
فتح المؤلف المسرحي “عبد القادر بلكروي”، قلبه لجريدة “البديـل”، بحيث سمح لنا بالتعرف أكثر على الركح وأسراره، وكيف يعيش الفنان المسرحي العرض ويرى الواقع المعاش في ظل مناحي الحياة، ويشارك في كل المجالات بما في ذلك المجال الفني والمسرحي.
فيما يلي نص الحوار:
من هو المؤلف المسرحي الذي تفضل أعماله (وطنيا، عربيا وحتى عالميا)؟
هناك العديد من المؤلفين المسرحيين الذين لهم تاريخ مميز في مجال التأليف، ومازالت مؤلفاتهم إلى اليوم تجسد على الركح، لأن المواضيع التي تعرّفوا عليها لازالت تعاش إلى اليوم، رغم تغير الزمن. وفي هذا الإطار، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب الكبير الذي صنع الحقيقة وتميز بالاستثناء حيث أهدى شعبه قراءة لوحاته بثمن رمزي، ويتعلق الأمر بالمؤلف “سعد الله ونوس”.
هل وقعت حادثة على خشبة المسرح وبقيت مشغولة بذهنك إلى اليوم؟ (كمتفرج أو كمسرحي أو كمؤلف)؟
عدة مواقف، لكن أبرزها الأول حدث سنة 1982 في مدينة الورود البليدة، حيث عزمنا للسنة الثانية على الكرسي في الدورة للأيام الثانية للمرحوم “محمد التوري”، بمسرحية “البحيرة” الشهيرة، في اليوم الذي اخترناه كان الموعود مساء مع مسرحية “مير وربي كبير” للمسرح الوطني الجزائري، لأننا في الغد بينما كنا نستريح من تعب السفر، حضر إلى النزل أنصار الأعضاء للمشاركة في تنسيقنا جميعا لعرض خاص للأطفال، في تلك السهرة عوض المسرح الوطني، وكان أن الممثل الرئيسي أصيب بوعكة صحية في الوقت الذي يجب أن يكون هناك، لاسيما وأن الوالي رفقة الوزير الكوبي للشبيبة كانا سيحضران.. وكان علينا إلا أن نجهز النجم لذلك ونتساءل كيف تكون النتيجة…
والأروع، كانت واحدة من السهرات التي عشناها في مسيرتنا، نحن نتقدم في زمن العرض وردة فعل الجمهور كانت مثلما كان في العرض المسرحي الموجه للأطفال… هاجمنا على الخشبة بالورود والقبلات والتهاني، وكانت فيكتوريا ستمثل فالتة الزمن كالفن المسرحي ولمسنا على أرض الواقع مقولة كنا نتغنى “مسرح الطفل الجاد هو الذي يجذب الجمهور الكبير”.
والموقف الثاني كان مشاركتنا في الملتقى العلمي الأول لعروض المسرح العربي بالقاهرة سنة 1994، بمسرحية الكاتب والمخرج “محمد بختي” بمسرحية “معروض للهوى”، بعد ما حصلنا على جائزة أفضل عرض للمهرجان الشهير بباتنة للمسرح في ذات السنة، حيث قدمنا عرض بمسرح العتبة، الأول للأمام لتوجيه المستخدمين، لقينا استحسانا واهتماما كبيرا من الفنيين، وكتب علينا أن نعود إلى أرض الوطن ليلة الأربعاء يوم سابق اختتام المتوسطة، إلى مطار وهران سفرية قادتنا إلى القاهرة.
عند وصولنا إلى وهران، كانت الساعة متأخرة ليلا، يجب أن أدخل بيتي بأرزيو بطاكسي، نزلت إلى وسط مدينة وهران في اليوم الموالي، وإذا بي أصادف أصدقائي الذين سرعان ما أتوا لأجدهم يعانقونني ويقبلونني، كانوا قد علموا عن طريق الوكالة الجزائرية للأنباء عن تقديمنا أحسن عرض لمحتوى خفيف ونص، كانت فعلا أجمل لحظة مرّت علي.
أما كمتفرج في قاعة مسرح الجهوي “عبد القادر علولة” بوهران، فقد كان في سنة 1996، بينما كانت لحظات ممتعة في مسرحية “نوبة في الأندلس” وصل خبر مغلوط أحدث هلعا كبيرا لكن الحمد لله على السلامة.
وفي مكان آخر سنة 1980، بمهرجان مسرح الهواة بمستغانم لم تبرمج العروض في قاعة “افريقيا” الشهيرة، والتي كانت مكتظة عن آخرها، حيث كانت فرقة هاوية على مقربة من الوصول إلى دورها، وقد طلب أحد المتفرجين من الممثل رفع صوته، توقف عن الأداء وجلس على الركح رافضا مواصلة العرض، تسبب ذلك في سخط الجمهور فطلبت الفرقة ان يقدم اعتذاره للجمهور بطريقة السجود في الخشبة… وفي النقاش الذي يشير إلى حذف “مومو” رحمه الله وعلق على القطب بمزاح وسخرية، تساءل: “عجبتونا، قرقرتونا، ضحكتونا.. الله ينعل…”، مواصلا بوابل من السب، لأن الجمهور هو سيد الركح مادام يحترم العرض.
من خلال مسيرتك، ما هو الفرق بين التيس، القدامى والحاليين (نصوص، كاتبين، ممثلين وجمهور)؟
كان الفنانون القدامى مثقفين واعين بنبل رسالتهم الفنية، عايشوا أدوات ما صعبة وساهموا في نشر حس وطني من خلال الأمر.. التي كانت تحمل رسائل مشفرة… لقد كانوا يشاهدون العروض ويدرسون اختراع الاختلاف في إقامات خاصة لبعض المؤطرين الجادين من أوروبا وفرنسيين متعاطفين.. درسوا وساعدوا الشباب للتمكن من خبايا وأسرار الفن التيسي. وتطلق الحرية لمدرسة تيقصراين لإعداد منشطين رياضيين وثقافيين في النهاية أكثر من رائعة، النظر إلى جودة التربص. فيما بعد ذلك معهد برج الكيفان.
في الماضي لم يكن هناك اتصال بالإنترنت إلى السينما (التحول إلى فيلم)، لماذا انقطع ذلك السبيل اليوم؟
في الأصل المسرح فن للتقاسم بين البشر، هذا هو الدور الأسمى الذي يوقع منه صامدا وموجودا وباقيا ومن غير شك سيبقى وفيا لعهده، في كل حقبة من الزمن يتربصونه بالزوال والتغيير عن هويته… مادام الإنسان يدرك، المسرح باق من أجل المسرح يصل إلى سير فاهية العقل والقلب والذات.
هل يمكن القول إن المسرحي يريد مستقبله بالمسرح، أم أنه مجرد فرصة مضاءة لتفريغ الطاقة أو فكرة مع الآخرين؟
من خلال مسيرتي، حققت أحلاما وأسعى إلى تحقيق المزيد من تمنياتها، وما يجب ذكره يبقى فن يسعد ممارسه من خلال تعاونه مع الآخرين، في زيادة متنوعة، في وجود علاقات موجودة فيها واحد.. كلما تحققت تتمنى المزيد لما تعود إلى الوقت الذي رسمته فنانا مسرحيا وتخرجك الأعمال والعروض والتعايش مع الناس والسفريات والمهرجانات والنقاشات، تعلم أنك كنت سعيدا وتثمن هذه السعادة بالمال بل براحة البال، والجمال.
هل يمكن أن تبتعد العلاقة الرقمية بتراجع تايلور ويمكن أن تبتعد ضمنه؟
لقد أفرزت العولمة اتجاهات محددة نحن نسير فيها اليوم، فقد أصبح لدينا أمر حقيقي، هناك من يغلق الباب بوجه العالم، ولا يبقى متحفظا وفيا للفكر والتاريخ والأنثروبولوجيا، تعلم النفس، ونشهد اليوم في الواقع التزاحم على المطاعم والإضاءة والطعام السريع، بينما توجد المطاعم بأطباقها ضعيفة لمن يرغب عن الجلوس وأكلهم بتأن وتذوق، فالزمن هو الذي سيفصل في هذه الحالة.
المبدع الفكري صاحبه الإنسان، الذي يعتبر المحرك، يحتاج مادته من المادة الرشيقة التي يخزنها بوافر القراءات والأبحاث وإحصاءات الحضارات، أمام التكنولوجيا التي تعرف السيمائيات تضع علمها لقراءة أحقية منتوج الفكري والاختلالات التي تكون ربما غير متقبلة.
هل لديك مشاريع في المستقبل؟
نعم هناك مشاريع في الأفق، أتمنى أن ترى النور إن شاء الله، بداية اختيار ملحمة استعراضية عنوانها “رحلة في تاريخ الجزائر”، عرض بالصوت والإمضاء، المقترح هو هيكل لمراحل الإدارة مكتوبة نثرا وشعرا. عرض يستدعي كل التأثيرات الفنية من غناء ورقص وكوريغرافيا وانفوغرافيا، مشاهد الاقتراض عبر الشاشة، وزمن القصة قوي تستعيد فيه الراية الوطنية بريقها بعد فترة عسيرة، كما لي نص مسرحي كتبته في 2021 عنوانه “كورونا”.. نص وامانشو عنوانه لا غار أوين؟ وأخيرا عرض ضمني للأطفال عنوانه “زينو البهلوان في فريق ارلوكان” ومونودرام “اولاد حرمة”، الذي عرف النور في 2009 وانطفأ مشرقا لظروف خاصة يبقى ذو الجودة.
هل من كلمة أخيرة؟
أشكركم على كرم تعاونكم لتسليط الضوء حول المسرح الذي بقي أبو الفن، وأكثر من أي وقت مضى، أبحث عن فرصة لطباعة الكتاب الذي يجمع كل أعمالي، ليتواجد في المكتبات حتى يتطلع إلى نتائجه القراء، على أن يدون في قطاع الثقافة، وهو رجائي الذي آمل أن يجد آذانا صاغية لأنه يكلل مجهودات سنين من العمل، خاصة تم إنتاج كتاب ليقسم الفنون والأدب في “أبو بكر بلقايد” بتلمسان، وهو كتاب يضم مجموعة من النصوص للأطفال، منذ ذلك الحين وهو يشتغل عليه عدد كبير من الطلاب في الماستر، الماجيستير والدكتوراة… ويبقى خاص بالمكتبة الجامعية… كما أتمنى للمسرح أن يطور ركحه، وأن يعرض أعمالا تتيح استعادة الجمهور وعروض برسائل هادفة.
حاورته: ميمي قلان