تكنولوجيا

مكالمات الإنترنت تحت التتبع رغم التشفير وحماية البيانات

تشهد تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت انتشارًا واسعًا في السنوات الأخيرة. حيث يفضلها كثير من المستخدمين لكونها أقل تكلفة مقارنة بالمكالمات الهاتفية التقليدية، كما أنها توفر مرونة في التواصل بالصوت أو بالصورة. ويشمل ذلك تطبيقات مثل “واتساب “، “ماسنجر” و”فيس تايم”، وغيرها من الوسائل الرقمية المتوفرة على الهواتف الذكية.يظن كثيرون أن هذه التطبيقات توفر حماية أفضل لخصوصية المستخدمين بفضل خاصية التشفير بين الطرفين، لكن الواقع يكشف صورة أكثر تعقيدًا.


 

رغم أن هذه المكالمات تعد أكثر أمانًا من مكالمات الهواتف الخلوية، فإنها ليست محصّنة تمامًا من التتبع والمراقبة. الفارق الجوهري لا يكمن فقط في طريقة الاتصال. بل في موقع الخوادم التي تمر عبرها المكالمة. فعلى عكس المكالمات العادية التي تعتمد على أبراج الاتصال المحلية وخوادم شركات الاتصالات داخل الدولة.

تمر مكالمات الإنترنت عبر خوادم الشركة المزودة للخدمة. حتى لو كانت هذه الخوادم موجودة خارج البلد. وهذا يفتح المجال أمام أطراف متعددة لتتبع معلومات حساسة تتعلق بالمكالمة، دون الحاجة إلى الاطلاع على مضمونها.

 

 التشفير لا يمنع التتبع

يعتقد على نطاق واسع أن التشفير بين الطرفين يجعل من المستحيل مراقبة مكالمات الإنترنت. لكن هذا الاعتقاد لا يعكس الحقيقة كاملة. فالتشفير يمنع بالفعل الوصول إلى محتوى المكالمة.

فلا يمكن لأي جهة، بما فيها الشركة المزودة للخدمة، سماع ما يقال أو مشاهدة ما يرسل خلال الاتصال، ما لم تمتلك مفاتيح التشفير الموجودة فقط على أجهزة المتصلين. لكن هذا لا يمنع إمكانية تتبع تفاصيل المكالمة الخارجية.

الجهات الرقابية، سواء كانت حكومية أو خاصة، قادرة على معرفة توقيت المكالمة ومدتها، والعناوين الرقمية التي استُخدمت في الاتصال. وموقع كل من الطرفين وقت إجراء المكالمة.

ويمكن كذلك تحديد نوع الاتصال إن كان صوتيًا فقط أو مرئيًا، بناءً على حجم البيانات المنقولة خلال المكالمة. كما أن الأجهزة المستخدمة تكشف بدورها الكثير من المعلومات، مثل رقم الهاتف ورقم التعريف داخل الشبكة، ونوع البرنامج الذي يجرى الاتصال عبره، وحتى موقع التطبيق الجغرافي إن تم تفعيله.

الأمر الأخطر، أن هذه المعلومات تكفي لتحديد هوية الطرف الآخر في المكالمة، إذ يمكن عبر مقارنة البيانات الرقمية، وتوقيت إرسالها واستقبالها، معرفة من كان الطرف المتلقي في المحادثة، حتى دون معرفة اسمه أو محتوى الاتصال.

 

الفرق بين التتبع والمراقبة وتأثيره على الخصوصية

من المهم التفريق بين “مراقبة المكالمة” و”تتبع المكالمة”، فالأولى تعني القدرة على الاطلاع على ما يُقال داخل المكالمة أو ما يُرسل من صور ومقاطع، وهذا يتطلب كسر التشفير، وهو أمر بالغ الصعوبة. أما التتبع، فهو لا يتطلب كسر أي حماية، ويقتصر على جمع بيانات تتعلق بالمكالمة وظروفها، وليس محتواها.

ورغم أن هذه البيانات لا تكشف مضمون الحديث، فإنها تمثل تهديدًا حقيقيًا للخصوصية، خاصة إذا تم استخدامها لتكوين صورة كاملة عن سلوك المستخدمين، أماكن تواجدهم، وأوقات تواصلهم مع أطراف معينة. ويمكن أن تصبح هذه المعلومات أداة مراقبة فعالة، خصوصًا إذا جمعتها جهة تمتلك قدرات تحليلية متقدمة.

ولهذا السبب، تحذر جهات الأمن الرقمي من الإفراط في الثقة بالتطبيقات التي تقدم خدمات مكالمات الإنترنت. خصوصًا إذا لم تكن من مصادر موثوقة أو تفتقر إلى معايير الأمان العالية.

كما ينصح دائمًا بتعطيل الوصول غير الضروري للموقع الجغرافي والحد من مشاركة البيانات الشخصية مع التطبيقات. حتى وإن بدت آمنة على السطح.

في النهاية، ورغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها تقنيات الاتصال عبر الإنترنت، يبقى الحذر واجبًا. خاصة مع تصاعد قدرات التتبع وتحليل البيانات من قبل العديد من الجهات. والخصوصية الرقمية لم تعد محصنة بالتشفير وحده، بل تعتمد على وعي المستخدم وإدراكه لحجم البيانات التي يمكن استخراجها من مكالمة لا تتعدى بضع دقائق.

ياقوت زهرة القدس   بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى