة بسبب غياب الوصول إلى تكنولوجيا عالية الجودة في العديد من المجتمعات. الأشخاص الذين لا يملكون الوصول إلى الإنترنت السريع أو الهواتف الذكية الحديثة هم الأكثر تهميشًا في هذا العالم الرقمي. وبدلاً من أن يكون “الذكاء الاصطناعي” أداة تواصل وإنصاف، قد يُعمق الفجوة بينهم وبين من لديهم القدرة على الاستفادة من هذه التقنيات.

 

هل يمكن أن يكون “الذكاء الاصطناعي” حلا للفجوات الاجتماعية؟

هنا تأتي الفرصة، إذا استُخدم “الذكاء الاصطناعي” بحذر، فإنه قد يكون وسيلة فعالة في الحد من التفاوت الاجتماعي. يمكن أن يساعد في تقديم خدمات صحية وتعليمية ومالية مخصصة للمجتمعات المهمشة. ولكن، هذا لن يحدث من تلقاء نفسه. الأمر يتطلب تطوير تقنيات شاملة ومفتوحة، تضمن تمثيلا عادلا لجميع الشرائح الاجتماعية. إذا ما تم تطبيق “الذكاء الاصطناعي” في هذه المجالات بطريقة شفافة، قد يؤدي ذلك إلى خلق فرص حقيقية للتقدم، لا سيما للفئات التي لم تحظَ بفرص تكنولوجية متكافئة حتى الآن.

 

ما هو السبيل إلى المستقبل أمام “الذكاء الاصطناعي”؟

لن يكون “الذكاء الاصطناعي” الحل السحري، لكنه بالتأكيد سيكون جزء من الإجابة إذا ما تم استخدامه بعناية. هناك حاجة ماسة إلى تكامل “الذكاء الاصطناعي” مع السياسات الاجتماعية العادلة، حتى لا نترك الفئات المهمشة وراءنا. كيف يمكن أن نضمن أن هذه التقنيات تتماشى مع قيم المساواة والعدالة؟ الجواب يكمن في تصميم الأنظمة التقنية بشكل يتسم بالمرونة والشمولية، مع وضع أطر قانونية تضمن محاربة التمييز وحماية الخصوصية.

في النهاية، لا يمكننا ترك “الذكاء الاصطناعي” يُحدد مصير أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة. بدلاً من أن يكون أداة تفاقم للفجوات، يجب أن يكون قوة دافعة نحو عالم أكثر تساويًا.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى