
ودعت ولاية غرداية ركيزة من ركائزها الداعمة وبطل من أبطال ثورة التحرير الوطني المظفرة وقامة من قامات المجتمع الغرداية الشعانبي، المجاهد “سي الدين الزاوي”، من صحن الواد وسط المدينة إلى مقبرة سيد الحاج بحوض بحي دحاحو بمتليلي الشعانبة ووري الترى في جدو جنازي مهيب وحشود كبيرة.
تشاء الأقدار والجزائر تحتفل بإحياء الذكرى الواحد 71 والسبعين إندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، في غمرة إختفالاتها المخلدة لهاته الثورة المجيدة ومآثر رجال الأشاوس من شهداء ومجاهدين، أن تفقد رجلا من خيرة الرجال الوطنيين، رجلا مخلصا لمبادئ ديننا ورمز للوطنية بكلا وشهما، الرجل الذي َاهدى زهرة شبابه للوطن ونذر عمره كاملا لخدمة الجزائر عامة والمنطقة خاصة بولاية غرداية وضواحيها، كشعبي غيور مناضل ومجاهد بصفوف جيش التحرير الوطني، إبنا بارا من خيرة ما أنجبت حرائر الجزائر من سيدات الزوى الأبطال الأحرار، رجلا حمل في ذهنه وفكره وحلمه إستقلال الجزائر .
رغم المعاناة والظلم والحصار والجوع والفقر وما يعجز اللسان عن ذكره ووصفه بما لقيه الرجل وتعرض له وشهاده وعاصره، إلا أنه لم يضعف يوما ولم يخاف ويتراجع أمام تلك الضربات الموجعة والمؤلمة وأكبر الهزات التي لقيها وعاشها، وظل مثالا وفيا مخلصا، مثال للرحل الصبور أنموذج الصمود والإصرار والعزم، مناضلا مجاهدا ومحاربا مسبلا نفسه وماله وكل ما يملك وفي سبيل الدفاع عن الوطن والذود عن الدين والشرف والكرامة.
ويرحل المجاهد “سي الدين الزاوي”، بعد إحيائه الذكرى الواحدة 71 والسبعين لثورة الفاتح نوفمبر 1954 و يحظى بزيارة تاريخية من والي ولاية غرداية عبدالله أبي نوار و رئيس المجلس الشعبي الولائي الحاج سعيد و الأمين الولائي للمجاهدين الحاج محمد سويلم و باقي الإطارات و أسرة المجاهدين في وقفة تضامنية والتي كانت الوداع الأخيرة بسماع شهادته و وصيته ورجائه لحماية الجزائر وصون الأمانة و الحفاظ على وحدة الشعب و الوطن.
مولده ونشأته:
هو المجاهد الزاوي الدين بن قدور من عرش الزوى (ظ المعروف بسي الديم الزاوي) ولد سنة 1934 بمتليلي الشعانبة جنوب الجزائر. نشا في أسرة فقيرة محافظة ثورية عن كابر، ضحت بالنفس والنفيس. منها عديد المجاهدين والشهداء على مستوى القطر الجزائري منها عبى سبيل المثال بمتليلي الشعانبة بناحية الشبكة بالصحراء. وبالجنوب الغربي بكل من البيض وبشار وبالجنوب الكبير بكل من أدرار وتيميمون وعين صالح.
فنون الحرب والقتال والمواجهة:
النضال والجهاد والدفاع عن الدين والوطن. كأولى الأهداف الأساسية والرئيسة في حياة الفرد لدى عرشه وأهله. والدود عن الأنفة والشرف والكرامة ورفض الظلم والعبودية والإضطهاد.
تعليمه الديني القرآني:
ترعرع بين أحضان عائلة دينية روحانية محافظة متماسكة، تعلم القراءة والكتابة أين تتلمذ بالكتاتيب على مشايخه كل من الطالب بحوص عبد الباقي والطالب على ين الديبة بقلعة العلم والمعرفة إبان فترة الاحتلال الفرنسي للمدينة بحي حاضور بمتليلي الشعانبة.
عمله ومهنته:
ولما أشتد عوده وأصبح يافعا كأبناء المنطقة أشتغل في تربية الغنم والإبل بالبادية بصحراء متليلي الشعانبة بحكم طبيعة المنطقة وأهلها. وبعد ذلك إنتقل في سن العاشرة 10 من عمره مشيا على الاقدام إلى غرداية. وأنتقل بعدها إلى غرب البلاد للعمل وعاد بعد فترة بتوفير نصيب من المال إلى متليلي, أين أمتهن التجارة. وفتح دكان بحي مولاي أحمد بمتليلي.
نضاله وجهاده بصفوف جيش التحرير:
كباقي جل أبناء المنطقة من الشعانبة إنخرط في صفوف الثورة التحريرية الوطنية سنة 1954 كانت له أدوار كثيرة، من حيث الجانب المدني والعسكري، فقام بالتموين والتسليح بالولاية السادسة بالمنطقة.
بفضل جهوده الجبارة في إيصال السلاح والعتاد وتنفيذه لعدة عمليات بولايات الجنوب خاصة بمنطقة غرداية والمشاركة في الكمائن بين الولايتين التاريخيتين، وسرعان ما أُكتشف أمره بأن دكانه كان مخبأ للرسائل والسلاح. فر هاربا وصادرت قوات الإحتلال الفرنسي أملاكه وأمواله.
بعد أن أدركت بأنه حلقة الوصل بين الولايتين التاريخيَتين. وأمام عدم جيش الإحتلال الفرنسي القبض عليه. صدرت أوامر بتتبعه وملاحقته ورصدت مبالغ مالية معتبرة لمن يَقتله أو يخبر عنه،
بقي ملازما لنضاله الجهادي وإخلاصه ووفائه لمبادئه الحربية و الدفاع عن الوطن. إلا أن تم تعيينه من طرف جيش التحرير الوطني ملازما في الصفوف الأولى,لإلتزامه الدائم وخِبرته وتمرسه في حرب العصابات وإيصال السلاح للمجاهدين. وبالولاية الخامسة المنطقة الثامنة التاريخية بقيادة مولاي إبراهيم عبد الوهاب. رافق عديد الشهداء منهم الشهيد عمير عيسى الذي لم بفارقه أين ما حل وأرتحل برفقة دليلهم المجاهد لعمور قادة رحمهم الله. كما إلتحق سنة 1958 بمنطقة جبل بوكحيل تحت قيادة من المجاهدين منهم مخلوف، قوجيل علي، علي الشريف ومخلوف. كما شارك في عدة معارك برفقة كل من المجاهدين بالمناطق التالية منها كل من: الجلفة- البرواقية – البويرة- اقبوا و بجاية.
وبتاريخ 29 جانفي 1961 معركة بجل قمرة ببوكحيل، في معركة ضارية حامة الوطيس من وحاصر جيش الإحتلال المنطقة من الساعة الرابعة صباحا الى غاية الواحدة ليلا
ولما أشتد الحصار على المجاهدين بالمعركة ولتفادي الخطر وحماية الثورة وأسرار رجالها يومها. طلب من سي الدين الزاوي بأمر من القيادة بجمع جميع الوثائق المنعلقة بالثورة وأمورها الحربية. بإبعادها ونقلها إلى أعلى الجبل.
وأثناء التوجه للجبل ألقت عليه قوات الإحتلال قنابل وقذائف عديدة. عليه برفقة من معه من المجاهدين، فأصيبت الدابة التي كان يستغلها وأصيب سي الدين بجروح في كتفه. وبمحاصرتهم ألقي عليه القبض وأعتقل ونقل به إلى السجن بالجلفة ومنه إلى سجن سركاجي بالعاصمة وحكم عليه بالاعدام. وبعدها خفف عليه الحكم وحكم عليه بالمؤبد، ونقل إلى سجن ورقلة جنوب البلاد وسجن برفقة كل من المجاهد بن شرودة أحمد من ورقلة ولشلق بحوص و بلخير الطيب.
وبعد إعلان إتفاق إطلاق النار بتاريخ 19 مارس 1962, أطلق سراحه يوم 24 أفريل 1962. عادل للجهاد بعد الإستقلا وشارك في معركة حرب الرمال سنة 1963 ضد المغرب.
حياته بعد الإستقلال:
بعد الإستقلال مارس سي الحاج سي الدين الزاوي، أعمالا حرة إلى غاية إحالته التقاعد. فأقعده المرض وألزمه الفراش لفترة طويلة. ملبىا ندا الوطن لوقف أطماع العدو التوسعية وأبلى فيها البلاء الحسن مواصلا سلسلة التضحية عن الوطن.
وفاته ودفنه:
إنتقل سي الدين الزاوي إلى رحمة الله يوم الأثنين 03 نوفمبر 2055 عن عمر ناهز 91 سنة. في إحتتفالات غرة شهر نوفمبر 1954 بولاية غرداية بمقر سكنه بحي المجاهدين بولاية غرداية، وشيعت جنازته عشية اليوم نفسه بصلاة الجنازة عليه من صحن الواد قرب مسجد سيدنا إبراهيم الخليل وسط المدينة، على الساعة الخامسة وخمسة وأربعين دقيقة مساء، ودفن بمقبرة سيد الحاج بحوص (بحي دحاحو) متليلي الشعانبة، سبحان الله شاءت الأقدار أن يفارق الدنيا ويودع الحياة بعد حضوره إحياء الذكرى النوفمبرية الثورية والزيارة التاريخية له من تكريمه من طرف والي ولاية غرداية أبي نوار عبد الله، بمناسبة الذكرى 71 الواحدة والسبعين لإندلاع الثورة التحريرية الوطنية، يلاقي ربه وكأنه يحن إلى ذويه وإخوانه الشهداء والمجاهدين الذين قضوا نحبهم.
يشهد الجميع بأن المجاهد سي الدين الزاوي قد قام بأحسن وأكمل وجه بواجبه الوطني الحساس والجبار على أكمل وجه منذ أن عرف النضال والجهاد إلى غاية فجر الاستقلال، بحكم خبرته وتجربته الكبيرة التي صبت كلها في فائدة سبيل تحرير الوطن.
ويشهد التاريخ ورفقاء السلاح بأن الرجل يستحق أن يكون مدرسة للجميع عامة وللشباب خاصة. لإستخلاص عبر دروس الروح الوطنية وحب الوطن والوفاء والإخلاص له، وكل ما يفيد البلاد ويخدم مصلحة البلاد بعيدا عن أية جهوية ولا نعرة قومية ولا ما يفرق الأمة و ويهدم صفوف الشعب.
كان رجلا بمعنى ما تحمل الكلمة. لم يتخل يوما عن تلبية النداء تأدية واجباته كاملة نحو وطنه الجزائر، رحم الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته اللهم أغفر له وأرحمه وأعف عنه وعافه ووسع مدخله يا رب العالمين. إنا لله وإنا إليه راجعون.
الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون



