الثـقــافــة

الجالية الجزائرية بزوريخ – سويسرا

الاحتفال بعيد يناير الوطني للسنة الأمازيغية

بقلم: الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون (ستراسبورغ- فرنسا)

 

دأبت الأسر والعائلات الجزائرية في كل سنة الاحتفال بيناير (رأس السنة الأمازيغية)، وتتداخل عناصر التاريخ والهوية والعادات والتقاليد المتوارثة من جيل لآخر في طقوس الاحتفال ولإحياء رأس السنة الأمازيغية 2975-2025. دلالات عدة ترمز إلى الارتباط بالأرض والاحتفاء بمحاصيل الموسم الفلاحي، وفق تقويم زراعي أمازيغي يعبر عن دورة الحياة والخصوبة. اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة في الآونة الأخيرة. أهمية إضافية باعتباره وسيلة لإرساء الهوية التاريخية الثقافية العريقة. ويحيي هذا التقليد المتجذر في الحكايات الشعبية والأساطير القديمة في شمال إفريقيا، التوازن الذي ينبغي على الإنسان أن يحققه مع البيئة والطبيعة.

إن الاحتفاء بالعيد الأمازيغي يناير هو رمزية وطنية تاريخية، ترسم معالم أهمية العيش في توافق مع البيئة والطبيعة، وارتباط الإنسان بأصله وأرضه وجذوره الراسخة في الأعماق. تجتمع الساكنة من أجل إرساء روح التضامن والارتباط وروح التعاون في وساط المجتمع منذ فجر التاريخ وتواجد الفرد الجزائري على أرضه المسقية بدماء ملايين الشهداء. تتميز المناسبة بتحضير عدة أطباق وجبات تقليدية شعبية شهية تحضر وتعد في تفاؤل بأن يكون العام الجديد مليئًا بالخيرات والبركات.

 

الاحتفالات بعيد يناير

أقيمت الاحتفالات في ربوع الجزائر وخارجها، جاء بعد إقرار السيد رئيس الجمهورية السابق، “عبد العزيز بوتفليقة” رحمه الله، تكريس يوم 12 يناير كعيد وطني رسمي، وهذا في إطار جهود الدولة الرامية إلى ترقية التراث بجميع أنواعه، واللغة الأمازيغية خاصة. وإقراره من قبل الحكومة عطلة رسمية مدفوعة الأجر، بعدما اعترفت دستوريا في 2016 بأن اللغة الأمازيغية لغة رسمية بجانب اللغة العربية.

 

 

الجالية الجزائرية بزوريخ سويسرا تحتفل بعيد يناير 2975-2025

على غرار باقي أمكان تواجد الأمازيغيين الجزائريين خارج الوطن، أحيت الجالية الجزائرية بزوريخ بسويسرا بدورها العيد الوطني الأمازيغي يناير، والسنة الأمازيغية 2975-2024، من تنظيم حرائر الجزائر بزوريخ. اجتمع فيه العيد من الأهالي في يوم تاريخي بحضور جماهيري غفير لأبناء الجالية وأسرهم وعائلتهم والذين اكتظت بهم القاعة. وفي وسط أجواء مبهرة، سمحت بإبراز الراية الوطنية المزيّنة لديكور القاعة ورفرفتها عاليا، افتتح الحفل من قبل المنظمين والساهرين على لإحياء المنتسبة، بكلمة ترحيبية وتقديم فقرات البرنامج.

 

كلمة الأستاذ رضا مزغيش:

باسم الله الرحمن الرحيم. اورار : اثي شفحن ذي  غوردان

نفرح بوجود أولادنا والمقصود بأولادنا ومستقبل أولادنا دائما فرحين

الاحتفاء بيناير اليوم هو أننا سعداء، أننا عشنا سنة مضت ونستقبل سنة الخير والبركات بحول الله، الاحتفاء بيناير هو رمزية عن أهمية العيش في وفاق مع الطبيعة، وارتباط الإنسان بتاريخه وضرورة الصبر وأخذ الحيطة. رغم كل التحديات، حيث واجه الشعب الجزائري تحديات شاقة في حماية مصالحه وموروثه الثقافي وهويته، وقبل كل هذا حماية أرضهم التي كانت ومازالت مطمع الكثير من الحالمين.

أرضنا هي الثرى والخصوبة إذا زرعناها وهي الصخرة ينكسر عليها من سولت له نفسه المساس بوحدة شعبها ووحدة ترابها، نجتمع من أجل إرساء روح الارتباط وروح التعاون في المجتمع منذ فجر التاريخ و تواجد الجزائري على أرضه المسقية بدماء ملايين الشهداء.

بلادي أحبك فوق الظنون   وأشدو بحبك في كل نادي

عشقت لأجلك كل جميل    وهمت بحبك في كل وادي

يجسد أصالتها وعبق تاريخها. أبرزت فيه المدينة ما لديها من تراث ثري وثقافة عريقة يعود تاريخها لعريق لقرون خلت.

تلتها كلمة القنصل العام للقنصلية الجزائرية بجنيف بسويسرا، الأستاذ “رضا بلعسل” ترحيبية بالحضور شاكرا إياهم على التوافد بحرارة وإحياء العيد الوطني الأمازيغي الجزائري والاحتفال به في جو أسري عائلي وطني لكل أبناء الجالية من جميع الجهات. رغم برودة الطقس، بحيث تحمل المغتربون مشقة السفر وصعوبة التنقل لا لشيء إلا لأجل عيش هذه اللحظات الحميمة بكل شوق لحنين الوطن . وختام فقرة الكلمات، انطلق الحفل.

 

تفاعل كبير لأفراد الجالية في زوريخ

وما زاد الحفل لهيبا تفاعل الجمهور، ومشاركتهم فرحة عيدهم الوطني الأمازيغي بلباسهم التقليدي المتنوع لجميع ربوع الوطن منه التارقي الغرداوي القبائلي الصحراوي والشاوي والعاصمي وغيرهم، لاسيما للجبة والأثواب النسوية والبرنوس والقشابية الصحراوية مصحوبا بالراية الوطنية، وما زاد الاحتفال باليوم الأمازيغي لسنة 2975-2025 رونقا و ديكورا، التفات العائلات والأهالي حول أنوار الحلويات المشعة الذي أضاءت القاعة وحول الطاولات المعدة لتناول ما أعدته وطهته أنامل حرائر الجزائر مما لذ وطاب من مأكولات شعبية وأطباق تقليدية وغيرها من حلويات وعجائن وتمور ومكسرات، ولاسيما الدراز مزين المائدة وسيدها، رمز الاحتفال وكؤوس المشروبات والشاي و القهوة بنكتها المميزة.

وما أضفى لمسة جميلة عرض المنتجات التقليدية من أواني منها أليان أدوات غسل اليدين للضيوف ومعدات، إضافة إلى اللوحات الفنية المعرفة بالتراث الجزائر ومناطقه العديدة. كان الاحتفاء بيوم يناير مميز وحافل بالنشاط والحركة الدؤوبة لكل الفئات العمرية لاسيما كبار السن الذين لم يعقهم أي شيء عن الحضور والمشاركة في إحياء تاريخ تراثهم العريق والتشبت به.

 

أطباق ومأكولات شعبية تقليدية وحلويات وعجائن لا تعد ولا تحصى

اجتمعت حرائر الجزائر وشمرت عن سواعدهن وقدمت أشهى وأطيب ما في الطبخ الجزائري من أطباق متنوعة منها ما يلي: كسكسي- شخشوخة – شربة فريك – حسا من جنوبنا الكبير وكذا المحاجب – المطبقة – دوارة وفق تقاليد العائلة الجزائرية. حلويات تقليدية متنوعة مقروط ومسمن وبغرير بدون أن ننسى المطلوع والفطير والمذكر وغيرهم، حيث كان الاحتفاء من كل ربوع الوطن.

حضرت في هذا اليوم المميز الجالية الجزائرية بكل أطيافها، وزار وضيوف المعرض من الأجانب السويسريين وغيرهم للتعرف على ما تزخر به الجزائر، أين ثمنت المبادرة التي جمعت فيها أفراد الجالية وذكرتهم بأنهم الجدار الحصين والدرع المتين لكونهم أنهم أبناء الجزائر، حتى وإن كانوا غائبين جسديا وبعيدين عن الأحداق. لكن ارتباطهم بالوطن الأم الجزائر ارتباط وثيق لا ينقطع حبله المتين.

 

بهجة الاحتفال بعرض الأزياء

يوم فني اجتماعي تراثي أكثر مما كان يتصور له، بحيث أعطى طابعا مميزا ومتنفسا للعديد من النسوة اللواتي حضرن في كامل لياقتهن التراثية بأصالتها التي لم يحدن عنها، وهن مكتحلات بالكحل البلدي المحلي الأصيل من صنع حرائر الجزائر، بعيدا من المستحضرات الكيماوية لمواد التجميل، وذلك تماشيا والتقاليد والعادات العريقة التي تشبعن بها وتوارثنها عن سلفهن، واللواتي لم تحدن عنها رغم غربتهن وعيشتهن بالعالم الغربي عالم الموضة، بكل افتخار واعتزاز.

في حين حرصت الكثيرات على ارتداء الألبسة التقليدية لإبراز الأصالة والحفاظ على الموروث الثقافي خارج الديار والتمسك به وغرسه لدى فئة البراءة من الأطفال، وما زاد الحفل بهجة عرض الأزياء الذي أتحفت به العارضات، لا سيما الجمهور للباس التقليدي لمختلف الموديلات. لاسميا الجبة القبائلية وشدتها، والمجوهرات والإكسسوارات التقليدية والحلي المرافقة لها، ناهيك عن النقوش الشاوية، وطبوع الزينة التي تتحلى به تمطوط.

 

معرض للطبخ التقليدي

أضفى معرض الطبخ من خلال المهرجان الثقافي المتنوع المتعدد، بنسخته الأمازيغية لسنة 2978-2025، في طابعه الخاص الذي ألقى بظلاله ليخرج للزوار والمواطنين ما تزخر به الجزائر في كل ربوع المعمورة، من  درر وكنوز.

مناسبة كانت سببا في تلاقي أبناء الجالية الجزائر الذين حضروا من كل حدب وصوب للاطمئنان على بعضهم البعض، خاصة للمشتاقين لبعضهم بعد فراق وغياب طويل، ولتبادل الأخبار والمستجدات تنفست فيها الجالية الصعداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى