الثـقــافــة

الشيخ “الصادق عون الله”…

رجل الزاوية الذي صنع مدرسة في الأخلاق والعلم

تحلّ الذكرى الـ5 لرحيل شيخ زاوية توسنينة “صادق عون الله”، ذلك الرجل الذي حمل رسالة العلم والخير لسنوات طويلة، وظلّ إلى آخر أيامه مرجعًا للطلاب، ملجأ لأهل المنطقة، وصوتا هادئا يذكر بالقيم الأصيلة التي تقوم عليها الزوايا في الجزائر.

 

في قلب منطقة توسنينة، التابعة لدائرة السوقر بولاية تيارت  تتلألأ زاوية سيدي أحمد بن عون الله كمنارة للعلم والإيمان، وبينما تحل علينا الذكرى الخامسة لرحيل أحد شيوخها الأجلاء، الحاج الصادق عون الله، رحمة الله عليه، تتجدد في القلوب سيرة رجل أضاء دروب المعرفة والعمل الصالح على مدار عقود طويلة من الزمن.

نشأ الشيخ “الصادق عون الله” في بيئة روحانية متشبعة بالقرآن والذكر، حيث تلقّى تعليمه الأوّل في زاوية أسرته، قبل أن يواصل تكوينه العلمي على يد مجموعة من الشيوخ المعروفين، لم يكن العلم عنده صناعةً للذات فحسب، بل رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع. كان يؤمن بأن الزاوية ليست فقط مكانًا لتحفيظ القرآن، بل فضاء للتربية، للنصيحة، ولإصلاح ذات البين، ولهذا ظل طوال سنوات خدمته يجمع بين دور المربي والمرشد والفاعل الاجتماعي.

قاد الشيخ “الصادق عون الله” زاوية توسنينة بثبات ووعي، فحرص على
تحفيظ كتاب الله وإعداد أجيال من الحفاظ، غرس الأخلاق الحميدة في نفوس الشباب، فتح أبواب الزاوية أمام كل محتاج للعلم أو للنصيحة أو للمساعدة وبعث روح التضامن بين سكان المنطقة، حيث كان أول من يمد يده لفض النزاعات ودعم الفقراء.

بوجوده، أصبحت الزاوية قبلة لطلب العلم، ومركزًا ينشر السكينة والطمأنينة، حيث تميّز الشيخ بصفاته الإنسانية الرفيعة: هدوء في الخطاب، حكمة في الرأي، وتواضع يجعله قريبًا من الجميع. لم يكن يفرّق بين الناس، وكان يستقبل الزائرين بابتسامته المعهودة، وبدعائه الطيب الذي يرافقهم في طريق العودة، حيث كان يرى أنّ طريق التصوف الحقّ يبدأ من تهذيب النفس وخدمة الناس، ولذلك كان حضوره في المناسبات الدينية والاجتماعية محل تقدير الجميع.

رحل الشيخ “عون الله”، لكن أثره لا يزال حيًا في تلامذته، الذين يواصلون حمل رسالة القرآن في الزاوية التي ما تزال تؤدي دورها بفضل ما أسّس له من قواعد، والذاكرة الشعبية التي تحفظ قصص تواضعه وسداد رأيه، والدعاء الذي يرفعه محبّوه كلما مرّوا على الزاوية أو تذكروا أيامه. إنها ذكرى لا تستحضر الحزن بقدر ما تستحضر الامتنان لرجل عاش من أجل العلم والصفح والإصلاح.

في الذكرى الـ5 لرحيل شيخ زاوية توسنينة “الصادق عون الله”، نقف إجلالًا لسيرة رجل استطاع أن يترك أثرًا لا يختفي، وأن يربّي أجيالًا على محبة القرآن والخير. إن سيرته تظل درسًا للأجيال القادمة بأن العلماء الربانيين لا يغيبون، بل تبقى آثارهم شاهدة على حضورهم المستمر في قلوب الناس. رحم الله الشيخ “عون الله”، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّمه نورًا يجري في سجله.

ج. غزالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى