
- مسيرة ملهمة لخدمة الطاقات الشابة
حاورتها: مريم بن عيادة
في عالم يواجه تحديات متزايدة وتغيرات سريعة، يبرز القادة الحقيقيون الذين يجمعون بين الشغف، الالتزام، والرؤية الواضحة. “خليدة وافي”، المحامية والناشطة الاجتماعية الجزائرية، هي واحدة من هذه الشخصيات التي تمثل رمزاً للتحدي والتميز.
من بدايات متواضعة في مدينة سعيدة إلى النجاحات البارزة على الصعيدين الوطني والدولي، استطاعت “خليدة” أن تحفر اسمها بجهودها الكبيرة وعملها الدؤوب لدعم الشباب والمجتمع. بخبراتها الأكاديمية والمهنية الغنية، أصبحت “حاملة الأمل الأبدية”، شخصية مؤثرة وملهمة تعمل على تمكين الشباب الجزائري، وفتح الآفاق أمامهم لتحقيق أحلامهم والمساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً.
خلال هذا الحوار لجريدة “البديل”، نسلط الضوء على مسيرة “خليدة وافي” المليئة بالتحديات والإنجازات، ونعرف تفاصيل رحلتها من الأكاديميات إلى ريادة العمل الاجتماعي والقانوني.
هل يمكنك أن تخبرينا قليلاً عن نفسك، ما هي بداياتك ومسيرتك المهنية؟
اسمي “خليدة وافي”، محامية وناشطة اجتماعية جزائرية. بدأت رحلتي المهنية بشغف كبير تجاه العدالة الاجتماعية وتطوير المجتمع، قررت أن أستثمر خبرتي لخدمة الشباب الجزائري، خصوصا أولئك الذين يواجهون تحديات في بناء مشاريعهم وتحقيق أحلامهم. كانت بداياتي مليئة بالتحديات، لكنني تعلمت أن العمل الجاد والتعاون مع الآخرين هما السبيل لتحقيق النجاح والتغيير الحقيقي
ولدت في مدينة سعيدة بالجزائر، وبدأت مسيرتي الدراسية في الجامعات الجزائرية، حيث درست في سعيدة ووهران وحصلت على شهادة الليسانس في الحقوق. ثم، انتقلت إلى فرنسا حيث حصلت على ماستر في المؤسسات والجماعات المحلية الأوروبية والتعاون من جامعة ليون. كانت هذه الفترة مفتاحا لتوسيع آفاقي القانونية، لاحقًا، أكملت دراساتي العليا في الحقوق بجامعة ستراسبورغ، حيث كنت باحثة دكتوراه، وكان موضوع أطروحتي بعنوان: “انسجام السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في ظل معاهدة لشبونة”، والتي نُشرت في فرنسا عام 2014.
بعد العودة إلى الجزائر، بدأت عملي في مكتب دولي للمحاماة في الجزائر العاصمة، حيث حصلت على شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة (CAPA). ثم انطلقت للعمل في المركز الوطني للسجل التجاري (CNRC) قبل أن أؤسس مكتبي الخاص لاستشارات الأعمال في الجزائر. خلال هذه الفترة، مررت بتجربة شخصية مؤلمة فقدت خلالها ابنتي الأولى بعد يوم من ولادتها في الجزائر، وهو ما كان له أثر عميق في حياتي ومهنتي.
بينما كنت في فرنسا مرة أخرى، عملت في مجالات متنوعة تشمل الإرشاد البنكي، إدارة الرواتب، التوظيف، والإرشاد الوظيفي للشباب. هذه الخبرات أكسبتني فهماً أعمق لاحتياجات الشباب وأدى بي إلى التركيز بشكل أكبر على دعمهم، حيث حصلت على شهادة مستشارة في التطور المهني وأصبحت نشطة جدًا على منصة لينكدإن، حيث يعرفني الكثيرون بلقب “حاملة الأمل الأبدية”. من خلال منشوراتي، دعمت وساعدت العديد من الشباب في العثور على وظائف، تدريبات مهنية، وفرص تدريبية.
إضافة إلى ذلك، كنت أشارك في دعم العديد من الجمعيات وأعمل كموجهة ومستشارة للباحثين في الدكتوراه، كما شاركت في برنامج وطني في فرنسا حول موضوع الذكاء الاصطناعي. وفي جوان 2024، أدّيت اليمين على مستوى منظمة المحامين للجزائر العاصمة، ومنذ ذلك الحين وأنا أمارس مهنة المحاماة.
مؤخرًا، حصلت على تقدير خاص من منصة Favikon، حيث كنت المرأة الوحيدة ضمن أفضل 10 شخصيات على لينكدإن في الجزائر، وهو ما يشجعني أكثر على الاستمرار في مساعدة الشباب. نتيجة لتجربتي الواسعة وشغفي بدعم الشباب، قررت إطلاق برنامج التوجيه “آمال الشباب الجزائر”، وهو برنامج دولي للتمكين والتوجيه يهدف إلى تمكين الشباب الجزائري أو من أصول جزائرية الذين يرغبون في إطلاق مشاريعهم في الجزائر أو على المستوى الدولي. هكذا وُلدت جمعية “آمال شباب الجزائر” Jeunes Espoirs DZ.
ما هي التحديات الرئيسية التي واجهتك في مسيرتك المهنية كمحامية وكناشطة اجتماعية؟ وما هو أكبر إنجاز تعتزين به حتى الآن؟
واجهت العديد من التحديات الكبيرة، سواء على الصعيد المهني أو الشخصي. كان من أبرز هذه التحديات:
– التوفيق بين المسؤوليات العائلية والمهنية، خاصة بعد تجربة فقداني ابنتي الأولى، وهو ما زاد من قوتي وصلابتي.
– العمل في بيئات متنوعة ومليئة بالتحديات، سواء في الجزائر أو فرنسا، ما تطلب مني سرعة التكيف والتعلم المستمر.
– التحدي كونني امرأة، حيث كان من الضروري إثبات مهاراتي وكفاءتي في هذا السياق. لقد واجهت تمييزاً في فرنسا لأنني من أصل جزائري أيضاً، مما أجبرني على المثابرة والصبر من أجل العثور على وظيفة في مجال عملي.
– أكبر تحديات كانت نقص الدعم المادي ونقص في شبكة العلاقات عندما أنشأت شركتي الاستشارية. في بداية مسيرتي، بالإضافة إلى التعامل مع التعقيدات البيروقراطية التي كانت قد تعيق تنفيذ المشاريع الاجتماعية، لكنني تمكنت من التغلب على هذه الصعوبات بفضل دعم عائلتي، وخاصة والدي ومع كل الخبرات والتدريبات التي اكتسبتها على مر السنين.
أعتز كثيرًا بإنجازين هو كوني محامية وأيضاً إطلاق جمعية “آمال شباب الجزائر” “Jeunes Espoirs DZ” لأنها ثمرة عمل شاق للغاية، وتلعب دورًا محوريًا هامًا في توجيه وتمكين الشباب لمساعدتهم على تحقيق طموحاتهم، سواء في الجزائر أو على الصعيد الدولي.
برأيك، ما هي القضايا القانونية الأكثر إلحاحًا التي تعتقدين أنها بحاجة إلى اهتمام أكبر في الجزائر؟ وكيف يمكن لكل فرد أن يساهم في تحسين المجتمع؟
هناك العديد من القضايا القانونية التي تحتاج إلى اهتمام كبير في الجزائر، مثل تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية للشركات الناشئة، تعزيز حقوق المرأة والأطفال، خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير قوانين تدعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال تعديل وتطوير القوانين المعنية.
كل فرد يمكنه المساهمة من خلال نشر الوعي القانوني، دعم المبادرات المحلية، والالتزام بالقوانين واللوائح لتعزيز ثقافة القانون في المجتمع.
ما الذي دفعك إلى تأسيس جمعية “آمال شباب الجزائر” Jeunes Espoirs DZ؟ وما هي أبرز الأهداف التي تسعى الجمعية لتحقيقها؟
تأسيس الجمعية كان دافعًا نابعًا من إيماني العميق بأن الشباب الجزائري مفتاح النجاح والتغيير في المجتمع ويمتلك إمكانيات هائلة، ولكنهم يفتقرون أحيانًا إلى التوجيه والموارد المناسبة لتحقيق أهدافهم. أردت إنشاء منصة شاملة تجمع بين التوجيه، التدريب، والتمكين لتزويد الشباب بالأدوات التي يحتاجونها لتحقيق النجاح.
أبرز أهداف الجمعية تشمل:
- دعم الشباب الجزائري أو من أصول جزائرية لإطلاق مشاريعهم محليًا ودوليًا.
- توفير الدعم المعنوي للشباب، التوجيه المهني، القانوني، الريادي والإداري لشركاتهم الناشئة.
- بناء شبكة قوية من الموجهين والشباب حاملي المشاريع لخلق مجتمع ريادي داعم.
- تمكين الشباب ليصبحوا قادة في مجالاتهم.
- تعزيز ثقافة ريادة الأعمال والمسؤولية الاجتماعية في المجتمع الجزائري.
في عصر الرقمنة والتكنولوجيا المتسارعة، كيف ترين دور الرقمنة في تعزيز العمل القانوني والاجتماعي وبشكل خاص المحاماة؟
الرقمنة أداة أساسية لتعزيز العمل القانوني والاجتماعي، فهي تساهم في توفير الوقت والجهد من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات القانونية، مثل القوانين والنصوص التشريعية، كما أن الرقمنة تفتح آفاقًا للتواصل الفعال مع المجتمع عبر المنصات الرقمية، مما يساعد على نشر الوعي وتعزيز التثقيف القانوني. بالنسبة للمحاماة، الرقمنة تمكن المحامين من إدارة قضاياهم بفعالية أكبر باستخدام البرمجيات المخصصة لذلك. الرقمنة تساعد أيضاً على:
- تسهيل الوصول إلى الوثائق القانونية والمصادر.
- تحسين إدارة القضايا.
- تحسين إدارة الملفات القانونية وإجراءات المحاكم.
- تعزيز التواصل بين المحامي وموكليه باستخدام التكنولوجيا.
أما في المجال الاجتماعي، فإن الرقمنة تُسرّع المبادرات وتخلق منصات تواصل فعّالة، مما يسهل من نشر الوعي وتعزيز الثقافة القانونية والاجتماعية بين الأفراد.
كيف أثرت تجربتك الدراسية في فرنسا على رؤيتك المهنية؟
دراستي في فرنسا كانت نقطة تحول هامة في حياتي، تعلمت من خلالها الانفتاح على الثقافات المختلفة، وأيضًا أن هناك أهمية التفكير النقدي وتطوير الحلول المبتكرة للتحديات، كما فتحت لي التجربة أفقًا واسعة في المجال القانوني والاجتماعي واكتسبت رؤية عالمية حول القانون والعمل المجتمعي، تعرفت على أساليب عمل أكثر تطورًا في مجال القانون والمجتمع المدني وأكسبتني مهارات بحثية وتحليلية متقدمة، وخاصة خلال إعداد أطروحتي ونشرها، مما ساعدني على العودة إلى الجزائر برؤية أوسع وشعور قوي بالمسؤولية تجاه بلدي.
كيف ترين تطور مجال عملك في السنوات الأخيرة؟ هل هناك اتجاهات أو تغييرات ملحوظة برأيك؟
شهد مجال المحاماة والعمل الاجتماعي في الجزائر تطورا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع زيادة الوعي القانوني بين الأفراد والشركات. هناك أيضًا توجه نحو تشجيع ريادة الأعمال وابتكار حلول رقمية للمشاكل الاجتماعية والقانونية. أعتقد أن المستقبل سيشهد مزيدًا من الاهتمام بتطوير القوانين لدعم هذه الاتجاهات. وسيكون مليئًا بتحديات وفرص جديدة، خاصة مع التوجه نحو التكنولوجيا والحلول الرقمية في جميع المجالات.
كيف ترين دور المرأة في مجتمعنا اليوم، وما هي التحديات التي تواجهها المرأة العربية بشكل عام؟
دور المرأة في مجتمعنا اليوم أصبح محوريًا في العديد من المجالات. من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والسياسة. ومع ذلك، لا تزال تواجه العديد من التحديات.
التحديات الرئيسية التي تواجهها المرأة العربية تشمل التمييز الاجتماعي والتحديات الثقافية والصعوبة في الوصول إلى المناصب القيادية، والضغط المجتمعي والحاجة إلى دعم أكبر لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
أرى أن التغيير الحقيقي يبدأ بدعم النساء لبعضهن البعض وتعزيز سياسات تعطي المرأة الفرصة لتكون شريكًا كاملاً في التنمية والتي تدعم المرأة في مختلف المجالات سيكون طريقًا نحو التغيير الحقيقي.
ما هي النصيحة التي تقدمينها للشباب الجزائري الطموح؟ كيف يمكنهم مواجهة العقبات التي تعترض طريقهم لتحقيق النجاح؟
أنصح الشباب بالتحلي بالإصرار والعمل بجدية على تطوير أنفسهم وتطوير مهاراتهم. واجهة العقبات تتطلب صبرًا وشجاعة، عليهم التعلم من تجارب الآخرين وعدم الخوف من الفشل، لأن الفشل جزء من النجاح. كما عليهم استغلال التكنولوجية وفرص التعليم والتدريب المتاحة لهم.
بالإضافة إلى البحث عن فرص للتعلم والتعاون مع الآخرين. الأهم من ذلك، عليهم أن يؤمنوا بأن التغيير يبدأ من داخلهم وأن كل تحدٍ هو فرصة للتعلم والنمو. حددوا أهدافكم بوضوح وثابروا لتحقيقها.
أين ترى نفسك في المستقبل؟ ما هي أهدافك المستقبلية على الصعيدين المهني والشخصي؟
أرى نفسي في المستقبل مواصلة لدعمي للشباب، سواء من خلال عملي كمحامية أو عبر برامج التوجيه، أطمح إلى توسيع نطاق جمعية “آمال شباب الجزائر” Jeunes Espoirs DZلتشمل المزيد من الشباب داخل الجزائر وخارجها. مهنيًا، أرغب في أن أساهم في وضع سياسات قانونية واجتماعية تدعم التنمية المستدامة. أما على الصعيد الشخصي، أسعى للحفاظ على التوازن بين حياتي المهنية والعائلية وتحقيق تأثير إيجابي مستدام في المجتمع.
كلمة أخيرة
إلى كل شاب وشابة، أقول: لا تترددوا في الحلم والعمل من أجل تحقيق أهدافكم. الجزائر تحتاج إلى طاقاتكم وإبداعاتكم. معًا يمكننا بناء مستقبل أفضل للجميع. رسالتي الأخيرة هي أن الشباب هم الأمل والمستقبل. بدعمكم، يمكننا بناء مجتمع أكثر إشراقًا وازدهارًا. إذا واجهتم تحديات، تذكروا أن الأمل دائمًا موجود، وأنا هنا لدعمكم كحاملة للأمل.