
نظمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكر بالتنسيق مع نادي بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون منتدى الكتاب العدد الرابع والثلاثون”، بحيث تم تنظيم قراءة في إصدارين جديدين بعنوان “نسبنا الشريف للشيخ سيدي أحمد البدوي “بشير بويجرة” مفتي حاضرة سيدي بلعباس، ومجموع تقاييد ورسائل “الشيخ أبي رأس الناصري المعسكري”، للأستاذ الباحث “تقي الدين بوكعبر”، الذي نشط بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية “الدكتور يحي بوعزيز” بمعسكر، ومن تنشيط الطالب الدكتور “خلف الله زكرياء” بحضور طلبة وباحثين وأساتذة من جامعة “مصطفى اسطمبولي” لمعسكر ومنخرطين بذات المكتبة في جلسة متبوعة بالتوقيع والتكريم.
السيد “تقي الدين بوكعبر” (مؤلف الكتاب)
إن الأستاذ الباحث “تقي الدين بوكعبر”، باحث في التراث المحلي المتعلق بمنطقة الراشدية معسكر بالغرب الجزائري، خاصة خلال فترة التواجد التركي بالجزائر، محاولة بناء تصور انطلاقا مما تزخر به المنطقة من تراث مادي متمثل في المخطوطات والوثائق والتراث اللامادي المتمثل في العادات والتقاليد.
وقد بذل الباحث الجزائري ” تقي الدين بوكعبر” جهدا معتبرا في دراسة وتحقيق ما كتبه المستشرق الفرنسي “غايتان دالفان”، هذا الأخير الذي ترك أعمالا ومؤلفات تعكس مدى حرص فئة من المستشرقين على فهم وتحليل وتطويع المجتمع الجزائري. كذلك من بين أهم المصادر التي لا يمكن للباحث في التاريخ أن يستغني عنها المباني الأثرية وما تحويه من نقوش تذكارية تؤرخ لحقب معينة وترسخ في جدرانها ثقافة منشئيها، على أساس أن الآثار دليل على التواجد البشري وتعكس انطباعاته وأذواقه.
تهدف هذه المداخلة إلى تسليط الضوء على الكتابات الجدارية في المباني الأثرية بمدنية معسكر وإبراز دورها وأهميتها في الكتابة التاريخية لتاريخ المنطقة دون أن ننسى مخطوط “تنوير قلوب أهل التقوي والمعارف بنسب سادات غريس الموسومين بالمشارف” لصاحبه “الحاج البيدري” الذي يعتبر من أهم المصادر المناقبية التي اعتنت بتاريخ أسرة المشارف وترجمة أهم رجالاتها. ورغم أهميته المعرفية والتاريخية، إلا أنه ظل حبيس الخزانات الخاصة ما حرم الباحثين من هذه المادة الهامة، يهدف هذا المقال لإخراج هذا المخطوط إلى النور وتمكين الباحثين منه بهدف محاولة وضع تصور منهجي معرفي محكم عن تاريخ الأسر التي لعبت أدوار ريادية خلال فترة الوجود التركي بالجزائر.
السيد “جزيري كريم” (مدير المكتبة الرئيسية للمطالعة)
إن منتدى الكتاب” نافدة ثقافية تجمع المؤلفين والقراء فهو ترمي إلى ترقية المطالعة والمقروئية من خلال التعريف بمختلف الكتاب والمؤلفين الجزائريين وتشجيعهم، وتقديم فرص للمجتمع لخوض تجارب ثقافية من خلال ربط الكتاب بالقارئ، تحت شعار” فضاء مفتوح على الكتاب واعتراف بصناعه”.
تهدف هذه التظاهرات الثقافية حسب القائمين عليها، إلى تفعيل استراتيجية النهوض بالكتاب والقراءة في الجزائر مع مراجعة آليات نشاطها وتفعيل برامجها بشكل يستجيب أكثر لتطلعات المواطن الجزائري، حيث يعتبر فضاء للحوار والنقاش والنقد، يساهم في اكتشاف المواهب الجديدة.
السيد “جليد قادة” (نادي بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون بمعسكر)
فيما يخص تقاييد ورسائل الشيخ أبي رأس الناصري المعسكري الحافظ محمد أبو رأس الجربي الناصري المعسكري الهُذَلي الجزائري، هو “محمد أبو راس بن أحمد بن ناصر الراشدي” علامة ومحقق في العلوم الإسلامية وحافظ للحديث النبوي، وُلِد بنواحي مدينة معسكر شارك في الجهاد لفتح مدينة وهران له إسهامات كثيرة في علوم الحديث والقرآن والأنساب، وله مؤلفات عدة في هذا المجال.
يعتبر ثاني كبار رجالات مدينة معسكر، تعلم الشيخ “أبو راس” على والده أول الأمر، فحفظ على يديه معظم القرآن الكريم، لكنّه أتقنه على يد الشيخ منصور الضرير. أسّس الشيخ أبو راس بوسط مدينة معسكر مدرسة عرفت بالمدرسة المحمدية أو مكتبة المذاهب الأربعة، وذلك لتحرره العلمي في ذلك الزمان المعروف بالتعصب، فقد كان يُفتي طلبته بالمذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة والجماعة، وقد بلغ عدد من حضر دروسه فيها المئات .
عرف “أبي راس الناصري” بكثرة رحلاته إلى الأمصار، مقلدا بذلك السابقين من العلماء تتلمذ على كثير من العلماء والفقهاء في عصره، فنهل من علمهم وارتوى من مشربهم، حيث يقول عن نفسه، أن أول من تتلمذ على يده والده الشيخ أحمد الذي قرأ عليه شيئا من سورة البقرة ، ثم الشيخ “علي التلاوي” و”الشيخ منصور الضراري” و”الشيخ علي بن شنين” وكثيرا من العلماء والمشايخ، كما تذكر كتب التاريخ التي تروي حياته مما قوى علمه وأنمى معارفه فكان بذلك من كبار علماء معسكر، كما تذكر هذه الكتب أيضا أنه تتلمذ على يده الكثير من فقهاء معسكر في المدرسة التي كانت تسمى المدرسة المحمدية، التي كان بها أكثر من 700 طالب في زمن كانت معسكر تسمى فيه مصر الصغرى على عكس ما توصف به معسكر اليوم من قبل أناس لا يعرفون عنها إلا الاسم فقط لم تكن حياته تخلو من المغامرة والدسائس، حيث رمي من قبل خصومه الحاسدين بالمشاركة في ثورة درقاوة، خاصة وأنه كان مقرب من الحاكم التركي حينها، مما جعله يهرب إلى الجبال، حتى انطفأت نار الغضب، فعاد إلى معسكر وألف كتاب بعنوان “درء الشقاوة في حرب درقاوة”.
السيد بختي بوعلام (عضو بنادي بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون)
يسعى برنامج “نادي كتاب بيت الحكمة” إلى جعل القراءة تجربة غنية تتجاوز حفظ المعلومات، وتصل إلى تطوير أدوات الفكر النقدي وتحليل الأحداث والموضوعات، ومن خلال التنوع في تناول الكتب المختارة، نمكن القراء من معرفة أصناف وأنماط أدبية وفنية متعددة، فالمنتدى الذي نظم بمعسكر كان حول كتاب بعنوان “الشيخ أحمد البدوي” مفتي منطقة سيدي بلعباس شخصية دينية بارزة، كان لها الأثر البالغ في الإفتاء وتدريس الفقه المالكي وعلوم الدين ونشر الوعي بحي القرابة (الأمير عبد القادر حاليا)، أيام الاستدمار الفرنسي، واسمه الكامل “أحمد البدوي بشير بويجرة”.
ولد الشيخ “أحمد البدوي بواد مبطوح” سنة 1902، من عائلة متفقهة في الدين وحفظ القرآن الكريم على يد والده الحاج «المنور» بجامع الشرفاء، قبل أن يسافر إلى سفيزف لمراجعة كتاب الله على يد “الحاج بن سحنون”، ثم واصل تعليمه بمدينة “سيق”، ولما بلغ سن الـ 18، كلف بتعليم الأطفال القرآن الكريم بمسجدها العتيق قبل تعيينه إماما بمسجد الباشا بوهران ومفتي المنطقة ذاتها، ثم جاء إلى سيدي بلعباس عام 1938 بطلب من أعيان هذه المدينة.
كان الناس يأتون إلى المسجد من كل مكان، حرصا منهم على تعلم دينهم وتلقي الفتوى من عند إنسان موثوق به دينا وعلما وخلقا ، يستفسرونه في أمور الدين والدنيا، فيجيبهم أجوبة شافية كافية، إلى درجة أن هذا الفضاء صار أشبه بالزاوية، وقد كان فاتحا بيته لأهله وأقاربه يساعدهم ويدعمهم في كل شيء، فضلا على أنه كان يولي عناية خاصة لإصلاح ذات البين فلا يتأخر في فض النزاع بين الأفراد والعائلات خاصة الأقارب، وغداة الاستقلال بدأ حرصه الشديد على حث الناس لبناء بيوت الله وتعلم القرآن الكريم، وقد ساهم شخصيا في بناء مسجد قرية الشرفاء في السبعينات. ويكفيه فخرا أنه تلقى تزكية وإجازة كتابية من عند العلامة الشيخ “محمد متولي الشعراوي”.
مختار سلطاني