الحدث

الجزائر تحتفي بذكرى عيد النصر الذي يصادف 19 مارس من كل سنة

الدبلوماسية الجزائرية تجبر فرنسا على الرضوخ

الجزائر تحتفي بذكرى عيد النصر الذي يصادف 19 مارس من كل سنة

يحيي الشعب الجزائري اليوم، ذكرى بعيد النصر الذي يصادف 19 مارس من كل سنة، بمرور 62 سنة على توقيع “اتفاقيات إيفيان” التي أنهت الحرب بين “جبهة التحرير الوطني” الذي كان الممثل الشرعي للثورة الجزائرية والجيش الفرنسي الإستدماري، بعد 132 سنة من الاحتلال، قبل أن يجرى استفتاء على تقرير المصير في 1 جويلية 1962، توج بنيل الجزائر استقلالها في 5 جويلية بعد 132 سنة من الاحتلال، وعقب ثورة دامت 7 أعوام ونصف العام، و15 ثورة عرفتها الجزائر إبا الإستدمار الفرنسي طيلة 132 سنة، حيث رضخت فرنسا الرسمية للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الجزائرية المؤقتة للتوصل إلى حل نهائي لوقف إطلاق النار بين الجانبين، والقبول بتقرير الجزائريين مصيرهم “بعيدا عن فرنسا الاستعمارية”.

أطلق على الـ 19 من مارس في الجزائر بـ “عيد النصر”، حيث تقرر فيه توقيف القتال بين “جيش

التحرير الوطني” و”جيش الإحتلال الفرنسي” عقب التوقيع على اتفاقيات “إيفيان” في 18 مارس

1962. حيث أن هذا التاريخ المجيد كان مشك ختام الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962) وبشكل

خاص بعد مسار طويل من النضال والاتصالات والمفاوضات السرية والعلنية التي جرت على مراحل

مع الطرف الفرنسي، وفق ما تؤكده عدة مراجع تاريخية.حيث جرى أول اتصال رسمي من السلطة

الفرنسية بين الرائد مونتاي (الملحق بديوان الوالي العام على الجزائر جاك سوستيل) مع المناضل

الجزائري “مصطفى بن بولعيد” بالسجن في تونس، في فبراير 1955، ثم تجدد اللقاء في العاصمة

المصرية القاهرة بين الوفدين في ماي من نفس السنة لكن لم يحصل أي جديد يذكر.

إختطاف الطائرة وسلم الشجعان وتجديد المفاوضات

وقد شكل حدث اختطاف الوفد الجزائري المكون من (محمد خيضر، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة،

محمد بوضياف ومصطفى الأشرف) أثناء تنقلهم من المملكة المغربية باتجاه تونس للمشاركة في

اجتماع قادة المغرب العربي، في أكتوبر 1955، التي اعتبرت يومها كأول قرصنة جوية في التاريخ

نفذتها المخابرات الفرنسية، منعرجا آخر في هذه المفاوضات حيث توقفت نهائيا بين الجانبين. وفي 19

سبتمبر 1958 تم تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة بالقاهرة، خاصة بعد قيام الجنرال “شارل ديجول”

بزيارة إلى الجزائر معلنا في خطابه الشهير في قسنطينة عن مخطط التنمية الاقتصادية والثقافية

والاجتماعية المعروف بـ”بمشروع قسنطينة”.

 ندوة صحفية للجنرال “شارل ديغول”  بباريس

التي أبان كثيرا عن الطموحات الإستدمارية المستقبلية من أجل الحفاظ على الجزائر فرنسية.

وبعد شهر من ذلك، تحديدا في 23 أكتوبر 1958، عقد الجنرال “شارل ديغول” ندوة صحفية في

باريس وأعلن عن “سِلم الشجعان”، داعيا فيه المناضلين الجزائريين إلى تسليم أنفسهم، ومقترحا

على قادة جبهة التحرير الوطني الموجودة بالخارج الالتحاق بباريس للحوار لإنهاء الوضعية القائمة

بالجزائر، لكن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية رفضت هذا العرض.

وظل الترقب قائما حتى ألقى يوم 16 سبتمبر 1959، الجنرال “شارل ديغول” خطاباً أعلن فيه حق

الشعب الجزائري في تقرير مصيره، ليأتي الرد سريعاً من حكومة الجزائر المؤقتة ومعلنة دون

تردد استعدادها للدخول في المفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول الشروط السياسية

والعسكرية لإيقاف القتال، وشروط ضمانات تطبيق تقرير المصير. وتم ذلك رسمياً في 10 نوفمبر

1959، حيث عرض الرئيس الفرنسي الأسبق “شارل ديغول” على قادة الثورة الدخول في

المفاوضات لبحث شروط إيقاف القتال وإنهاء المعارك، فجاء الرد الجزائري موافقاً وتعيينه لقادة

الثورة المعتقلين في فرنسا للتفاوض، لكن ديغول رفض ذلك بحجة أن المعتقلين خارج المعركة.

يؤكد كعظم المؤرخين بأن تجديد الإثصالات بين في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية

والحكومة الفرنسية الإستدمارية، كان يوم فبراير 1960 بتونس بين “عبد الحفيظ بوصوف” بصفته

وزير التسليح والاتصالات العامة، والمؤرخ “أندري جوليان”، وعليه كشف الجانب الفرنسي عن

استعداده لاستقبال وفد عن قادة الثورة في باريس من أجل إيجاد نهاية مشرفة للمعارك، فجاءه

الرد بالقبول من حكومة الجزائر المؤقتة التي سارعت إلى إرسال مبعوثين عنها وهما “محمد

الصديق بن يحي” و”أحمد بومنجل”.

شروط “شارل ديجول”

بعد أن رفضت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية شروط “شارل ديجول” التي من بينها وضع

السلاح ووقف القتال، وبعد أن حاول أيضا طرح فكرة “تقسيم الجزائر ترابياً” وسط رفض جزائري،

ذكر للمرة الأولى في نوفمبر 1960 وفي خطاب له اسم “الجمهورية الجزائرية”.

لكن المظاهرات الحاشدة في معظم مدن الجزائر في 11 ديسمبر 1960، ساهمت بشكل كبير

في تسريع وتيرة المفاوضات ورضوخ فرنسا المستدمرة أكثر لمطالب الحكومة المؤقتة للجمهورية

الجزائرية، خاصة بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر من نفس السنة

بما سمّي “لائحة اعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره”، بحيث لم تنتظر طويلا فقامت

الحكومة الفرنسية بإبلاغ نظيرتها السويسرية نهاية جانفي 1961، برغبتها في الاتصال من جديد

بجبهة التحرير الوطني الجزائري، ومن تم اتصل الوزير السويسري “أوليفي لونغ” بأحد مسؤوليها

للنظر في إمكانية إجراء مفاوضات رسمية، وكانت ردة فعل الحكومة الجزائرية إيجابية وسسريعة أيضا.

فتح المفاوضات الأولى رسميا بمدينة “إيفيان” السويسرية

وأفاد معظم الباحثين والمؤرخيين في الجزائر وحتى فرنسا، بأنه انطلقت محادثات سرية في لوزان السويسرية بين الوفدين الجزائري والفرنسي في 20 فبراير 1961، لكن الوفد الفرنسي المفاوض جاء وفي حقيبته أن “الجزائر الشمالية دون الصحراء”، فيما كان الوفد الجزائري يلحّ على التفاوض حول ضمانات تقرير المصير والسيادة الكاملة على كل البلاد بما فيها الصحراء، وهذا ما عكّر جو المفاوضات خاصة ما تعلق بمواقف الوفدين اللتين كانت متباعدة حول القضايا المطروحة للحوار، وبعد 7 ساعات من المحادثات، فشلت هذه المفاوضات

لكن وقع حادث داخل الحكم الفرنسي لم يكن في الحسبان، حيث تمرد داخل الجيش الفرنسي قاده 4 جنرالات ضد سياسة الجنرال “شارل ديجول” رئيس الجمهورية الخامسة في أبريل 1961، وعليه شعرت السلطات الفرنسية بخطر الانقسام يهددها في صميم قواتها العسكرية، مما دفع مرة أخرى بالجنرال ” شارل ديجول” على إيجاد حل عاجل للقضية الجزائرية، فسارع للإتصال بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية عن استعداده وعزمه للتفاوض مع جبهة التحرير الوطني كممثل وحيد للشعب الجزائري، وفي 20 ماي 1961، أعلنت الحكومتان الجزائرية والفرنسية عن فتح المفاوضات الأولى رسميا بمدينة “إيفيان” السويسرية.

المفاوضات بين الحكومتين بحضور الوسيط السويسري

ولكن هذه المرة، كانت المفاوضات بين الحكومتين بحضور الوسيط السويسري “أوليفي لونغ”، يومها ودون مماطلة وبالمختصر المفيد عرض الوفد الفرنسي الهدنة، ووقف العمليات العسكرية، وقانون امتيازي للأوروبيين وأخيرا حق تقرير المصير للثلاثة عشر مقاطعة في الشمال دون الصحراء، لكن الوفد الجزائري الذي شعر أنه في موقف قوة، رفض مبدأ المساس بسيادة ووحدة التراب الوطني، فتوقفت المفاوضات في 13 جوان بعد رفض الوفد الجزائري للمطالب الفرنسية.وبدأ العد التنازلي، حيث في جويلية 1961، عقد الرئيس الفرنسي الأسبق “شارل ديجول” ندوة صحفية أعلن فيها لأول مرة وبكل صراحة، أنّ “الجزائر دولة مستقلة”، وعليه تواصلت المفاوضات بين حكومتي البلدين ولكن بشكل متقطع حتى تم التأكيد رسميا ونهائيا في سبتمبر 1961، بأن “الصحراء جزائرية” لا جدال ولا تفاوض ولا رجعة في ذلك.

“اتفاقية إيفيان” (نسبة إلى مدينة إيفيان السويسرية)

وتواصل لقرابة سنة هذه الاتصالات والمفاوضات بين الوفدين إلى أن توصلا أخيرا إلى تدوين وكتابة بنود الإتفاقية التي ستعرف لاحقا، بـ”اتفاقية إيفيان” (نسبة إلى مدينة إيفيان السويسرية)، وقد تم بموجبها وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زوالا، حيث احتوت الاتفاقية على محوارين رئيسيين، الأول حول تنظيم “الشؤون السياسية والعامة في الجزائر” خلال المرحلة الانتقالية التي تمتد من 19 مارس إلى غاية الإعلان الرسمي لاستقلال الجزائر في الـ5 من جويلية 1962.

وهي الفترة التي نظم فيها الاستفتاء الشعبي الذي نال بموجبه الجزائريون على الاستقلال بالأغلبية الساحقة، حيث اختار الشعب بالأغلبية الانفصال عن فرنسا والعيش في وطن حر ومستقل يحمل اسم الجزائر. أما المحور الثاني فيتعلق بـ “ضمان مصالح فرنسا والفرنسيين الاقتصادية والتعاون في مجال استثمار الثروات الطبيعية”، و”تقليص عدد القوات الفرنسية الموجودة في الجزائر تدريجياً حتى خروجها بالكامل من البلاد”، و”السماح لفرنسا باستخدام القاعدة البحرية العسكرية بمرسى الكبير في وهران لمدة 15 عاما قابلة للتجديد في حال اتفاق الطرفين واستخدام بعض المطارات والمواقع العسكرية إذا اقتضت الحاجة”.

هشام رمزي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى