
الكتابة، تلك الأداة التي رافقت الإنسان عبر العصور، تواجه اليوم تحولاً جذرياً في ظل الثورة الرقمية التي تعيد تشكيل هويتها وأسلوبها. لم تعد الكتابة حبيسة الورق، بل انطلقت إلى فضاءات جديدة من التفاعل والإبداع، مما أتاح لها الوصول إلى آفاق أوسع ومواكبة متطلبات العصر الرقمي. هذا التحول عزز كفاءتها ووسع نطاقها، مما أعاد صياغة العلاقة بين الكاتب والقارئ في زمن يعتمد على التفاعل والسرعة
الرقمنة أعادت تشكيل عالم الكتابة بطرق غير مسبوقة، فقد أصبح النشر والتوزيع سهلاً وسريعاً، مما أتاح للكتاب الوصول إلى جمهور عالمي بضغطة زر. كما أضافت الوسائط المتعددة بُعداً جديداً للإبداع، حيث مزجت النصوص بالكلمات والصور والفيديو، وأنتجت أشكالا مبتكرة مثل الكتب الإلكترونية والنصوص التفاعلية. علاوة على ذلك، ساهمت أدوات معالجات النصوص الرقمية في تبسيط عملية الكتابة، التحرير، والتنسيق، ما جعل الكتابة أكثر كفاءة مقارنة بالطرق التقليدية.
لكن، وعلى الرغم من هذه الفوائد، تثير الثورة الرقمية تساؤلات حول مستقبل الكتابة، وما إذا كانت هذه الأدوات الحديثة قد تهدد أصالتها. مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على توليد نصوص دقيقة وسريعة، أصبحت الكتابة التقليدية أمام تحديات غير مسبوقة. أبرز هذه التحديات يتمثل في تراجع النصوص العميقة والطويلة لصالح المحتوى المختصر الذي يواكب إيقاع الجمهور الرقمي، كما تصاعد خطر الانتحال وسرقة النصوص مع سهولة نسخها وتداولها دون حماية قانونية كافية.
الاعتماد على البرمجيات التلقائية أثار تساؤلات حول مصير الإبداع الأصيل، حيث أصبحت النصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي تنافس الإنتاج البشري بشكل مباشر. هذا الواقع يفرض على الكتّاب اليوم مسؤولية التوازن بين توظيف الإمكانات الرقمية والحفاظ على هوية الكتابة كفن إنساني يعبر عن التفرد والابتكار.
وفقاً للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل وعوداً بإحداث تغييرات جذرية في الكتابة، من خلال تحسين الإنتاجية وجودة النصوص عبر أدوات ذكية تساعد في تحليل البيانات وتصحيح الأخطاء. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على أصالة الكتابة والإبداع البشري وسط زخم النصوص المعيارية المنتجة آلياً.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله