تكنولوجيا

العلامة الزرقاء على منصة إكس تتحول إلى خدمة تجارية وتفقد رمزيتها

لطالما كانت العلامة الزرقاء التي تميز الحسابات على منصة إكس رمزًا للثقة والمصداقية. حيث ارتبطت هذه العلامة في أذهان المستخدمين بالشخصيات العامة والجهات الرسمية والمؤسسات الإعلامية الكبرى. إلا أن هذا المفهوم تبدّل بشكل جذري منذ أن قررت المنصة تغيير سياستها في التوثيق. وتحويل العلامة من أداة للتأكيد إلى ميزة تجارية ضمن باقة اشتراكات مدفوعة. وهو ما أثار موجة من الجدل والانقسام بين مستخدمي المنصة والمراقبين على حد سواء.


 

التغيير الذي أعلن عنه رسميًا في بداية أبريل من عام 2023. ألغى البرنامج القديم الذي كان يمنح بموجبه التوثيق بناءً على شهرة المستخدم أو نشاطه أو مكانته المجتمعية. واستبدله بنظام جديد يتيح للمستخدمين العاديين الحصول على العلامة مقابل اشتراك مالي. بشرط استيفاء بعض المعايير التقنية والتنظيمية. مما أضعف دلالة العلامة وأفقدها الكثير من وزنها الرمزي والمعنوي.

وفي حين ترى المنصة أن هذا التغيير يعزز من عدالة الوصول ويسهم في فتح المجال أمام جميع المستخدمين دون تمييز. يعتقد كثيرون أن ربط التوثيق بالدفع المالي ساهم في طمس الفارق. بين الحسابات ذات المصداقية والحسابات التجارية أو الوهمية. وهو ما يفتح الباب أمام استغلال واسع النطاق ويزيد من مخاطر التضليل الرقمي.

 

معايير جديدة… لكنها ليست كافية لضمان الثقة

وفقًا للنظام الجديد، لا يحق لأي مستخدم الحصول على العلامة الزرقاء إلا إذا كان حسابه مكتملًا من حيث البيانات، ويحتوي على صورة شخصية واسم واضح، إلى جانب ضرورة أن يكون الحساب نشطًا، أي أن يظهر فيه تفاعل حقيقي خلال فترة الثلاثين يومًا السابقة، مع ربطه برقم هاتف يمكن التحقق منه لضمان هويته.

ورغم وضوح هذه المعايير على المستوى الفني، فإنها لا تعكس بالضرورة الثقة الاجتماعية أو المهنية التي كانت شرطًا أساسيًا في النموذج السابق، حيث أصبح التوثيق متاحًا لأي مستخدم قادر على دفع الاشتراك، ما دام لا ينتهك شروط الاستخدام ولا يُظهر سلوكًا غير مشروع، وهو ما أدى إلى فقدان العلامة الزرقاء لقيمتها التمييزية الأصلية.

وأبرز ما يُظهر ضعف النموذج الجديد، هو إمكانية إزالة العلامة الزرقاء في أي وقت عند الإخلال بالقواعد، أو حتى بصورة مؤقتة في حال تغيير المستخدم لصورته أو اسمه، ما يربك المستخدمين ويجعل من العلامة مجرد رمز فني لا يُعبّر دائمًا عن هوية موثوقة أو جهة مسؤولة، بل ربما يُستخدم أحيانًا للتزييف أو التلاعب.

ويُضاف إلى ذلك، أن هناك حالات متكررة لحسابات مشبوهة حصلت على التوثيق الجديد فقط لأنها دفعت الاشتراك واستوفت المعايير الشكلية، ما يُضعف من قدرة المستخدم العادي على التمييز بين الحسابات الجديرة بالثقة وتلك التي تسعى للتأثير أو التضليل أو حتى الاحتيال.

 

العلامة الزرقاء على منصة إكس .. تحذيرات ومخاوف متزايدة من التضليل

لم تتوقف المخاوف عند حدود المستخدمين فقط. بل تجاوزتها إلى المؤسسات الرسمية التي عبّرت عن قلقها من التأثيرات السلبية لهذا التحول. حيث حذّرت جهات تنظيمية في القارة الأوروبية من أن هذا النظام الجديد يسهّل عمليات الانتحال ويزيد من فرص التضليل. لا سيما في القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة التي تعتمد على مصداقية المعلومات المتداولة عبر الإنترنت.

وتخشى المفوضية الأوروبية من أن تتسرب الحسابات المزيفة إلى دائرة الحسابات الموثوقة ظاهريًا. مستفيدة من سهولة الحصول على التوثيق الجديد. وهو ما من شأنه أن يربك المستخدمين ويفتح المجال أمام من يريد توظيف المنصة لنشر معلومات مغلوطة أو استهداف جهات معينة بطريقة ممنهجة.

وفي الوقت نفسه. يرى خبراء الإعلام الرقمي أن العلامة الزرقاء فقدت الكثير من رمزيتها بعد هذا التغيير. إذ لم تعد تعبّر عن حالة من التميز أو المصداقية. بل أصبحت في نظر الكثيرين مجرد مؤشر على الاشتراك المدفوع.

وقد يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المستخدمين بالمنصة بشكل عام. خاصة في ظل تزايد الشكاوى من انتشار الحسابات التي تستغل هذه العلامة لأغراض دعائية أو سياسية أو تجارية بحتة.

ويُشير البعض إلى أن هذا النموذج الجديد يحمّل المستخدمين مسؤولية التحقق من صحة الحسابات بأنفسهم. مما يتطلب منهم جهدًا مضاعفًا في التحري والتأكد. وهو أمر قد لا يكون ممكنًا أو فعالًا لدى أغلب المستخدمين العاديين الذين يفتقرون إلى أدوات الفحص والتحقق.

 

في ظل الربح المادي تذهب مصداقية العلامة

من الواضح أن قرار تحويل التوثيق إلى خدمة تجارية يندرج ضمن توجه المنصة نحو تنويع مصادر الدخل. خاصة في ظل التحديات المالية التي تواجهها. إلا أن هذه الاستراتيجية جاءت على حساب الثقة التي لطالما شكّلت حجر الأساس في العلاقة بين المستخدم والمنصة.  فحين يصبح بإمكان أي مستخدم الحصول على “علامة الثقة” بمجرد الدفع. دون معايير اجتماعية أو مهنية دقيقة، فإن المفهوم نفسه يفقد جوهره ويُفرّغ من مضمونه.

وقد باتت العلامة الزرقاء تثير الشك أكثر مما تثير الثقة. وهو ما يدفع الكثير من المستخدمين للتساؤل عما إذا كانت العلامة اليوم تعبّر عن شخصية معروفة تستحق المتابعة. أم مجرد مستخدم عادي قرر الاشتراك من أجل الظهور بمظهر “الموثوق”، في حين أن الواقع قد يكون مغايرًا تمامًا.

ياقوت زهرة القدس بن عبدالله

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى