تكنولوجيا

الإدمان الرقمي 

التعلق المفرط بالمحتوى الرقمي

في عالمنا اليوم، يبدو أن الحياة الرقمية قد أصبحت امتدادا لحياتنا الواقعية، حيث نتنقل بين الشاشات كأننا نعيش في بُعد موازٍ. ومع كل نقرة أو تمريرة، نغرق أكثر في فضاء افتراضي لا يعترف بالزمن ولا الحدود. لكن، هل نحن حقًا نتحكم في هذا العالم الرقمي، أم أنه هو من يتحكم فينا؟ هنا يظهر مفهوم الإدمان الرقمي، الذي يدفعنا للتأمل في طبيعة علاقتنا بهذه التكنولوجيا المتشابكة.

الإدمان الرقمي هو اعتماد مفرط على الأجهزة والمحتوى الرقمي، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب، مما يؤثر سلبا على الحياة اليومية والصحة النفسية. يعود هذا الإدمان إلى عوامل مثل البحث عن الإشباع الفوري والحاجة إلى القبول الاجتماعي، حيث تحفز ردود الفعل الرقمية إفراز الدوبامين في الدماغ، مما يعزز الرغبة في استخدام الأجهزة باستمرار.

 

كيف نعرف بأننا نعاني من أعراض الإدمان الرقمي ؟

بحسب هيئة تحرير مستشفى إن بي إسطنبول النفسي، تظهر أعراض الإدمان الرقمي في تغييرات جسدية وعقلية واجتماعية تؤثر على حياة الفرد بشكل سلبي. أبرز هذه الأعراض تشمل الرغبة المفرطة في التحقق المستمر من الأجهزة الرقمية، وصعوبات في إدارة الوقت تؤدي إلى التأثير على العمل أو الدراسة. كما يعاني المدمنون من اضطرابات في النوم نتيجة الاستخدام المفرط للأجهزة ليلاً، مما يؤثر على نشاطهم في اليوم التالي. 

إلى جانب ذلك، يظهر تراجع في الأداء الأكاديمي والوظيفي، وعزلة اجتماعية بسبب تفضيل التفاعلات الرقمية على الواقعية. تشمل الأعراض أيضًا تغيرات في المزاج، مثل التوتر والاكتئاب، ومشاكل صحية جسدية كإجهاد العين وآلام الظهر والرقبة. يُلاحظ أيضًا قلق عند عدم القدرة على الوصول إلى الأجهزة، وسلوكيات تجنب لإخفاء الاستخدام المفرط، هذه الأعراض مجتمعة تشير إلى تأثير الإدمان الرقمي على الصحة العامة والتوازن الحياتي للفرد.

 

أبرز أشكال الإدمان الرقمي

تصنف أنواع الإدمان الرقمي إلى فئات مختلفة بناء على عادات الأفراد في استخدام الأجهزة والمحتوى الرقمي، من أبرزها إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقضي الأفراد وقتًا مفرطًا على المنصات الرقمية بحثًا عن التفاعل من خلال الإعجابات والتعليقات، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التحكم في الوقت المستخدم. 

هناك أيضًا إدمان الألعاب، الذي يتمثل في اللعب المفرط لألعاب الفيديو أو الألعاب عبر الإنترنت ما يؤثر على العلاقات الاجتماعية والحياة العملية، وقد اعترفت منظمة الصحة العالمية بهذا النوع كاضطراب صحي. أما إدمان الإنترنت فيتجلى في الحاجة المستمرة للاتصال بالإنترنت واستهلاك المحتوى، مما يسبب عزلة عن الحياة الواقعية. يشمل الإدمان الرقمي أيضًا إدمان التسوق عبر الإنترنت، حيث يشعر الأفراد برغبة مستمرة في التسوق غير الضروري، متأثرين بالعروض والإعلانات، مما قد يؤدي إلى مشكلات مالية، هناك أيضا إدمان مشاهدة الفيديو والمسلسلات، حيث يقضي الأفراد ساعات طويلة على منصات مثل نتفليكس، ما يسبب اضطرابات في النوم وإهمال الأنشطة اليومية.

 

الرحلة تدريجية نحو الاعتماد المفرط

يبدأ الإدمان الرقمي تدريجياً نتيجة عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية، يُعد البحث عن المكافأة الفورية أحد المحركات الرئيسية، حيث تُحفز المنصات الرقمية الدماغ على إفراز الدوبامين عبر مكافآت مثل الإعجابات، الفوز في الألعاب، أو العثور على عروض التسوق، مما يعزز الشعور بالرضا ويدفع الفرد لتكرار التجربة. وتُساهم سهولة الوصول إلى الأجهزة الرقمية والجاذبية المستمرة للمحتوى، إلى جانب الحاجة إلى الموافقة الاجتماعية، في زيادة الاعتماد عليها،حيث يجد المستخدمون قيمة ذاتية في التفاعل الرقمي. كما قد يصبح المحتوى الرقمي ملاذًا للهروب من ضغوط الحياة اليومية أو الشعور بالوحدة، ما يعمق العزلة الاجتماعية. إضافة إلى ذلك، يغذي القلق من تفويت الأخبار أو التحديثات ورغبة المستخدمين في التواجد المستمر عبر الإنترنت، مما يرسخ عادات الاستخدام المفرط ويؤدي إلى الإدمان.

 

كيفية التعامل مع الإدمان الرقمي

  للحد من آثار الإدمان الرقمي، يمكن اتخاذ خطوات فعالة تشمل تحديد أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الرقمية وأخذ فترات راحة منتظمة لتجنب الجلوس الطويل أمام الشاشات، مما يحسن الصحة البدنية. تشجيع الأنشطة البديلة، مثل الرياضة، التفاعل الاجتماعي، والمشي في الطبيعة، يسهم في تقليل الاعتماد على الأجهزة. كما أن تقليل استخدام الشاشات قبل النوم يعزز جودة النوم ويخفف من الأرق المرتبط بالإدمان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يلعب الدعم الاجتماعي والأسري دورًا محوريًا، بينما تظل المساعدة المهنية ضرورية للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التحكم في عاداتهم الرقمية. تبني هذه التدابير يساهم في خلق توازن صحي وتقليل الآثار السلبية للإدمان الرقمي.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى