
العلاج النفسي الرقمي .. في خطوة تعكس كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتحول إلى أداة لإنقاذ الأرواح. أثبت تطبيق جديد على الهواتف الذكية فعاليته الكبيرة في خفض معدلات تكرار محاولات الانتحار بنسبة تجاوزت نصف الحالات. بين أشخاص غادروا المستشفى بعد تعرضهم لمحاولة إنهاء حياتهم.
حيث أظهرت دراسة حديثة أن نسبة الانخفاض بلغت أكثر من 58 في المائة. ما يفتح افاقا جديدة أمام الحلول الرقمية في مجال الصحة النفسية\. خاصة في المراحل التي تتسم بحساسية عالية بعد العلاج داخل المستشفى. حيث يكون المريض في أمسّ الحاجة إلى متابعة ودعم متواصلين.
الوقاية من الانتحار .. علاج معرفي سلوكي بأسلوب رقمي مبتكر
التطبيق الذي تم تصميمه خصيصا للأشخاص المعرضين لخطر الانتحار. يقدم برنامجا علاجيا قصيرا ومكثفا يتكون من ١٢جلسة تعليمية. مدة كل منها ما بين ١٠ دقائق و١٥ دقيقة.
ويرتكز على مبادئ العلاج السلوكي المعرفي الموجه نحو الوقاية من الانتحار. وهو أسلوب علاجي يهدف إلى تعديل أنماط التفكير السلبية واستبدالها باستجابات أكثر توازنا وقدرة على مواجهة الضغوط.
كما أن طبيعة الجلسات القصيرة تجعلها سهلة الاستخدام حتى في حياة الأشخاص المزدحمة أو في لحظات ضعفهم العاطفي. مما يرفع من نسبة التزامهم بالبرنامج العلاجي كاملا.
العلاج النفسي الرقمي.. وقد خضع هذا الابتكار لاختبار علمي صارم من خلال تجربة سريرية شملت أكثر من ٣٠٠ مشارك تم اختيارهم من مستشفيات الطب النفسي في الولايات المتحدة. وجميعهم مروا بفترة خطورة مرتفعة على حياتهم بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٤.
حيث تم تقسيمهم إلى مجموعتين. إحداهما استخدمت التطبيق والأخرى لم تتلق سوى الرعاية التقليدية، وجاءت النتائج لتؤكد الفارق الواضح في مستويات التحسن والاستقرار النفسي بين المجموعتين.
العلاج النفسي الرقمي .. نتائج إيجابية غيّرت التوقعات
أظهرت النتائج أن المجموعة التي استخدمت التطبيق شهدت تراجعا واضحا ومستداما في الأفكار الانتحارية. كما كانت فرص تحقيقها لتحسن سريري أكبر مقارنة بالمجموعة الأخرى.
والأهم من ذلك أنه لم يتم تسجيل أي حالة وفاة بسبب الانتحار في صفوف مستخدمي التطبيق طوال فترة الدراسة.
بينما سجلت حالة واحدة في المجموعة التي لم تستفد من العلاج الرقمي، وهو مؤشر قوي على فاعلية التدخل الرقمي في هذه المرحلة الحرجة، كما أوضحت الدراسة أن المرحلة التالية للخروج من المستشفى تعد من أكثر الفترات خطورة. وأن التدخل السريع والمستمر يمكن أن يصنع الفارق بين الحياة والموت.
كما أشار الباحثون إلى أن هذا النوع من العلاج يوفر حلا لمشكلة نقص المتخصصين في الوقاية من الانتحار، إذ غالبا ما يجد المريض صعوبة في الحصول على جلسات علاجية متخصصة بعد مغادرته المستشفى، سواء بسبب قلة المراكز المؤهلة أو لاعتبارات مالية ولوجستية
وهنا يظهر دور التطبيق كجسر رقمي يصل المريض بالمساندة العلاجية أينما كان وفي أي وقت يحتاج إليها، مما يعزز فرص التعافي ويقلل من احتمالات الانتكاس.
العلاج النفسي الرقمي.. أمل جديد لبرامج الرعاية النفسية
يرى القائمون على الدراسة أن هذا الابتكار يمثل نقلة نوعية في أسلوب التعامل مع مخاطر الانتحار، إذ يدمج ما بين أسس العلاج النفسي المعتمد والقدرة الهائلة للتكنولوجيا في الوصول إلى الأفراد بسرعة وفاعلية، كما أنه يتيح للمريض أن يعيد مشاهدة الجلسات أو تطبيق التمارين في أوقات مختلفة.
مما يزيد من ترسيخ الفوائد العلاجية في حياته اليومية وبذلك يصبح الهاتف المحمول أداة دعم حقيقية في يد من هم بأمس الحاجة إليها، بدلا من أن يكون مجرد وسيلة تواصل أو ترفيه.
إن إدخال هذه الأساليب الرقمية في برامج الصحة النفسية الرسمية قد يسهم في تخفيف الضغط عن المراكز العلاجية والمستشفيات.
كما قد يفتح الباب أمام تطوير منصات أكثر تطورا قادرة على تقديم محتوى شخصي يتناسب مع احتياجات كل فرد، ويعمل على متابعة تقدمه وإرسال التنبيهات في حال ظهور مؤشرات خطر جديدة.
وهو ما يعني أن المستقبل قد يشهد منظومة رعاية نفسية رقمية متكاملة تقدم المساندة على مدار الساعة بلا انقطاع، مما يقلل من مأساة فقدان الأرواح نتيجة الانتحار ويمنح الأمل للملايين حول العالم.