
أكد رئيس الجمهورية، السيد “عبد المجيد تبون”، الخميس الماضي بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” (الجزائر العاصمة)، خلال إشرافه على افتتاح الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية 2025، أن “إفريقيا هي المستقبل، وأن الجزائر ستكون طرفا فاعلا في مسعى رفع تحدي التنمية في القارة”.
حيث أعرب رئيس الجمهورية عن فخر واعتزاز الجزائر باحتضانها للطبعة الرابعة لهذا المعرض الذي ينعقد في “ظرف عالمي بالغ الدقة والحساسية، ظرف تتسارع فيه الأحداث على نحو غير مسبوق”، مبرزا في ذات الصدد، عن تعاظم المخاطر التي تهدد بانهيار منظومة العلاقات الدولية القائمة، وهي المنظومة التي قال بشأنها:” باتت اليوم مهددة في كيانها وفي وجدانها وفيما تقوم عليه من قواعد ومؤسسات سياسية كانت أو أمنية، بل حتى اقتصادية”، مُبديا في الوقت نفسه عن خشيته من أن تكون إفريقيا، مرة أخرى، “أحد أبرز ضحايا هذه الأوضاع المتدهورة”.
إفريقيا مطالبة بافتكاك مكانتها في النظام العالمي الجديد
وفي نفس السياق، أكد رئيس الجمهورية، في افتتاح الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، أن احتضان الجزائر لهذا الموعد القاري يأتي في ظرف عالمي حساس، تتعاظم فيه المخاطر التي تهدد بانهيار منظومة العلاقات الدولية، محذرًا من أن تكون إفريقيا أبرز ضحاياه رغم ما تملكه من إمكانات هائلة تؤهلها لإعادة تشكيل النظام العالمي.
وأبرز رئيس الجمهورية بأن همّ إفريقيا اليوم اقتصادي بالدرجة الأولى، متسائلًا: “أين تقف قارتنا من الاقتصاد العالمي؟”، مشيرا إلى أن القارة حققت إنجازات معتبرة مثل تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية والانضمام إلى مجموعة العشرين، لكنها لا تزال تعاني من تهميش في المؤسسات المالية الدولية ومن تبادلات بينية لا تتجاوز 15 بالمائة، مقارنة بـ60 بالمائة داخل أوروبا، وهو واقع يحرم بلدانها من فرص النمو.
مشددا في السياق ذاته، على أن الجزائر أخذت على عاتقها المساهمة الفعلية في بناء مستقبل القارة من خلال برمجة العديد من المشاريع الهيكلية الكبرى، على سبيل المثال الطريق العابر للصحراء، أنبوب الغاز الجزائري- النيجيري، مشروع الألياف البصرية لتعزيز السيادة الرقمية، وخطوط السكك الحديدية التي ستربط الجزائر بمالي والنيجر، وكذلك رحلات جوية وبحرية لدعم حركة التجارة البينية في المغرب العربي ومنطقة الساحل.
وعليه، أكد رئيس الجمهورية، أن مستقبل إفريقيا في شبابها، مذكرًا في السياق ذاته بأن الجزائر ساهمت منذ الاستقلال في تكوين أكثر من 65 ألف إطار إفريقي. كما شدد على أن نجاح منطقة التجارة الحرة القارية مرهون ببناء بنية تحتية إفريقية قوية قادرة على ضمان التكامل الاقتصادي، كما أن الجزائر قامت إلى وقت قريب بمحو ديون 14 دولة إفريقية قدرت قيمتها بـ 5،1 مليار دولار، وهو ما يبرز التوجه الإفريقي للجزائر.
المرافعة من أجل رؤية جامعة لإفريقيا قوية وفاعلة
وكان معرض التجارة البينية الإفريقية، مناسبة لرئيس الجمهورية كي يرافع من أجل رؤية جامعة ومشتركة لإفريقيا قوية وفاعلة، حيث أكد جازما على حرص الجزائر بأن تكون طرفا فاعلا ضمن هذه الرؤية المستقبلية الطموحة، وكما قال، أن “إفريقيا هي المستقبل وأن الجزائر ستكون طرفا فاعلا في مسعى رفع تحدي التنمية في القارة”، مؤكدا أن لقاء اليوم “ليس مجرد تظاهرة اقتصادية، بل هو تجسيد لوعي جماعي يحدونا جميعا نحو بناء قارة متكاملة، قارة قوية الإرادة وقارة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي”.
مذكرا أيضا بما تم تحقيقه على المستوى القاري قائلا: “لن ننكر أننا أحرزنا إنجازات معتبرة خلال العقدين الماضيين، أبرزها تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية وانضمام الاتحاد التجاري الإفريقي إلى مجموعة العشرين وربط علاقات شراكة مع أكبر القوى والمنظمات الاقتصادية في العالم”.
كما أعرب رئيس الجمهورية عن يقينه بأن “مستقبل إفريقيا، وكما تؤمن به الجزائر، يكمن في مدى القدرة الجماعية لدولها على إقامة بنية تحتية متكاملة، حيث أبرز في السياق ذاته، أهمية خلق مناخ للاستثمار لفائدة الجميع، وهو الهدف الذي يرتبط تحقيقه – مثلما قال- بـ”مضاعفة الجهود وحشد الطاقات وتوحيد المسار لنحول منطقة التجارة الحرة الإفريقية إلى أداة فعلية للتنمية”. وعليه، استدل بقدرات الجزائر التي يمكن أن تسهم في نمو القارة من خلال إمكانية استقبال الموانئ الجزائرية في غضون 5 أو 6 سنوات المقبلة، للبضائع القادمة من دول افريقية لا تملك منفذا على البحر.
ضرورة توحيد الجهود من أجل تجاوز التهميش والإقصاء
كما أكد رئيس الجمهورية، في ذات الصدد، أنه آن الأوان لتمكين القارة من المساهمة في صناعة القرار الاقتصادي الدولي وتجاوز التهميش الذي تعاني منه ولن يكون ذلك إلا بتوحيد الدول الإفريقية لجهودها، حيث قدم بالمناسبة تشخيصا دقيقا للوضع الاقتصادي الإفريقي ورؤيته لاستنهاض طاقات القارة التي قال بشأنها:” لا تزال مغيبة في صنع القرار الاقتصادي العالمي، بحكم تهميشها في أغلب المؤسسات الاقتصادية والتجارية والمالية الدولية”.
وبلغة الأرقام، أسدل بالحصص الضئيلة التي تحوزها الدول الإفريقية في هذه الهيئات، وبعدم تجاوز حصتها في حقوق التصويت بصندوق النقد الدولي 5،6 بالمائة، وهي الحصة الأضعف على الإطلاق بهذه المنظمة، فيما لا تتجاوز بالبنك العالمي 11 بالمائة. أما ما تعلق بمنظمة التجارة العالمية، فقد أستطرد قائلا:” على الرغم من افتكاك إفريقيا لمنصب مدير عام لهذه المنظمة” ولأول مرة في تاريخها، إلا أن هذا المكسب لا يغطي حقيقة أن إفريقيا لا تزال محدودة التأثير في صناعة قرار هذه المنظمة”.
مشيرا أيضا إلى أن حصة إفريقيا من التجارة العالمية، لا تتجاوز 3 بالمائة، وهذا في حد ذاته يعد “رقما ضئيلا مقارنة بما تمتلكه القارة من موارد تشكل 30 بالمائة من الثروات الطبيعية العالمية، يضاف إلى ذلك تجاوز عدد سكانها المليار ونصف المليار نسمة، يشكلون سوقا استهلاكيا صاعدا وهائلا”.
وعليه، توقف رئيس الجمهورية عند هذه “الفجوة العميقة في البنى التحتية الأساسية للنقل والطاقة والاتصالات والتمويل”، التي لازالت تعاني منها القارة الإفريقية، بحيث أن جميع هذه المعطيات “يجب ألا تحد من عزيمتنا، بل على العكس، ينبغي ان تكون دافعا إضافيا للنهوض بطاقاتنا الجماعية لتحويل واقعنا القاري إلى نجاح في التنمية”. مبرزا على وجه الخصوص، المساعي الحثيثة للجزائر في استدراك هذه النقائص والمساهمة في رفع التحدي لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية من خلال العديد من المشاريع الهيكلية الكبرى التي تعود بالنفع على إفريقيا بشكل عام، وقال بهذا الخصوص:” فلتصنع إفريقيا غذاءها بنفسها ولتستمر وتستثمر ثرواتها لصالح أبنائها وبناتها وتنتزع مكانتها عن جدارة واستحقاق في عالم اليوم والغد على حد سواء”، ليضيف بالقول: “أتوجه ليكم بكلمات ربما تكون عاطفية، لكنها نابعة من صميم القلب، نحن نناضل من أجل تنمية افريقية حقيقية”، مؤكدا على أن “إفريقيا ليست حقل تجارب لأسلحة أجنبية”.
إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وغير ذلك مضيعة للوقت
وكانت المناسبة أيضا ليجدد رئيس الجمهورية، تأكيد المطلق، بأن ما يحدث في فلسطين الشقيقة، وفي غزة تحديدا هو “مجزرة وإبادة جماعية”، مشددا على أن أي حل خارج إطار إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، “سيكون مجرد مضيعة للوقت”. حيث ذكر بموقف الجزائر “الثابت والداعم” للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن ما “يحدث في الضفة الغربية وفي غزة تحديدا، هو مجزرة حقيقية وإبادة جماعية”.
وختم رئيس الجمهورية كلمته بالقول:” كلماتي نابعة من القلب، نحن نناضل من أجل إفريقيا مزدهرة، إفريقيا تصنع غذاءها بيدها وتنتزع مكانتها عن جدارة واستحقاق، قارتنا ليست حقلًا لتجارب الأسلحة، بل فضاء للأمل والتنمية”.
أحمد الشامي