
أعلنت لجنة حماية المعلومات الشخصية في كوريا الجنوبية عن نتائج تحقيق صادم، كشف قيام شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة “ديب سيك” بنقل بيانات مستخدميها دون الحصول على إذن مسبق، في خرق واضح وصريح لقوانين حماية البيانات المحلية. هذا الانتهاك حدث خلال فترة انتشار التطبيق السريع في السوق الكورية، حيث تم تحميله من قبل أكثر من 1.2 مليون مستخدم في غضون أسبوع واحد فقط في يناير 2025.
تحقيقات رسمية تكشف خروقات جسيمة
بدأت لجنة حماية المعلومات الشخصية تحقيقاتها في وقت مبكر من عام 2025، بعد أن لاحظت السلطات حركة غير اعتيادية في تطبيق “ديب سيك” وانتشاره المفاجئ. وأظهرت نتائج التحقيق أن التطبيق قام بتحويل بيانات المستخدمين الكوريين إلى خوادم تابعة لشركة ByteDance، المالكة لتطبيق “تيك توك”، دون الإفصاح عن هذا النقل أو نيل موافقة صريحة من المستخدمين، وهو ما يمثل خرقًا للشفافية المطلوبة قانونًا.
غياب الشفافية وتضليل المستخدمين
أوضحت اللجنة أن التطبيق فشل في توضيح سياسات الخصوصية بشكل كافٍ. إذ لم يبيّن كيفية جمع البيانات أو الجهات التي تُشارك معها هذه المعلومات. كما تبيّن أن التطبيق كان يجمع بيانات وصفية دقيقة عن الأجهزة وسلوك المستخدمين. ويرسلها إلى كيانات يُشتبه في ارتباطها بالدولة الصينية، ما أثار مخاوف أمنية حقيقية تتعلق بالسيادة الرقمية والأمن القومي.
رد فعل السلطات الكورية: الحظر والإزالة
على ضوء هذه الانتهاكات، أصدرت اللجنة قرارًا في 15 فبراير 2025 يقضي بإزالة تطبيق “ديب سيك” من متاجر التطبيقات في كوريا الجنوبية، بما في ذلك متجر “آبل” و”غوغل بلاي”. كما تم حظر استخدام التطبيق في المؤسسات الحكومية والعسكرية، مع توصية المستخدمين الحاليين بإزالته فورًا أو التوقف عن إدخال أي بيانات شخصية عبره. وأكدت السلطات أن التطبيق لن يُسمح له بالعودة إلى السوق إلا بعد إجراء تعديلات جذرية تضمن الامتثال الكامل للقوانين.
محاولة تدارك من DeepSeek
في أول رد فعل لها، اعترفت الشركة الصينية بوجود ثغرات في نظام الامتثال الخاص بها، وصرّحت بأنها عينت ممثلين قانونيين محليين في كوريا الجنوبية للتعاون مع السلطات المختصة. وعلى الرغم من ذلك، نفت الشركة في بيان سابق نُشر عبر منصة “وي تشات” أن يكون هناك أي خرق أمني، واعتبرت بعض الاتهامات ناجمة عن حسابات مزيفة “تنشر معلومات مغلوطة”، على حد تعبيرها. لكن اللافت أن الشركة لم تستجب لطلبات وكالة “رويترز” بالتعليق على نتائج التحقيق الرسمية الأخيرة، مما يزيد من حالة الغموض والشك.
تأثيرات على سمعة الشركة وسوق الذكاء الاصطناعي
تُعد “ديب سيك” واحدة من أبرز الشركات الصينية الصاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد حققت شهرة عالمية بعد إطلاق نموذج R1 في بداية العام. وهو نموذج لغوي متقدم يُنافس تطبيقات مثل “شات جي بي تي” من حيث الأداء والتكلفة. غير أن الفضيحة الأخيرة جاءت بمثابة ضربة قوية لطموحات الشركة في التوسع. خاصة مع ما تبعها من انخفاض طفيف في أسهم الشركات التكنولوجية المرتبطة بها في الأسواق الآسيوية.
تداعيات دبلوماسية ونفي رسمي من بكين
الحادثة لم تمر مرور الكرام على الصعيد السياسي، إذ سارعت وزارة الخارجية الصينية إلى نفي الاتهامات، مؤكدة أن الحكومة الصينية لا تطلب من الشركات جمع بيانات بطرق غير قانونية. ووصفت الحظر الكوري بأنه “غير مبرر”. مشيرة إلى وجود دوافع سياسية وراءه. لكن هذا النفي لم يُخفف من حدة الجدل القائم، خصوصًا في ظل تصاعد الشكوك الدولية تجاه ممارسات عدد من الشركات التكنولوجية الصينية.
دعوات لتشديد الرقابة وحماية الخصوصية
في ضوء هذه الفضيحة، تتزايد الأصوات المطالبة بتشديد الرقابة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تُنتج خارج الحدود الوطنية. كما دعا خبراء في الأمن السيبراني إلى ضرورة رفع الوعي الرقمي لدى المستخدمين، وعدم التساهل في التعامل مع التطبيقات الجديدة، مهما كانت شعبيتها أو مدى تطورها التقني. وشددوا على أهمية تعزيز الشفافية والوضوح في شروط الخدمة وسياسات الخصوصية.
الذكاء الاصطناعي في مفترق طرق
تعكس قضية DeepSeek أزمة أكبر تواجهها صناعة الذكاء الاصطناعي عالميًا. حيث يقف العالم اليوم أمام مفترق طرق يتطلب توازنًا دقيقًا بين التقدم التكنولوجي وحماية الحقوق الفردية. وفي ظل التوسع السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تبقى الخصوصية الرقمية إحدى القضايا الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها أو التقليل من تبعاتها. وإذا لم تتم معالجة هذه الإشكاليات بجدية، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي قد يكون محفوفًا بمزيد من الأزمات الأخلاقية والقانونية.