تكنولوجيا

انتهاكات قوانين الخدمات الرقمية: واقع متصاعد وتحدّيات واضحة

في عصر يشهد توسعا مطّردا للمنصات والخدمات الرقمية، برزت الحاجة إلى تشريعات تنظم السوق الإلكتروني وتضمن حماية المستخدم وحقوقه، وقد جاء قانون الخدمات الرقمية، المعروف اختصارا بـ «DSA»، ليكون الخطوة الأبرز في هذا المضمار، إلا أن مع تطبيقه ظهرت ثغرات عدة في الالتزام والتنفيذ، مما يعكس وجود فجوة واضحة بين النص القانوني والواقع الرقمي.

 

أسباب الانتهاكات وشكلها العملي

تشير المصادر إلى أن عددا من مقدّمي الخدمات الرقمية الكبرى لا يوفون فعلياً بجميع الالتزامات المنصوص عليها في التشريعات، حيث تُكتشف ممارسات مثل صعوبة الوصول إلى آليات التبليغ عن المحتوى غير القانوني، أو الاستخدام المتعمّد لتصميمات واجهة المستخدم بهدف تثبيط التبليغ، أو عدم توفير بيانات للباحثين تُتيح فحص تأثير المنصّة على المستخدمين. فعلى سبيل المثال، تمّ رصد استخدام ما يُعرف بـ «أنماطٍ مظلمة» في واجهات التبليغ، ما يقلّل من فعالية التبليغ أو الطعن في القرارات، ويُعدّ خرقاً لروح التشريع الذي يسعى إلى الشفافية والمساءلة.

كما أن تنفيذ بعض الأحكام يصبح معطلا بسبب تأخر الدول في تفعيل السلطات الوطنية المختصة أو تحديد الجهات المعنيّة، وهو ما يؤدي إلى ضعف الرقابة الوطنية وعدم تناسق التطبيق across الخدمات والمنصّات، وتجسيداً لذلك وردت تقارير تفيد بأن الإجراءات التنسيقية بين مختلف الجهات الوطنية متعثّرة أو غير مكتملة، ما يعوق متابعة الشكاوى العامة أو الانتقال من مرحلة التبليغ إلى اتخاذ قرارات تنفيذية.

 

تبعات الانتهاكات وتأثيرها على المستخدمين والسوق

إن قصور التطبيق القانوني يعني في الممارسة أن المستخدمين قد يبقون عرضة لممارسات غير شفّافة أو ضارة، مثل المحتوى غير القانوني غير المراقب، أو الإعلانات التي تستهدف الفئات الضعيفة أو القصر، أو تغييب آليات الاعتراض والمراجعة. كماأن الانتهاك ما زال يشكل تهديدا لمبدأ السوق الرقمي العادل، لأن الشركات التي تتخلف عن الامتثال تستفيد من ميزة غير عادلة، وتضع المستخدم في موقع ضعف.

من جهة أخرى، يثير ضعف التنفيذ شكوكا حول مصداقية التشريع وتأثيره الفعلي،ففي حال لم تُترجم النصوص إلى فعليّة ملموسة فقد يفقد البرنامج التنظيمي قوّته التأثيرية، ويُخشى أن يتحوّل الالتزام إلى «إعلانٍ شكلي» أكثر من كونه ممارسة عملية.

 

سبل المعالجة وخريطة الطريق نحو التزام فعلي

تُشير الوثائق إلى أن المنهجية التنظيمية يجب أن تشمل ليس فقط سنّ القواعد، بل أيضاتعزيز قدرات الرقابة والتحقّق وتطبيق العقوبات، حيث يمكن للمشرعين والجهات الرقابية أن تتبنّى أدوات أكثر فاعلية، مثل طلب البيانات من المنصّات وإجراء تحققات مستقلة أو فرض جزاءات مالية في حال التكرار، لا سيما أن غياب التجاذب الفعلي يُضعف الردع القانوني.

كما أن تعزيز التنسيق بين الجهات الوطنية المعنيّة أبرز من أي وقت مضى، إذ إن إتمام تأسيس السلطات المعنيّة وتفعيلها يُعدّ شرطاً أساسياً لتحويل الشكاوى إلى إجراءات تنفيذية، وعمل منصة مشتركة للتبليغ ومتابعة المنازعات يمكن أن يعزّز الشفافية. وأخيراً، فإن تشجيع العمليات الشفّافة للمستخدمين والباحثين، وضمان وصولهم إلى المعلومات المناسبة، يسهم في خلق بيئةٍ تحفّز الامتثال الطوعي، وبالتالي يقلّل الضغوط التنظيمية على الجهات الرقابية ويعزّز ثقافة الالتزام الذاتي داخل المنصّات.

إن تشريع الخدمات الرقمية يمثل ركيزة حيوية في تنظيم الاقتصاد الرقمي وحماية المستخدم وعامة المجتمع، لكن نجاحه مقترن بمدى فعليّة تطبيقه ورصد الانتهاكات وفعل العقوبات، وإلا فإن النصوص تظل حسما في حبر، وواقع التنفيذ يبقى أقرب إلى الإخلال منه إلى الامتثال.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى