
يعتبر فن الرحابة أو الرحبية أو “إيرحابن” بالأمازيغية من الفنون التراثية العريقة، وقد ارتبط بأعراس وأفراح العديد من المناطق ببلادنا، خاصة بمنطقة الأوراس من باتنة إلى خنشلة، تبسة وسوق أهراس وهي مناطق النمامشة.
ويطلق على سكان هذه المنطقة محور (ب ت س) الباحث “صالح بريكة” رئيس مصلحة النشاطات الثقافية بمديرية الثقافة لولاية تبسة، سلط الضوء على هذا الفن والموروث الحضاري المتجذر بولايته وخصائصه العديدة التي رافقته منذ قرون طويلة، لدرجة أن الكثيرون يجهلون تاريخ نشأته وكل الدلائل تؤكد بأن الرقصة شاركت العائلات بمختلف طبقاتها مناسبات الأعراس، حيث لا يقام عرس دون أن يقوم الرجال والنساء الأصحاء بأداء رقصة “الرحبانية” لأنها تتطلب جهدا وتعبا وصبرا على القفز والمشي يمينا وشمالا مع تمايل في الحركات لأكثر من نصف ساعة، على أنغام أغنية يرددها أفراد المجموعة تحت تصفيقات الحاضرين وزغاريد النساء.
وأكد بأن فن “الرحابة”، رافق أعراس وأفراح أجدادنا ومناسباتهم الدينية والوطنية، ولم تستطع كل أنواع الرقص والأغاني العالمية والوطنية من طمس هذا الموروث الحضاري الذي تمكن بفضل الآباء والأبناء المعاصرين من التحدي وبالتجدد ومواكبة روح العصر والتطور، حتى تمكن من مزاحمة أحسن الرقصات، سيما وأن رقصة الرحبانية لا تدعو للاختلاط بين النسوة والرجال، فكل جنس يمكنه أن يؤديها لوحده.
وأطلق عليه هذا الاسم، نسبة للمكان الذي يؤدى فيه، وهو المكان الرحب والواسع الذي يتوسط مجموعة البيوت أو القرية. تمتاز الرحبية التبسية عن باقي المناطق الأخرى من الوطن، بكونها فن رجالي خالص، إلا في حالات نادرة لأن الرجال يضربون بأقدامهم على الأرض وهم يمشون، بالإضافة إلى عدم اعتمادها على أية آلة موسيقية أو إيقاعية، عكس باقي المناطق الأخرى التي قد تجد فيها العنصر النسوي حاضرا أو يرافق الرحبية البندير الإيقاعي، وهذا لإضفاء جو خاص عليها.
“الرحبانية” التبسية حسب الباحث، تتميز بعدد صفوفها التي لا تتجاوز صفين اثنين، تجدهما متقابلين في كل صفّ 4 رجال، يقف فيها كل صف في تراص تام وتشابك محكم ومنظم للأيادي، تعبيرا عن إتحاد أبناء القبيلة فيما بينهم وصلابتهم أمام مختلف مشاكل ومصاعب الحياة، ويؤدون جماعيا أغاني الحب ولوعة الفراق، ويتغنون بالبطولات الثورية للأجداد ويمدحون المصطفى، خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام وصفاته وأخلاقه.
كل ذلك في خطوات مدروسة بين ذهاب وإياب، يتخللها ضرب منظم وموحد للأرجل على الأرض في مشاهد ثابتة جد رائعة، وتحتسب الخطوات وضربات الأرجل، حسب نوع الرحبية المقدم، والذي يتنوع بين النموشي والصحراوي والسروجي.
الباحث تأسف كثيرا لما آل إليه حال ” الرحبانية ” بعد أن كان هذا الفن يسكن ذواتنا، وبعد أن كان ديكورا رسميا لمختلف أفراحنا ومناسباتنا، يزين مدننا وقرانا، ويعبر بصدق عن أصالتنا وتشبثنا بتراثنا وأرضنا، حيث أصبح هذا الفن يصارع شبح الزوال والاندثار، إن لم نقل أنه على شفا حفرة من ذلك.
ثم عرج الباحث في بحثه على فرقة الكاهنة الفلكلورية لمدينة بئر العاتر بقيادة الفنان الفلكلوري الكبير عبد الله سلطاني التي اعتبرها الفرقة الوحيدة على المستوى الولائي التي لا تزال تهتم بهذا الفن الأصيل، وتخصص له حيزا من عروضها الفنية.
الأمر الذي حدا بمديرية الثقافة لولاية تبسة في مطلع هذه السنة إلى تدوين وتسجيل كل ماله علاقة بهذا الفن لحمايته من الزوال والاندثار النهائي، بالإضافة إلى إعداده لدخول قاموس الرقص الشعبي الوطني، كأحد كنوز الموروث الشعبي لولاية تبسة، وهو ما حدث فعلا عند منتصف شهر أفريل الماضي، أين حل بولاية تبسة، وبطلب من مديرية الثقافة فريق فني تقني، مختص في الفنون والرقص الشعبي، تابع لمؤسسة الباليه الوطني، قام فيها وعلى مدار ثلاثة أيام بدراسة معمقة وتسجيلات مفصلة لفن “الرحبية” بالولاية تجعل من تدريسه وبعثه، مستقبلا في المعاهد الموسيقية، أمرا ممكننا.
نـور الـهـدى