
في عالم يزداد ارتباطًا بالتقنية، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن ما بدأ كوسيلة للتواصل والترفيه، تحول إلى أداة تعزز النرجسية وتزيد من هوسنا بالذات.
فكيف ساهمت هذه المنصات في تعميق هذا الاتجاه؟
من التواصل إلى الترويج الذاتي
عندما ظهرت أولى منصات التواصل، كانت الفكرة بسيطة: التواصل مع الأصدقاء ومشاركة اللحظات المهمة. لكن مع مرور الوقت، تحولت هذه المنصات إلى مساحات للترويج الذاتي، حيث أصبح كل مستخدم يعيش في عالمه الخاص، يشارك فيه صورًا مثالية عن حياته، ويبحث باستمرار عن الإعجابات والتعليقات التي تعزز صورته الذاتية.
النرجسية الرقمية
وفقًا لدراسات نفسية، فإن منصات التواصل تعزز النرجسية لدى المستخدمين. فالقدرة على التحكم في الصورة التي نعرضها للعالم، وإمكانية حذف أو تعديل أي محتوى لا يعجبنا، تجعلنا نشعر بأننا في مركز الكون. هذا الشعور بالتفرد والتميز يغذي النرجسية، ويجعلنا ننسى أن الحياة الواقعية ليست دائمًا مثالية كما نصورها على الإنترنت.
الإعجابات: العملة الجديدة
الإعجابات أصبحت العملة الجديدة التي نعيش من أجلها. كل إعجاب أو تعليق إيجابي يعزز شعورنا بالأهمية، بينما يؤدي غيابها إلى الشعور بالإحباط والقلق. هذه الدورة المستمرة من البحث عن التأكيد الخارجي تجعلنا أسرى لمنصات التواصل، حيث نعيش في حالة دائمة من القلق بشأن كيفية ظهورنا للآخرين.
العزلة في عالم متصل
على الرغم من أن منصات التواصل تزعم أنها تجمع الناس، إلا أنها في الواقع تعزز العزلة. فبدلاً من بناء علاقات حقيقية، نعيش في عالم افتراضي حيث العلاقات سطحية ومؤقتة.
هذا الانفصال عن الواقع يجعلنا نشعر بالوحدة، حتى عندما نكون محاطين بمئات الأصدقاء الافتراضيين.
هل هناك مخرج؟
في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال: كيف يمكننا التحرر من هذا الهوس بالذات؟ الحل قد يكمن في إعادة تعريف علاقتنا بمنصات التواصل. بدلاً من استخدامها كوسيلة للترويج الذاتي، يمكننا استخدامها كأداة للتواصل الحقيقي وتبادل الأفكار والخبرات.
كما أن تقليل الوقت الذي نقضيه على هذه المنصات، والتركيز على العلاقات الواقعية، يمكن أن يساعدنا في استعادة توازننا النفسي.
منصات التواصل الاجتماعي ليست شرًا مطلقًا، لكنها أداة قوية يمكن أن تُستخدم بشكل إيجابي أو سلبي. المفتاح هو أن نكون واعين بكيفية تأثيرها على حياتنا، وأن نسعى لاستخدامها بطريقة تعزز صحتنا النفسية بدلاً من أن تدمرها.
في النهاية، الحياة الحقيقية هي التي تحدث خارج الشاشات، وعلينا ألا ننسى ذلك.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله