
في تطور غير مسبوق، أثارت شركة “ديب سيك” الصينية جدلًا واسعًا في الأوساط التكنولوجية بعد إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي R1 AI، الذي يُقال إنه قادر على مجاراة أداء نموذج GPT-4 من OpenAI، ولكن بتكلفة أقل بكثير. هذا الإعلان وضع شركات التكنولوجيا الأمريكية في موقف حرج، مما زاد المخاوف بشأن المنافسة الحادة بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه على أنه ساحة معركة استراتيجية.
“ديب سيك” تغيّر قواعد اللعبة
ما يميز DeepSeek R1 هو كفاءته العالية وإمكانية تشغيله على أجهزة متنوعة، من الهواتف الذكية إلى الحواسيب، ما يجعله أكثر قدرة على الوصول إلى المستخدمين مقارنة بالنماذج التقليدية التي تتطلب موارد ضخمة. لكن هذا الإنجاز لم يمر دون إثارة التساؤلات، حيث اتهمت OpenAI الشركة الصينية باستخدام نماذجها الخاصة لتدريب منافسها، وهو أمر تنظر إليه الشركات الأمريكية بعين الريبة، خاصة مع التقارير التي تشير إلى علاقات محتملة بين “ديب سيك” والحكومة الصينية.
ردود فعل متباينة: بين الإعجاب والقلق
فيما أشاد بعض الخبراء، مثل ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة Google DeepMind، بمدى تقدم نموذج R1، رأى آخرون أن الضجة المحيطة به مبالغ فيها. أما شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل مايكروسوفت وأبل، فقد أعربت عن اهتمامها بالابتكار الذي تقدمه “ديب سيك”، رغم التحفظات الأمنية والسياسية.
على الجانب الآخر، دعا بعض المشرعين الأمريكيين إلى حظر التطبيق من الأجهزة الحكومية، مستندين إلى تقارير أمنية تشابهت مع الجدل المثار سابقًا حول تطبيق “تيك توك”، والذي يواجه أيضًا ضغوطًا لبيعه إلى مستثمرين أمريكيين أو مواجهة الحظر.
الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.. فرصة أم تهديد؟
ما يجعل DeepSeek R1 مثيرًا للجدل ليس فقط قدرته على المنافسة، ولكن أيضًا طبيعة التكنولوجيا التي يعتمد عليها. فقد أتاحت الشركة الصينية بعض جوانب تقنيتها للباحثين والمطورين، لكنها لم تكشف عن الشيفرة الكاملة أو بيانات التدريب، مما يثير تساؤلات حول مدى الشفافية الحقيقية لهذا النموذج.
تسعى شركات مثل Hugging Face إلى فك رموز التكنولوجيا التي تقف وراء “ديب سيك”، فيما تتسابق الشركات الأمريكية لإيجاد طرق للاستفادة من هذا التقدم دون المساس بمصالحها الأمنية أو الاقتصادية.
OpenAI تدخل السباق بـ GPT-5
في ظل هذه المنافسة المحتدمة، كشفت شركة OpenAI عن نيتها إطلاق نموذجها الجديد GPT-5، إلى جانب نسخة محسّنة من GPT-4.5، بهدف تعزيز تجربة المستخدمين وتقديم مزايا إضافية. وأعلن الرئيس التنفيذي سام ألتمان أن النموذج سيكون متاحًا مجانًا، ولكن مع بعض القيود، بينما سيحصل المشتركون في الخدمات المدفوعة على مزايا موسعة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي: من يربح السباق؟
مع احتدام المنافسة بين “ديب سيك” وOpenAI، يبدو أن مجال الذكاء الاصطناعي يتجه نحو مرحلة جديدة، حيث يصبح الابتكار والكفاءة معيارين أساسيين لحسم التفوق. وبينما تستمر الصين في توسيع نفوذها التكنولوجي، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها عبر استثمارات ضخمة وتحالفات جديدة.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيغير الذكاء الاصطناعي الصيني موازين القوى، أم ستتمكن الشركات الأمريكية من الحفاظ على تفوقها؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله