
إحياء للذكرى، ومن تنشيط الإعلامي الأستاذ “بوقرة قدور”، رفقة مقرر الندوة الأستاذ “عاشور عاشور”، نظمت جمعية الأترجة الثقافية للتنشيط الهادف ندوة علمية تاريخية، بعنوان معارك الثورة التحريرية في غرداية معركة “الجرجير” نموذجا، نشطها البروفيسور “ملاخ عبد الجليل” رئيس المجلس العلمي للمتحف الولائي للمجاهد بولاية غرداية، أستاذ محاضر بجامعة غرداية، بحضور الأسرة الثورية.
وجمع من الدكاترة والمهتمين ومشايخ وأئمة، والطالب الجامعي “السبتي بوتيتل” من بلدية المنصورة، “ملاخ عبد الرزاق” نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي بمتليلي، الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين، رئيس قسم المجاهدين بمتليلي، الأستاذ “لحرش جمال” رئيس مصلحة النشاطات بمديرية المجاهدين، رئيس الجمعية الولائية الوفاء والاستمرارية لحماية مآثر الثورة بولاية غرداية، رفقة عشرات المجاهدين وأبناء وأحفاد الشهداء منهم الأستاذ دهان “محمد فوضيل” ابن البطل الشهيد “دهان إبراهيم” وبعض الجمعيات. وحضور طلبة مسجد العباس “بن عبد المطلب”، ومسجد “سيدي سليمان”، و”مسجد عبد الله بن سلام”، ومسجد “دي النورين” بكل من حي العرمة حاضور وحي دحاحو بمتليلي.
شهد القرن الـ 20، إبان الحرب التحريرية الجزائرية العديد من المعارك الحربية البرية الطاحنة، ومن أهم المعارك الملحمية، نختار بالمناسبة معركة أم المعارك بالجرجير (بانوجرجير) ليوم 20 جويلية 1961 بالمنصورة، تراب بلدية متليلي الشعانبة سابقا بولاية غرداية.
لولا تشبع الشعب بدينه الحنيف ومبادئه الإسلامية وتمسكه بعقيدته على درب نهج سلفه ويقظته ووعيه، لما نجحت ثورة التحرير الجزائرية، فرغم بعد المدن عن بعضها، وشساعة الصحراء المتباعدة الأطراف من الهقار إلى الطاسيلي، ومن توات إلى تيدكيلت ومن الواحات الحمراء إلى واحة الشبكة بصحراء ميزاب عامة ومنها إلى تراب بمتليلي الشعانية وضواحيها، التابعة إلى إدارتها الإقليمية، خاصة بعد إنشاء وزارة خاصة للصحراء وبلدياتها الرسمية.
ومن هذه المناطق والمدن، نجد المنصورة وقراها الطويل – لفنار وواد غزالات إلخ… التي نشط فيها جيش التحرير المنطلق من مراكز متليلي الشعانبة، والذي التحق بثورة التحرير المقدسة وسجل اسمه ضمن الموسوعة التاريخية في الجهاد والبطولات والمعارك، بفضل تضحيات وتحضيرات الرعيل الأول المتشبع بالوطنية، ومنهم على سبيل الذكر (الإخوة أقاسم الحاج حمادي، محمد بوراس، عمار، عبد العزيز، بلحاج عيسى، لعمى الحاج الشيخ السفانجي، بن ولهة الحاج مسعود، إبراهيم مولاي ابرهيم زعباطة، مصطفى الحاج مصطفى، الواذن الحاج عبد القادر وبوحادة بوحفص) .
هذين الأخيرين الذين كانا ضمن قائمة المنفيين من الصحراء من طرف الاستعمار الفرنسي، بموجب القرار رقم ك 204 الصادر من طرف الكولونيل “كليومنت” قائد منطقة شرق الصحراء بتاريخ 23 ديسمبر 1959، رفقة كل من السادة (خيثر أحمد، حمزة أحمد وبن سانية جلول).
وبشهدائها الأبرار منهم الرعيل الأول لثورة التحرير، على سبيل المثال لا الحصر “بن بيتور الحاج علال الشهيد”، الذي رمي من الطائرة ببشار و”رسوي محمد بن الشيخ” المدعو “النيمص” بوهران وآخرهم شهيد المقصلة “بلمخطار سليمان” بسجن سركاجي بالعاصمة، ومجاهديها منهم: (بوعامر الحاج محمد، قرمة بوجمعة، علي بوسماحة، الطيب بوحشبة، بوطبة الشيخ، بوزيد الحاج إبراهيم وبن خليفة الحاج عمر وغيرهم).
معارك في الذاكرة لا تنسى
معركة الجرجير المعروفة (بانجوجير)، التي وقعت ودارت رحى حربها الطاحنة في عز فصل الصيف والحرارة الحارقة بدرجات تفوق 45°، يوم من 20 جويلية 1961 بصحراء متليلي الشعانبة بتراب بلدية المنصورة حاليا ولاية غرداية، جوهرة الواحات جنوب الجزائر، والتي كان موقعها الولاية التاريخية: 06، بالمنطقة: 03، الناحية: 03، القسمة: 60، كانت معركة حامية الوطيس جال وصال فيها مجاهدينا الأشاوس، والتي تميزت بطابع الاشتباك المباشر مع العدو والتصدي له بكل حزم، بدون خوف ولا تردد ولا انسحاب، مواجهة أبهرت العدو وكلفته الكثير ولقنته درس لا ينساه للأبد .
استغرقت معركة “الجرجير” يوما كاملا بقيادة بطلها المجاهد المسؤول العسكري “بن دوي قويدر”، إبن المنيعة بلد 44 ولي صالح، رفقة مجموعة المجاهدين التي كانت معه بعدد 21 مجاهدا من مختلف المناطق متليلي الشعانبة، المنيعة، الأغواط وتيميمون بولاية أدرار وورقلة .
وفجرا على الساعة السادسة 6 صباحا، باغت العدو مجاهدينا بالقصف الجوي بسرب طائراته المتكون من 16 طائرة، جاء الهجوم مباغتا بعد اكتشاف أمر المجاهدين ومقر تمركزهم بالناحية، و غم تفطن القيادة بعد إبلاغها من طرف المجاهد “فرج الله الحاج العياشي” رحمه الله بالخبر، وبقرار الهجوم عليهم المتخذ من طرف الحاكم العسكري في اجتماعه بغرداية، بعد القبض على كل من “مرابط أحمد” و “بلكحل علي” المكلفين بنقل رسالة للمسؤولين وللقادة، والذين تمكنوا بفضل لله من حرق الرسالة وتجنب مجاهدينا وقادتهم ما لا يحمد عقباه في حالة وقوعها بين أيدي الجيش الفرنسي، إلا أن المرسلين لم يتمكنا من الوصول للجيش في الوقت المناسب وتبليغ الأمر للجيش ومسؤوليه، وقدر الله وما شاء فعل ورغم المعركة وخسائرها إلا أن النصر كان حليف مجاهدينا .
ورغم قلة المجموعة وإمكانياتها شبه المنعدمة، بحيث لم يكن بحوزة مجاهدينا يومها سوى أسلحة خفيفة وبسيطة واجهوا بها العدو أمام قذائفه وسياراته المدججة وسرب طائراته المحلقة وقنابلها، التي تحاملت على قوافل الإبل بلا هوادة ولا رحمة لشلها ومنعها من التحرك، حتى لا يتمكن المجاهدون من استغلالها والتنقل بها لوجهة أخرى وكان ذلك لأجل ترويعهم ونشر هاجس الخوف في نفوسهم، التي كانت وابلا بلا توقف على قلة أفراد جيشنا المنتشر بحكمة وبسالة في مواقعه، متصديا ورادا هجوم العدو، غير آبه بقوته وعدته وعتاده.
وأمام إحباط العدو وتلقيه للدرس الذي لقنه له مجاهدينا يومها، قرر التوقف والانسحاب أمام النتيجة الإيجابية التي حققها جيشنا وخسارة غير متوقعة، والتي كانت خسائر بشرية والتي نوجزها بما يلي:
أعطت المعركة نتائج مسجلة في أرض الميدان، تمثلت في خسائر بشرية في صفوف المجاهدين قدر عدد الشهداء بــ15 وهم: (القائد البطل قويدر بن دوي، بريك بوعمامة (المنيعة) خميلة علي (الأغواط)، دهان إبراهيم، بن نذير بلقاسم، بوزيد قدور بن عيسى، أولاد العيد قادة، لخنين بحوص، بن رمضان الدين، طرباقو مسعود، شيتورة لخضر، مهاية قويدر وخنين بحوص) الذي استشهد بمستشفى ورقلة بعد أسره متأثرا بجراحه (متليلي)، الحاج يحي بوبكر، بن لمبارك بوعمامة (تميمون ولاية أدرار)، بن هجيرة بوبكر (ورقلة).
وعدد الجرحى الأسرى 06، المتأثرين بإصاباتهم البليغة ونقلهم لمستشفى ورقلة ومنه للثكنة للبحث والاستنطاق كل من: (رزاق مبارك، عيسى عنيشل، مرينزة العربي، رسيوي الهاشمي، لحرش بحوص، مصطفـى محمد ودهان قادة ).
بينما تكبد جيش العدو في صفوفه 65 قتيلا و144 من الجرحى، وهي حصيلة جد ثقيلة التي لم يهضمها ولم يتقبلها العدو وبقيت وصمة عار على جبيه وفي سجله، بينما تمثلت الخسائر المادية في صفوف المجاهدين في أسلحة خفيفة وبسيطة لا قيمة لها أمام أسلحة وخسائر العدو، وفي صفوف العدو أحدث المجاهدون أعطابا في سيارتين عسكريتين وعدة أليات وأسلحة ثقيلة جد مكلفة.
وجاءت المعركة الحاسمة نتيجة الخطة الإستراتيجية التي وضعها قادة ثورة التحرير المظفرة بالمنطقة، لأجل فك الحصار المضروب على المنطقة عامة سواء بالشبكة وضواحيها وبمتليلي الشعانبة، خاصة لاسيما بعد حصار 20/24 نوفمبر 1960 المعروف بحصار أيام السلك أو الخمسة 05 أيام، وما خلفه من آثار على غرار تسييج المنطقة بالأسلاك الشائكة، وفرض منع التجول محاولة أحراق المدينة لولا ستر الله وسقوط المروحية المقلة للقادة العسكرين الجنرال ومن معه بواد الدرين، والقيام بحملات تفتيش واستنطاق واستجواب واعتقال خيرة الشباب في محتشدات المقامة منها: منطقة 20 نوفمبر حاليا تيمكرت البطحـاء وغابة حمودة الحاج عمر بالحديقة وكبار السن والنسوة بالمسجد العتيق.
كما تم تخصيص مركز بحي الملعب سابقا حاليا حي 08 ماي 1945، كمكان خاص للاستجواب والاستنطاق بشتى الطرق والتعذيب، ومنه إلى الإيداع بالغرف المخصصة للسجن، وبعدها ترحليهم إلى سجن غرداية والأغواط ثم إلى سجن البليدة والذين مكثوا بهم ستة 6 أشهر وأكثر.
وكان لهذا الحصار نتائج جد إيجابية لصالح شعبنا وجيشنا، إذ عززت من صفوف قواته وتمسك الشعب بالوحدة الوطنية والالتفاف حولها.
أما الهدف الأساسي الهام، هو السماح للناحية الثالثة بنقل تحركاتها العسكرية من المنطقة والتوجه بها إلى حدود العرق الغربي الكبير أقصى الجنوب، والسماح لمجاهدينا بالتحرك بكل أريحية بناحية متليلي والخروج مها للتمكن من تلقين العدو ضربات موجعة، وذلك بعد ضرب الثورة فـي معركة الحوار والانتقام بإغلاق منافذ متليلي بالأسلحة الثقيلة وحصارها بالأسلاك الشائكة واعتقال أغلب الشباب في معسكرات ومحتشدات البطحـاء والحديقة إلخ…
معركة خالدة فكت الحصار على المنطقة، ومكنت أبناء المنطقة من التحرك وتعدي حدود الشبكة إلى غاية العرق الغربي، وخير دليل المعارك التي خاضوها بعد معركة “الجرجير”، كما سميت بـأم المعارك لأنها شجعت الكثير على التحرك وخوص زمام الأمور والتوسع والتوغل في صحرائنا الشاسعة، على سبيل الذكر لا الحصر، معركة “حاسي قرقور” بالعرق الغربي يوم 7 سبتمبر ومعركة “مدغة مولاي”، والتي شارك فيها 14 مجاهدا ممن يتبعون تنظيم الولاية الخامسة واندلاع معركة أخرى بحاسي بن حيمودة يوم 11 أكتوبر 1961. إلخ…
عاشت الجزائر حرة أبية، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون أمين ولائي للدراسات والأبحاث التاريخية بأمانة ولاية غرداية، وعضو المجلس الوطني للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين سابقا.