
انقطاع كابلات الإنترنت في البحر الأحمر.. شهد العالم خلال الساعات الماضية اضطرابا ملحوظا في خدمات الإنترنت بعد انقطاع عدة كابلات بحرية تمر عبر البحر الأحمر، ما أدى إلى تباطؤ شديد في الاتصال داخل مناطق واسعة تشمل الشرق الأوسط وآسيا، وأعاد الحادث إلى الواجهة التساؤلات حول هشاشة البنية التحتية الرقمية التي يعتمد عليها مليارات البشر في حياتهم اليومية، إذ لم تقتصر التأثيرات على الأفراد فحسب، بل امتدت لتشمل كبريات الشركات وخدمات الحوسبة السحابية العالمية، وهو ما يوضح عمق الترابط الذي يحكم الشبكات الرقمية في عصر العولمة.
انقطاع كابلات الإنترنت في البحر الأحمر..
الكابلات البحرية تمثل العمود الفقري للاتصال الرقمي العالمي، فهي تربط القارات وتتيح انتقال البيانات بسرعة تفوق أي وسيلة أخرى، ويعد البحر الأحمر واحدا من أكثر الممرات ازدحاما بهذه الكابلات نظرا لموقعه الرابط بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، ولهذا فإن أي خلل في هذه المنطقة تكون له ارتدادات واسعة على خريطة الاتصال العالمية، وقد أكدت منظمات مراقبة الشبكات أن الانقطاعات الأخيرة أصابت مستخدمين في دول مثل باكستان والهند وتركيا والإمارات والكويت مما أدى إلى بطء شديد في الخدمات اليومية من تصفح وبريد إلكتروني واتصالات مرئية.
وتشير البيانات إلى أن الأعطال مست عددا من الكابلات الرئيسية بينها كابل “إس إم دبليو 4” الذي يبلغ طوله نحو 18 ألف كيلومتر ويمتد من فرنسا وإيطاليا وصولا إلى دول آسيوية وأفريقية، وكابل “آي إم إي دبليو إي” الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط بطول يزيد عن اثني عشر ألف كيلومتر، إضافة إلى كابل “فالكون” الذي شهد انقطاعا مؤثرا قرب سواحل الكويت، وقد كشفت هذه الأعطال مجتمعة أن نقطة واحدة في النظام العالمي قد تكفي لإرباك حركة الاتصال في عدة قارات دفعة واحدة.
ارتباك في الخدمات السحابية والشركات الكبرى
لم يقتصر أثر الانقطاع على الاستخدام المنزلي بل امتد إلى بنية الأعمال الرقمية، إذ أعلنت إحدى كبريات الشركات العالمية المزودة لخدمات الحوسبة السحابية أن مستخدمي منصتها واجهوا زيادة في زمن الاستجابة نتيجة تعطل الكابلات البحرية، وأوضحت الشركة أنها أعادت توجيه حركة البيانات عبر مسارات بديلة لكنها حذرت من أن هذا الحل قد يسبب تباطؤا إضافيا حتى انتهاء أعمال الإصلاح، ويؤكد ذلك أن الاعتماد المتزايد على الحوسبة السحابية والخدمات الرقمية العابرة للحدود، يجعل أي اضطراب في البنية التحتية البحرية تهديدا مباشرا لاستمرارية الاقتصاد الرقمي.
وتشير التقديرات إلى أن إصلاح كابلات الألياف الضوئية في أعماق البحر يحتاج إلى وقت طويل وإمكانات تقنية متطورة، إذ يجب إرسال سفن متخصصة لتحديد مواقع الأعطال بدقة ثم انتشال الأجزاء التالفة واستبدالها، وهو ما يعني أن العالم قد يظل يواجه تداعيات هذه الأزمة أياما أو أسابيع، وخلال هذه الفترة ستضطر الشركات إلى العمل بقدرة منخفضة بينما يعاني المستخدمون من تباطؤ ملحوظ في الخدمات، مما يبرز ضرورة بناء بنية تحتية أكثر مرونة تعتمد على تعدد المسارات وتنوع نقاط الاتصال.
بين الحوادث العرضية والفرضيات الجيوسياسية
السبب المباشر لانقطاع الكابلات لم يُحدد بشكل قاطع بعد، فغالبية الأعطال البحرية عبر التاريخ كانت نتيجة أنشطة بشرية عرضية، مثل مراسي السفن أو عمليات الصيد التي تتسبب في قطع الألياف الدقيقة، كما أن الكوارث الطبيعية كالزلازل قد تؤدي إلى النتائج نفسها، ومع ذلك فإن الحادث الحالي جاء في ظرف إقليمي متوتر مما فتح باب التكهنات حول احتمال وجود استهداف متعمد لهذه الكابلات، خاصة أن البحر الأحمر يشهد منذ أشهر عمليات عسكرية مرتبطة بصراعات إقليمية حساسة.
وقد توجهت بعض أصابع الاتهام نحو أطراف مسلحة تنشط في المنطقة لكن هذه الأطراف سارعت إلى نفي أي صلة لها بالحادث، ومع أن الحقيقة لم تتضح بعد، إلا أن مجرد وجود الشكوك يكشف حجم الخطر الذي تمثله الكابلات البحرية، باعتبارها أهدافا استراتيجية قد تُستخدم للضغط في النزاعات الدولية، وهنا تبرز الحاجة الملحة إلى وضع أطر أمنية مشتركة لحماية هذه البنية التحتية التي أصبحت لا تقل أهمية عن طرق التجارة الدولية أو أنابيب الطاقة.
هذا الانقطاع الأخير لا يمكن اعتباره حادثا تقنيا عابرا بل هو جرس إنذار عالمي يذكّر بأن الإنترنت التي باتت شريان الحياة المعاصرة تعتمد في النهاية على خيوط رفيعة من الألياف الممدودة في أعماق البحار، وإذا لم تُعزز آليات الحماية والاستجابة السريعة، فإن العالم سيظل عرضة لاهتزازات رقمية متكررة تهدد الاقتصاد والاتصال وحتى الأمن القومي للدول.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله