تكنولوجيا

أجهزة تكنولوجية بريئة المظهر ولكنها تراقبك بصمت

قد يظن المرء أن بيته هو الملاذ الآمن الذي يحفظ له خصوصيته وراحته، لكن الواقع التقني الحديث قلب هذه المعادلة، فالكثير من أجهزة تكنولوجية التي نقتنيها اليوم أصبحت أشبه بعيون وآذان خفية ترصد وتجمع البيانات من دون علم المستخدم، وتبث أحيانًا الصوت والصورة بصمت، مما يجعل الوعي بتلك الأجهزة خطوة ضرورية لحماية الخصوصية الشخصية، ولعل من أبرزها الأجهزة الذكية التي تحيط بنا في منازلنا دون أن ننتبه.

 

التلفاز الذكي.. شاشة ترفيه أم عين مراقبة؟

تحوّل التلفاز الذكي من وسيلة بسيطة لمشاهدة البرامج إلى منصة متكاملة تشمل البث الرقمي وتصفح الشبكة والتحكم بالأجهزة المنزلية، لكن خلف هذه الواجهة اللامعة تكمن أنظمة خفية تجمع بيانات المستخدمين بصمت، إذ يتم تسجيل كل نقرة وكل بحث وكل عرض تتم مشاهدته، وذلك بفضل خاصية مدمجة تُعرف بميزة التعرف التلقائي على المحتوى التي تتتبع ما يشاهده المستخدم سواء عبر الإنترنت أو من خلال مداخل الأجهزة الأخرى، لتجمع هذه البيانات لاحقًا وتباع للمعلنين.

وقد سبق أن عوقبت إحدى الشركات الكبرى بغرامة مالية، بعد ثبوت جمعها بيانات المشاهدة من ملايين المنازل دون علم أصحابها، غير أن هذه الممارسات لم تتوقف بل أصبحت مدفونة في سياسات خصوصية معقدة، يمر عليها المستخدمون مرور الكرام عند تشغيل أجهزتهم لأول مرة، كما أن وجود الكاميرات المدمجة في بعض أجهزة التلفاز يزيد من المخاوف، فحتى عند تعطيل العدسة أو تعديل الإعدادات تبقى الريبة قائمة لأن المستخدم لا يعرف حقًا إن كانت مراقبته قد توقفت أم لا.

 

الأجهزة القابلة للارتداء والمساعدات الذكية.. الراحة التي تكشف أسرارك

عندما ظهرت الساعات الذكية، وأجهزة تتبع اللياقة البدنية، كان الهدف منها تحسين نمط الحياة الصحية، لكنها سرعان ما تحولت إلى وسيلة تتابع تفاصيل دقيقة عن حياة أصحابها، فهي تعرف أوقات النوم والاستيقاظ وعدد الخطوات ومعدل نبض القلب والمواقع التي يرتادها المستخدم، والأسوأ أنها تنقل كل هذه البيانات إلى خوادم الشركات التي تديرها، والتي لا تتردد أحيانًا في مشاركتها أو بيعها.

وقد كشفت بعض التطبيقات ذات مرة مواقع أفراد عسكريين حساسة، من خلال بيانات لياقتهم فقط مما أثار ضجة عالمية، أما المساعدات الصوتية المنزلية التي تعمل بالأوامر فتستمع على الدوام بحثًا عن كلمات تنبيه لتعمل، لكنها في بعض الأحيان تسجل محادثات خاصة عن طريق الخطأ وتبقى محفوظة على خوادم الشركات، بل حدث أن أرسلت إحدى الأجهزة تسجيلاً خاصًا لعائلة إلى شخص غريب مما أثار الرعب والشك في أمان هذه التكنولوجيا، ولهذا يُنصح دائمًا بمراجعة التسجيلات الصوتية وحذفها وتعطيل الميكروفونات عند عدم الحاجة لتقليل فرص التطفل أو الاختراق.

 

أجهزة تكنولوجية  .. الأداة المثالية للتجسس الحديث

يبقى الهاتف الذكي الجهاز الأكثر التصاقًا بالإنسان والأكثر معرفة بتفاصيل حياته، فهو يعرف أماكن وجوده وعاداته اليومية واهتماماته ومحادثاته، وكل تطبيق يُثبّت عليه يشكل منفذًا إضافيًا لجمع المعلومات، فبعض التطبيقات تتابع الموقع حتى أثناء عدم استخدامها، وأخرى تصل إلى الصور وجهات الاتصال والميكروفون والمستشعرات الداخلية.

ولا تقتصر عملية التتبع على التطبيقات، بل تمتد إلى أنظمة التشغيل وشركات الاتصال التي تسعى جميعها للحصول على بيانات المستخدمين، ومع أن البعض يظن أن تعديل الإعدادات يحميه من المراقبة، إلا أن تصميم الهواتف قائم على فكرة جمع البيانات وتحليلها، وهكذا نجد أنفسنا كل عام نصطف في الطوابير للحصول على طراز أحدث من الجهاز ذاته الذي يراقبنا، مبتسمين ونحن نحمل بأيدينا أداة تتبع متطورة، اشتريناها بأنفسنا ودفعنا ثمنها بكل رضا، دون أن ندرك أن أكثر ما تفعله هذه الأجهزة هو مراقبتنا لا خدمتنا.

بهذا يتضح أن التطور التقني الذي سهّل حياتنا اليومية جلب معه تحديات خفية تهدد الخصوصية، فالأجهزة التي نعدها أدوات راحة أصبحت أيضًا وسيلة مراقبة دقيقة، مما يجعل وعي المستخدم هو خط الدفاع الأول أمام غزو غير مرئي لحياته الشخصية.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى