الثـقــافــة

الأسبوع الاحتفالي بذكرى المبايعة الثانية لـ”الأمير عبد القادر” بتلمسان

الوحدة الوطنية هي رسالة "الأمير عبد القادر" الخالدة في الدولة الجزائرية الحديثة

تـزامـنا مع الـذكرى الـ 192 للبيعة الثانية لـ”لأمير عبد القادر الجزائري”، المصادفة للرابع من فـبراير عام 1833م، تحتضن دار الثقافة “عبد القادر علولة” خلال الفـترة الممتدة من 04 إلى 10 فيفـري 2025، الأسبوع الاحتفالي بذكرى المبايعة الثانية لـ”الأمير عبد القادر”، حيث يتضمن برنامج الاحتفالية معارض، محاضرة، ورشات فنية، أنشطة فكرية، بالإضافة إلى عرض فـني.

من جهته، احـتـضن المتحف العمومي الوطني للفن والتاريخ لمدينة تلمسان نـدوة تاريخية موسومة بــ “الأمير عبد القادر الجزائري: مقاومة وجهاد في تاريخ الأمة”، نشطها مجموعة من الأساتذة الجامعيين على غـرار الأستاذ “بن سنوسي” من جامعة تلمسان بمداخلة موسومة بعنوان “مفهوم البيعة في الفكر السياسي الإسلامي”، والأستاذ الدكتور “صورية متاجر” من سيدي بلعباس بمداخلة موسومة بعنوان “صورة الأمير عبد القادر وتلمسان: “رمزية المقاومة والتحرر”، والدكتور “دباب بومدين” من جامعة  سيدي بلعباس بمداخلة موسومة بــعنوان “الأمير عبد القادر والنخب العلمية الجزائرية : قراءة في أدب المعارضة والتأييد من خلال كتابات العربي المشرفي”… وغـيرهم من الأساتذة الذين تداولون على المنصة، مؤكدين بأن المبايعة الثانية لـ”الأمير عبد القادر” التي تمت بمسجد سيدي حسان بمدينة معسكر حدث هام أرسى قواعـد الديمقراطية بالدولة الجزائرية الحديثة من خلال منح للأمير شرعية شعبية عن طريق بيعة من طرف سكان مناطق عـدة من الوطن، وهي محطة تاريخية كرست لديمقـراطية محضة وأسست لدولة جزائرية موحدة بجميع قبائلها متكتلة لمقاومة الاحتلال الفرنسي، إذ من أهم انجازات المبايعة الثانية لـ”الأمير عبد القادر” إنشاء تسع ولايات على رأسها خلفاء فضلا عن تشييد مصنع للأسلحة بمليانة (عين الدلفى) الذي مكن الجزائريين من اختيار من يمثلهم ويـقـود جهادا ضد القـوات الفرنسية الاستعمارية بصفة ديمقراطية، فضلا عن كونه النواة الأولى للدولة الجزائرية الحديثة التي أسسها الأمير بعد الفراغ السياسي التي عرفته الجزائر من خلال استطاعـته توحيد قبائل البلاد تحت إمرته وقـيادة الجهاد وتحقيق انجازات سياسية وعسكرية واقتصادية ودبلوماسية منها ربط علاقات مع قـناصل عـديد دول العالم.

وقـد أصـر لـ”الأمير عبد القادر” على إقامة البيعة الثانية بعد البيعة الأولى بتاريخ 27 نوفمبر 1832 تحت شجرة الدردارة بمنطقة غـريس، وذلك كي يكتسب شرعية لقيادة الجهاد ضد الجيش الاستعماري الفرنسي، وكذا تولي قـيادة البلاد خلفا للسلطة العثمانية التي كانت قائمة بالجزائر في الفترة من 1518 إلى 1830، كما أن المبايعة الثانية هي تأكـيد على ديمقـراطية دولة الأمير وإصراره على مبدأ الشورى واستفتاء الشعب لقيادة البلاد بشرعية ومقاومة جيش الاحتلال الفرنسي، إذ مكن هذا الحدث التاريخي الأمير من زعامة وطنية وعسكرية ودينية في البلاد، خاصة وأن المبايعة الثانية تمت في شهر رمضان المعظم بما يعكس تأسي “الأمير عبد القادر” بالدين الإسلامي الحنيف، ودعا المشاركون في هذه الندوة التاريخية في معرض حديثهم الباحثين عن تاريخ “الأمير عبد القادر”، إلى ضرورة تكثيف البحوث العلمية التاريخية التي تعـنى بالمبايعة الثانية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة باعتباره محطة تاريخية هامة.

“الأمير عبد القادر” من أعظم الشخصيات التاريخية وهو إرث إنساني عالمي

الأمير عـبد القادر (1808-1883) مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، سياسي، ورجل علم، فيلسوف، ومجاهد في آن واحد، عرف بمقاومته للاحتلال الفرنسي للجزائر (1832-1847)، كما يعد من كبار رجال التصوف والشعر، ولد بالقيطنة قرب معسكر، ترعرع في الزاوية القادرية، وتلقى تعليمه على يد علماء وشيوخ بارزين وكرس جل حياته لدراسة وتطوير ثقافته، فقد ترك الأمير تراثا ثقافيا هاما، ومؤلفات قيمة نذكر منها على وجه الخصوص كتاب “المواقـف” في التصوّف ورسالة “ذكرى العاقل وتنبيه الغافل” الموجهة للفرنسيين.

كما كان للأمير أقوال كثيرة في الشعر ورسائل عديدة تناول فيها مختلف القضايا التي تبرز إبداعه ومكانته الأدبية والروحية، كما كان سعيه في العديد من المناسبات منصبا على تقريب الرؤى بين الشرق والغرب والدعوة إلى حوار الثقافات والديانات، فدولة “الأمير عبد القادر” قامت على أسس دينية بحتة، شعارها الإسلام ورفع راية المسلمين ضد الاحتلال الفرنسي، وجذور أول نوفمبر منبعها عراقة الشعب الجزائري وامتداده لهذه المقاومة الخالدة، مقاومة “الأمير عبد القادر”، مؤسس الدولة الجزائرية التي وضع حدودها الجيو سياسية.

فالجوانب العسكرية والسياسية والإستراتيجية التي ميزت مسيرة “الأمير عبد القادر”، جعلت منه إنسانا متحررا مع عصره، حاملا لمشروع إنساني تجاوز الحدود المحلية والقومية، وصفاته القيادية والفكرية والشعرية، جعلت منه سباقا لدعوة حوار الحضارات، إذ أن الأمير واحد من مؤسسي النهضة العربية ومحورها الأساسي، فقد عاش الأمير بين الكتب والمخطوطات ولم ينقطع عنها حتى وهو في أصعب الظروف التي عاشها مجاهدا في سبيل الله والوطن، رجل دولة استمدت منه الأجيال القادمة المشعل في تحرير الوطن، ومن عجيب الصدف أنه نقل من جوار “محي الدين بن عربي” بدمشق، ليجد نفسه لاحقا بمقبرة العالية إلى جوار كاتب كبير آخر، هو كاتب ياسين (توفي سنة 1989)، فالأمير عـبد القادر ممن تابع إنشاء المكتبة الوطنية في عهد الاستعمار الفرنسي، وقد زار مقرها الموجود بحي القصبة العتيق وكان وقتها عـبارة عن متحف ومكتبة، وقـد سجلت شهادته في سجلها الذهبي مشيدا بدور الكتاب والآثار في حفظ الذاكرة والحفاظ على الهوية.

أمـيـر. ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى