الحدث

التفجيرات النووية بصحراء الجزائر في ذكراها الـ 65

الدمار يلاحق الإنسان ويقضي على الحيوانات البرية والأنظمة البيئة كليا

  • جريمة ضد الإنسان والحيوان والبيئة

تحيي اليوم الجزائر الذكرى الـ 65 للتفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة رقان، التي خلفت ضحايا وكوارث بيئية لازالت آثارها قائمة لحد الساعة، أين تسببت في القضاء على الكائنات الحية وفي مقدمتها الحيوانات البرية وتسمم الغطاء النباتي الذي أدى إلى هلاك الماشية والإبل، وتدمير كل الأنظمة البيئية، دون الحديث عن ما لحق بالسكان من أذى وتشوهات، ظلت تلاحقهم، حيث لا تزال كل من مناطق رقان بأدرار، عين انكر بتمنراست، ووادي الناموس ببشار يدفعون ثمنا باهظا جراء الإشعاعات النووية التي أصبحت موضعا للنفايات المشعة.

خلفت التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا بالصحراء الجزائرية، الكثير من الأضرار سواء الصحية أو النفسية أو الايكولوجية، بالرغم من أن الاتجاهات القانونية السائدة في المجتمع الدولي تميل إلى حظر التجارب النووية لما لها من آثار سلبية على البيئة، إلا أن التطبيق العملي لهذا الحظر يسير بخطىً بطيئة لا تتناسب في سرعتها مع سرعة وقوة الخطر الذي يتربص بالبيئة مع كل تفاعل نووي أيا كان الغرض منه.

فالجزائر كان لها نصيب من هذه التجارب النووية، حيث قامت فرنسا بإجراء (17) تجربة نووية في مطلع الستينات من القرن الماضي في مدينتي “رقان” و”عين إينكر” و”واد الناموس” جنوبي الجزائر. استغلت فيها فرنسا في ذلك الوقت انتشار الجهل والفقر والبطالة في تلك المناطق، وكانت نتائجها كارثية على البيئة والإنسان معا.

يقول الدكتور الراحل “كاظم العبودي” بخصوص عدد التجارب النووية التي أجرتها فرنسا على التراب الجزائري، “أنها اعترفت بـ04 تجارب في منطقة رقان بولاية أدرار، و13 في عين إينكر بولاية تمنراست جنوب الجزائر، لكن “العبودي” يؤكد أن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية، وأن المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر كانت مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي، وأن مواقع إجراء التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية تحمل أكبر المخاطر البيئية المسكوت عنها”.

 

حفر عميقة شاهدة على فظاعة الحدث بـ رقان ولاية أدرار

بعد رحيل القوات الفرنسية من قاعدة التجارب النووية بمنطقة رقان بأدرار، وضعت حفر عميقة جدا بواسطة الآلات الضخمة وكدست بها كامل المعدات والآلات المستعملة في تنفيذ الأشغال الثقيلة والنفايات من مواد كيماوية وبيولوجية وبكتيرية ومواد مشعة. هذه المواد التي ظلت طوال السنوات مستيقظة بسبب تفشي وانتشار الإشعاعات النووية في باطن الأرض، والذي انعكس مع طول الوقت على صحة الإنسان والبيئة ككل ويعيشه أهالي هذه المناطق يؤكد فظاعة المشاهد.

 

التجارب النووية الفرنسية في عين إينكر بتمنراست

إن اختيار منطقة الهڤار تم وفق شروط بيئية وجيولوجية، تمكنت فرنسا من استخدامها كمنطقة تجارب باطنية وكمدافن للمواد المشعة والنفايات النووية، ولم تتوفر لحد اليوم أية دراسات وضمانات من قبل السلطات الاستعمارية تؤكد مستويات التلوث، خاصة المياه الجوفية والمواد التي تطايرت بسبب انفجار أحد القنابل وتسرب مواد الانفجار لمسافات بعيدة خارج الأنفاق.

واستغلت فرنسا موقع عين إينكر بصحراء تمنراست لمدة 5 سنوات لإقامة تجاربها النووية، وبالضبط  كان بمنطقة تاوريرت منذ 07 نوفمبر 1961 إلى غاية 16 فيفري 1966، فقد تم الإعداد طويلا لسلسلة التفجيرات النووية الفرنسية في منطقة عين إينكر في جبل الهڤار ووقع الاختيار المدروس لها، ويمتاز هذا الجبل بصلابة صخوره، واعتبر موضعا جيدا لإجراء التجارب الباطنية.

وقد تم إجراء التجارب خلال الفترة ما بين عام  1961 و1966 داخل أنفاق، أنجزت خصيصا لهذا الغرض مخترقة الجبل من عدة جهات، وتم تصممها لأغراض التجارب وقدرتها التفجيرية، حيث بلغ عدد التجارب الباطنية 13 تجربة اعتبرت إحداها تجربة فاشلة تمت بتاريخ 22 مارس 1965 تفاوتت طاقة تجارب عين إينكر في جبل الهڤار لكن الانفجارات وصلت إلى مسافات عميقة بعيدة داخل الأرض، وسجلت أجهزة الرصد الزلزالي آثارها بمسافات بعيدة منها ما وصل إلى منطقة تاتروك على بعد 200 كيلومتر عن موقع التفجيرات، إحدى هذه التجارب أجريت يوم 18 مارس 1963 سميت تجربة مونيك بلغت طاقتها التفجيرية ما يعادل 127 كيلو طن “تي آن تي”، لوحظت اهتزازات عبر مسافات تقع بين 3 و613 كيلومترا.

 

تجارب فرنسا بواد الناموس بولاية بشار.. جريمة ضد الإنسان والحيوان والبيئة

الخطر محيط بكل مكان بوادي الناموس بولاية بشار، بسبب الإشعاعات النووية التي قضت على التنوع البيولوجي وهجرت كل أنواع الحيوانات البرية والطيور التي هلكت بسبب التسممات، إنها خطورة الإشعاع النووي الذي تسبب في إصابات بالسرطان وتشوه الأجنة، إلى جانب تأثيره على البيئة، دون أن ننسى هلاك المئات من رؤوس الماشية والإبل بسبب الرعي في أماكن مجاورة لولاية بشار.

 

فرنسا مطالبة بالاعتراف بجريمتها ضد الإنسانية وتعويض ضحايا التفجيرات النووية

يتميز القرار المؤرخ في 22 سبتمبر 2014 والذي يحدد كيفية تطبيق قانون مورين، المؤرخ في 5 جانفي 2010 المتعلق بالاعتراف وتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية بكونه قرار لا يلبي معاناة ضحايا التفجيرات النووية، وهذا بعد أن تسببت التجارب الفرنسية في إصابة السكان بأشعة خطيرة لا تزال آثارها إلى اليوم، وأن هذه التعويضات لا تخص كل المتضررين من السكان والعسكريين الذين ينحدرون من المنطقة أو أقاموا فيها خلال فترة التجارب النووية، كما يحمل القرار نفس القرار صورة جد مبهمة، ولا يحفظ للجزائريين حقهم فهو يقصيهم من الفئة المعنية من برنامج التعويض.

تؤكد الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بالجزائر، على أن هذا القانون مبهم، مراوغ ومتناقض فهو يشرح بوضوح لا مسؤولية وسوء نية السلطات الفرنسية في تعويض ضحايا يعانون من أمراض ناجمة عن الإشعاع.

ويجب تعديله ما دامت فرضية السببية الصارمة غير مطبقة، رغم أن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر هي الكارثة البيئية والإنسانية، التي مازالت قائمة تسبب أمراضا من بينها عدة أنواع من السرطان الناجمة عن الإشعاعات وإلى غاية اليوم لم يتم الاعتراف بأي ضحية مدنية لتلك التجارب. مع ضرورة أن يبدي الباحثون الجزائريون كل في مجاله مزيدا من الاهتمام بالآثار السلبية التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، داعيا إلى الاستفادة من تجارب الدول التي عانت من نفس الكارثة.

وهنا يجب تدخل القانونيين والأطباء والمؤرخين والباحثين في مجال الهندسة النووية، من خلال البحث عن الأدلة الكافية لإدانة فرنسا وفضح بشاعة جرائمها أمام العالم من جهة، والعمل على الحد من آثار هذه الجرائم على البيئة والإنسان من جهة أخرى. مع تسليط الضوء إعلاميا على مخاطر وتبعات التفجيرات النووية من خلال نفض الغبار عن بعض الحقائق التي تساعد في تلبية مطالب السكان الذين يعانون من نتائج هذه الجرائم، وتوصيل صوت هؤلاء إلى العالم كمحاولة للضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها، وتعويض الضحايا.

وتبقى مسألة تعويض ضحايا مأساة التفجيرات النووية هي مسؤولية الجميع أمام الأجيال القادمة، خاصة بعد اعتراف فرنسا ضمنيا بالكارثة البيئية والإنسانية. وهنا يجب على فرنسا تقديم كل أرشيفها النووي للجزائر المتعلق بالتفجيرات والتجارب النووية وعدم التحجج بأسرار الدفاع والأمن القومي، وكشف الخرائط النووية والنفايات وكذلك مكونات القنابل المختلفة وتركيباتها ومدى تأثيرها، حسب القرب أو البعد والوزن ونتائجها على المحيط…الخ

بالاضافة إلى ذلك على وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات إنشاء مراكز مختصة في الطب النووي والسرطان على مستوى ولاية أدرار وولاية تمنراست.

 

أدوات للإبادة الجماعية والتي أتت على الأخضر واليابس

في الأخير، لقد كانت التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا بصحراء الجزائر ليست عبارة عن قنابل للتجارب فحسب، بل كانت أدوات للإبادة الجماعية والتي أتت على الأخضر واليابس وأضرت بالمنطقة كليا تاركة آثارا وخيمة على الإنسان والبيئة، وأصبحت الصحراء الجزائرية مقبرة للنفايات، هذه الأخيرة التي تبقى واحدة من أهم وأخطر مشاكل التلوث فمن حق المواطن أن يعيش في بيئة سليمة، لقد كان لهذه التجارب النووية آثارا وخيمة على الإنسان والبيئة.

لقد أصبح من الضروري دق ناقوس الخطر نظرا للحالات الغريبة وغير المألوفة المسجلة في بعض الولادات الحديثة التي تعاني تشوهات خلقية يصعب تحمل مشاهدها المأساوية، خاصة وأن الاحتمال قائم بشكل كبير لعلاقتها بتأثيرات الإشعاعات النووية التي تعد من مسببات التشوهات الخلقية، حسبما ما أثبتته الأبحاث العلمية إلى جانب حالات الإصابة بمختلف أمراض السرطانات وأمراض العيون التي تسجل من سنة لأخرى.

أما بيئيا، فتأثيرات هذه الجرائم وما تلحقه بالطبيعة وبالكائنات التي تعيش بها أصبح بمثابة الهاجس الذي يهدد المنطقة كليا بسبب الإشعاعات النووية، وما تسببه من موت بطيء، لذا أصبح  إلزاميا لفت انتباه الجميع لهذه المسألة، خاصة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية من أجل تشخيص ودراسة مشاكل التجارب النووية بهدف الوصول إلى آليات عملية، من شأنها أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لمعالجة التداعيات والانعكاسات الخطيرة التي عانت وتعاني منها المناطق التي شهدت وعاشت الجرائم النووية.

 

بقلم:  الدكتور ابراهيم سلامي (باحث وإعلامي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى