تكنولوجيا

روبوتات تتحرك بالهواء دون إلكترونيات: ابتكار ثوري من أكسفورد

نجح فريق من الباحثين في جامعة “أكسفورد” في ابتكار جيل جديد من الروبوتات لا يعتمد على أي مكونات إلكترونية أو محركات أو أنظمة حاسوبية، بل يعمل كلياً بضغط الهواء، وهو ما يعد تحولاً كبيراً في مفهوم تصميم الآلات الذكية. وكشفت الدراسة التي نشرتها دورية المواد المتقدمة أن هذه الفئة الجديدة من الروبوتات، التي أطلق عليها اسم “الروبوتات المائعة”، قادرة على أداء حركات إيقاعية ومتزامنة ذاتياً دون أي تحكم مركزي، مما يفتح الباب أمام استخدامات مستقبلية مبتكرة في مجالات متعددة.

 

الروبوتات اللينة بين الطبيعة والهندسة

تنتمي هذه الروبوتات إلى ما يعرف بـ”الروبوتات اللينة”، وهي نوع حديث من الآلات يصمم باستخدام مواد مرنة بدلا من الهياكل الصلبة المعتادة، فتتحرك بأسلوب يحاكي الكائنات الحية من حيث الليونة والقدرة على الانحناء والتكيف، وتعتمد في عملها على مبدأ يحاكي سلوك العضلات الطبيعية التي تتفاعل مع المؤثرات المحيطة دون الحاجة إلى مركز تحكم معقد. وتتميز هذه الفئة بكونها آمنة في التعامل مع الإنسان والبيئة، إذ تصنع عادة من مواد مثل السيليكون أو البوليمرات القابلة للتمدد، وتُشغّل بوسائل ميكانيكية تعتمد على الهواء أو السوائل أو المجالات المغناطيسية، فتتحرك بسهولة في المساحات الضيقة وتنجز أعمالا دقيقة، وتستعمل اليوم في مجالات حساسة مثل الجراحة، والمناولة الدقيقة في المصانع، والاستكشاف في البيئات الخطرة، غير أن التحدي الأكبر الذي واجه هذا النوع من الروبوتات ظل يتمثل في كيفية تنفيذ سلوكيات معقدة أو اتخاذ قرارات من دون الاعتماد على الأنظمة الإلكترونية التقليدية.

 

من دون عقل مركزي وبسلوكيات معقدة

أوضح الباحثون أن التجارب التي أجريت أظهرت إمكانية توليد سلوكيات معقدة في آلات لا تمتلك عقلاً بالمعنى الحرفي، إذ تستطيع هذه الروبوتات أداء وظائف متعددة بالاعتماد على أجزائها الطرفية فقط، وقال أنطونيو فورتي الباحث بقسم علوم الهندسة في جامعة أكسفورد إن هذا المشروع يمثل تحولا جوهريافي طريقة التفكير في بناء الروبوتات، لأن المهام يمكن توزيعها على الأجزاء الميكانيكية بدلامن الاعتماد على مركز تحكم إلكتروني، وسعت الدراسة إلى معالجة مسألة إدماج السلوك واتخاذ القرار داخل البنية الفيزيائية للروبوت نفسه.

فبدلاً من الاعتماد على أجهزة استشعار ومعالجات كما في النماذج التقليدية، اعتمد الباحثون على تفاعل الجسم الميكانيكي مع البيئة مباشرة، وهو ما يمنح الروبوت استجابة أسرع ومرونة أكبر، كما استوحى فريق العمل فكرته من الطبيعة، حيث تمتلك الكائنات الحية أنظمة لامركزية تعمل بتناسق بين أجزاء الجسم المختلفة دون وجود مركز واحد يتحكم بكل شيء، ومن هنا جرى تطوير وحدة معيارية صغيرة تعتمد على ضغط الهواء لتأدية أدوار متعددة تشبه في عملها الدوائر الإلكترونية، ولكن دون الحاجة إلى كهرباء أو برمجيات.

 

وحدات هوائية تشبه العضلات

تؤدي الوحدة الواحدة في هذه الروبوتات أدواراً متنوعة، فهي قادرة على الحركة أو التشوه استجابة لتغير الضغط فتعمل كعضلة، كما يمكنها الإحساس باللمس أو التغير في الضغط فتقوم بوظيفة الحساس، أو التحويل بين حالتي التشغيل والإيقاف لتعمل كصمام أو بوابة منطقية، وقد صمم الباحثون هذه الوحدات بحيث يمكن تركيبها معاً كما تُجمع قطع المكعبات، إذ لا يتجاوز حجم كل وحدة بضعة سنتيمترات، ويمكن عبر دمجها تكوين روبوتات مختلفة دون تغيير التصميم الأساسي، وخلال التجارب المعملية تمكن الفريق من إنشاء روبوتات صغيرة بحجم صندوق الأحذية تقريباً، قادرة على القفز أو الاهتزاز أو الزحف وفقاً لترتيب الوحدات، وأظهرت إحدى التجارب أن الوحدة الواحدة يمكنها الجمع بين الأدوار الثلاثة في وقت واحد، ما يسمح بإنتاج حركة إيقاعية تلقائية عند تطبيق ضغط هواء ثابت عليها، وعندما ربط الباحثون عدداً من هذه الوحدات ببعضها، بدأت الحركة تتزامن بشكل طبيعي دون أي توجيه حاسوبي، وهو ما أكد نجاح الفكرة في تحقيق تنسيق ذاتي كامل.

 

استخدامات مستقبلية واسعة

استفاد فريق البحث من هذه الخصائص في ابتكار نموذجين تجريبيين، الأول يعرف باسم “الروبوت الهزاز” وهو قادر على فرز الخرز داخل أوعية مختلفة عبر إمالة منصة دوارة ميكانيكياً، والثاني “الروبوت الزاحف” الذي تمكن من استشعار حافة الطاولة والتوقف قبل السقوط، وأظهرت التجارب أن كلا الروبوتين تمكنا من تحقيق تنسيق حركي كامل اعتماداً على النظام الميكانيكي وحده دون أي تحكم إلكتروني، ويعتقد الباحثون أن هذه الخطوة قد تمهد لتطبيقات واسعة في مجالات الجراحة الدقيقة أو استكشاف البيئات القاسية التي يصعب فيها استخدام الأنظمة الكهربائية.

كما أنها تقدم رؤية جديدة في تصميم الآلات الذكية تعتمد على دمج الميكانيكا الحيوية في البنية المادية نفسها بدلا من نقل الذكاء إلى المكونات الإلكترونية، وبذلك يثبت هذا الابتكار أن السلوك الذكي لا يتطلب بالضرورة وجود عقل إلكتروني، بل يمكن أن ينبع من تفاعل بسيط ومنظم بين المادة والحركة والبيئة.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى