
في ظل اشتداد التنافس بين كبرى شركات التقنية حول العالم. وفي هذا السياق تسعى “ميتا” بقيادة “مارك زوكربيرغ” إلى قلب معادلة الاستخدام التكنولوجي اليومي. عبر مشروع طموح يستبدل الهاتف المحمول بأجهزة ذكية ترتكز على نظارات الواقع الممتد. وبالتالي تسعى من خلالها إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والتقنية بصورة جذرية
يراهن “زوكربيرغ” على قدرة هذه النظارات على تلبية احتياجات المستخدمين لحظة بلحظة. إذ يرى أنها ستكون امتدادًا لحواس الإنسان،د. من خلال تفاعلها الدائم مع محيطه البصري والسمعي. وهو ما يعني أنها مؤهلة لأن تصبح وسيلة الاستخدام الأساسية بدلًا من الشاشات المألوفة.
تدرك “ميتا” أن المستقبل لا يكمن في مجرد تحسين الأجهزة. بل على العكس في إعادة تصميم تجربة الاستخدام بالكامل. فالنظارات الذكية التي تطورها لا تكتفي بعرض المعلومات. بل إضافة إلى ذلك تتفاعل مع المستخدم وتفهم رغباته، وتقترح حلولًا تساعده على اتخاذ القرار أو تنفيذ المهام اليومية دون الحاجة إلى النظر في شاشة.
استقطاب الكفاءات وتوسيع الهيمنة
استثمرت “ميتا” خلال الأشهر الماضية موارد ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث تعمدت استقطاب أبرز العقول من شركات منافسة. ونجحت في إقناع نخبة من العلماء والمبرمجين بالانضمام إلى صفوفها. مقابل عروض مالية مغرية. الأمر الذي يعكس حجم الرهان على مشروعها الجديد.
وبينما تصف بعض الشركات هذه الممارسات بأنها عدوانية. يرى مراقبون أنها خطوة محسوبة تهدف إلى تشكيل فريق نخبة قادر على المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي المتقدم.وهو ماقد يمنح “ميتا” أسبقية حاسمة في السباق نحو التحكم في أدوات الغد.
ويؤكد المستشارون في شؤون التقنية أن “ميتا” باتت تحتل موقعًا متقدمًا في تطوير النماذج المفتوحة للذكاء الاصطناعي. والتي أصبحت حجر الأساس لعدد كبير من المبادرات الفردية والمؤسساتية. وبذلك تكرّس حضورها كمحرّك رئيسي للتجديد في هذا المجال.
وما يميز هذا التوجه هو الدم السلس بين البرمجيات والأجهزة، إذ إن النظارات الذكية لن تكون مجرد وسيلة عرض. بل في الواقع ستدمج مساعدا ذكيا يفهم النوايا، ويتفاعل مع العوامل المحيطة.ويعدّ بذلك جهازا شخصيا يفوق في تطوره الهواتف التي يعتمد عليها العالم اليوم.
نظارات ميتا الذكية .. الهواتف على مفترق طرق والتحدي يشتد
في المقابل، تدرك شركة “أبل” أن أي تحوّل في مركزية الهاتف المحمول يهدد مكانتها العالمية. فالأجهزة المعتمدة على الشاشات لا تزال تشكل العمود الفقري لمعظم الاستخدامات الرقمية. غير أن التقدم المتسارع في الذكاء الاصطناعي يفرض عليها التكيّف السريع.
حذّر محللون اقتصاديون من أن بطء “أبل” في تحديث مساعدها الرقمي قد يؤثر على تنافسيتها، خصوصًا في ظل توجه المستهلكين نحو أجهزة تجمع بين التفاعل الفوري والخصوصية والدقة. وهو بالضبط ما تسعى “ميتا” إلى تقديمه عبر منتج يجمع بين الرؤية، الصوت، والذكاء الفوري.
وترى أوساط بحثية أن السباق الحالي لا يقتصر على الأجهزة. بل بالأحرى يمتد إلى الرؤية المستقبلية، إذ إن “ميتا” تسعى لتقديم جهاز لا يحتاج المستخدم فيه إلى لمسه أو النظر إليه طوال الوقت. بل على العكس يكتفي بالوجود معه، كأنه رفيق دائم يتفاعل معه بذكاء وانسيابية.
وفي ظل تزايد المخاوف من تراجع الطلب على الهواتف التقليدية، قد نجد أنفسنا أمام تحوّل جذري في طريقة التفاعل مع التقنية، الأمر الذي يجعل من نظارات الذكاء الاصطناعي مشروعًا ثوريًا، لا مجرد منتج جديد، ويعيد رسم خريطة المنافسة بين شركات التقنية الكبرى.
يرى محللون أن “ميتا” تمتلك مزايا عديدة تؤهلها لتكون الرائدة في هذا التغيير، أهمها قاعدة المستخدمين الضخمة، التي تتيح جمع بيانات واسعة لتحسين أداء النماذج الذكية، وكذلك الموارد المالية والبشرية التي تدعم قدرتها على التجريب السريع والتنفيذ الفعّال.
لكن هذا المسار ليس خاليًا من التحديات، إذ يتطلب بناء منظومة متكاملة توازن بين الخصوصية، الكفاءة، وسهولة الاستخدام، كما أن الرهان على النظارات يتطلب تغييرًا في ثقافة المستخدم، وهذا بالتأكيد أمر يستغرق وقتًا ويحتاج إلى ثقة واسعة في الجهة المطورة.
تأمل “ميتا” في أن تكون صاحبة الخطوة الأولى نحو حقبة ما بعد الهاتف المحمول، وفي نهاية المطاف هو رهان قد يقود إلى ثروة تقنية جديدة، أو إلى مواجهة عنيفة مع عمالقة الأجهزة التقليدية، في معركة عنوانها: من يتحكم في جهاز المستقبل؟
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله