خاص

Ferme Lemima Aïcha .. حين تصغي وهران إلى الأرض وتزرع بها الأمل

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة الحضرية، ينبثق في ضواحي وهران مشروع صغير بحجم حلم كبير: Ferme Lemima Aïcha، مزرعةٌ تجمع بين الزراعة العضوية، التربية البيئية، والأنشطة الترفيهية الهادفة. الفكرة لم تولد بين ليلة وضحاها، بل تبلورت بعد سنوات من التفكير والرغبة الصادقة في العودة إلى الجذور: الأرض، الطبيعة والقيم التي تنقلها الأجيال.

 

اسمي حمل امتنانا وذاكرةعائلية

اختير الاسم عن قصد كي يكون شهادة امتنان: “لميمة” باللهجة المحلية تعني “أمي”، و”عائشة” هو اسم الجدة. بهذا الربط العاطفي أراد مؤسسو المزرعة أن يخلّدوا قيم الكرم والعطاء والحب التي نشأوا عليها، ويجعلوا من المزرعة امتدادًا لتلك الذاكرة العائلية.

 

بين الزراعة والتربية.. مزيج متكامل

تقدّم Ferme Lemima Aïcha باقة متنوّعة من الأنشطة والخدمات التي تلائم الأطفال والعائلات على حدّ سواء:

  • جولات تعليمية حول مبادئ الزراعة العضوية وتربية الحيوانات.
  • ورشات تفاعلية للأطفال في الفلاحة، زراعة النباتات، وصناعة العسل.
  • جولات ممتعة على ظهور الخيل للأطفال والعائلات.
  • فضاءات مخصصة للنزهات العائلية وحفلات أعياد الميلاد.
  • منتوجات محلية طبيعية 100 بالمائة: خضر طازجة، عسل نقي، بيض، أعشاب مجففة ومشتقات حرفية.

المزرعة ترى في التوازن بين الجانب الزراعي والجانب السياحي التربوي مفتاحًا لنجاحها: الزراعة هي القلب النابض، والتعليم بالمتعة هو وسيلتها لغرس حب الطبيعة في الأجيال القادمة.

 

رعاية مسؤولة للحيوانات والنحل

تحظى الحيوانات بمعاملة إنسانية وبيئة ملائمة للحياة: تُغذَّى بالعلف الطبيعي وتخضع لمتابعة صحية دورية من قبل طبيبٍ بيطري مختص. النحل يحتل مكانة محورية في النظام البيئي للمزرعة؛ يُوفَّر له بيئة مثالية لإنتاج عسلٍ نقي، وتُستخدم تربية النحل كفرصة تعليمية لتوعية الزوار بدور التلقيح في الحفاظ على التنوع الحيوي.

 

البعد الاجتماعي والإنساني

لا تقتصر مهمة المزرعة على الإنتاج أو الترفيه؛ بل تمتد لتشمل أثرًا إنسانيًا ملموسًا. من المبادرات التي تفخر بها Ferme Lemima Aïcha استقبال نزلاء دور العجزة لقضاء أيامٍ بين أحضان الطبيعة، حيث يتسنّى لهم التجوال والتفاعل مع الحيوانات وتناول وجبات صحية، والمشاركة في ورشات فنية وفترات غنائية تراثية تعيد إليهم ذكريات الماضي، ترى المزرعة في هذه الزيارات ترجمةً لفكرة أن المكان ليس مشروعا اقتصاديا فحسب، بل فضاء للكرامة والتواصل بين الأجيال.

 

التعليم والتوعية البيئية

تتعامل المزرعة كـ”مدرسة غير تقليدية”: تستقبل مدارسا ووفودًا تعليمية على مدار السنة، وتُقدّم برامج تربوية تفاعلية وبسيطة في آنٍ واحد، تُنمّي لدى الأطفال والبالغين معرفةً عملية بمصادر الغذاء، أهمية التنوع البيولوجي، وطرق الاقتصاد في الموارد مثل فرز النفايات وزراعة النباتات المنزلية.

 

تحديات المناخ والابتكار في المواجهة

تواجه المزرعة تحديات حقيقية مرتبطة بالتغيرات المناخية ونقص المياه، ما أثّر أحيانًا على جودة التربة ومردودية المحاصيل. للاستجابة، تبنّت المزرعة تقنيات زراعية ذكية ومقتصدة للماء، أهمها نظم الري بالتنقيط، واختيار أصناف محاصيل مقاومة للجفاف، وإدماج ممارسات تحافظ على خصوبة التربة. إضافةً إلى ذلك، تشكّل صعوبة إيجاد يد عاملة مؤهلة ومدربة تحترم فلسفة الزراعة المستدامة تحديا إداريا قائما.

 

وسائل التواصل والشراكات لتعظيم الأثر

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا محوريا في تعريف الجمهور بالمزرعة وبناء مجتمع متفاعل حول الفكرة، ما سهّل التواصل مع الزوار وساعد في جمع الآراء وصياغة برامج ملائمة. إلى جانب ذلك، بدأت Ferme Lemima Aïcha نسج علاقات مع جمعيات محلية ومدارس، وتفتح أبوابها لأي شراكة تهدف إلى نشر الثقافة البيئية. تطمح المزرعة أن تكون “مختبرًا حيًا” للتعلم المشترك، حيث يمكن للمدارس والجامعات إجراء بحوث تطبيقية في مجالات الزراعة المستدامة وتربية النحل والسياحة البيئية.

 

مشاريع مستقبلية واضحة الأفق

تعمل المزرعة على ملامح مشروع مستقبلي واسع يشمل:

  • إحداث بيوت ضيافة ريفية لاستقبال العائلات الراغبة في الإقامة وسط الطبيعة.
  • إطلاق “أكاديمية صغار الفلاحين” كبرنامج سنوي لتعليم الأطفال مبادئ الفلاحة وحماية البيئة بطريقة ممتعة.
  • توسيع إنتاج المنتجات العضوية وتحويل بعضها إلى مشتقات منزلية كالمربى والزيوت والأعشاب المجففة.
  • إنشاء مسارات بيئية تمكّن الزوار من اكتشاف تنوع النباتات والطيور.
  • تنظيم مهرجان سنوي للاحتفاء بالتراث الفلاحي المحلي يجمع الفلاحين والحرفيين والجمهور.

 

رسالة واضحة للشباب.. ورؤية لعقد قادم

توجّه المزرعة رسالة بسيطة لكنها محورية للشباب: “لا تخجلوا من العمل في الأرض؛ الزراعة اليوم ليست مهنة تقليدية فقط، بل مجال يدمج التكنولوجيا والتسويق الذكي، ويمنح فرصًا اقتصادية واجتماعية.” خلال 10 سنوات، تطمح Ferme Lemima Aïcha لأن تصبح نموذجًا وطنيًا للزراعة المستدامة، مركزًا تربويًا يستقبل آلاف الأطفال سنويًا، ومرجعًا في إنتاج مواد طبيعية عالية الجودة، وفضاءً لإعادة التواصل مع النفس والبيئة

أخيرا، تقول Ferme Lemima Aïcha بصوت هادئ إن مشروعها ليس مجرد أرض تُزرع أو منتجات تُجمَع، بل رسالةُ امتنانٍ لعائلةٍ وجذورٍ وقيم، ومشروع لربط المجتمع بما يقدمه الأرض من حياة وكرم وبساطة. إنها دعوة عملية لمدينة وهران كي تزرع في نفسها ما تزرع في ترابها: احترام، تضامن، وحب للحياة البسيطة.

إعداد:ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى