حوار

المغترب “عصام برحاب” في حوار ليومية “البديل”:

"الجالية الجزائرية بالخارج استثنائية، تحتاج فقط إلى تأطير"

حل فصل الصيف ومعه يتزايد عدد الوافدين المغتربين إلى الجزائر، من أجل قضاء عطلتهم الصيفية والعيش ولو لفترة قصيرة بين أهاليهم واسترجاع ذكريات ماضيهم بالجزائر، في حين يتعرف الجيل الجديد من الجالية على ثقافة وتقاليد شعبهم ويكتشفون جغرافية بلدهم الأصلي ومناخ العيش، في حين بدأ شباب آخر في الحضور إلى الجزائر ليس من أجل الاستمتاع بلحظات الفرح والراحة، وإنما من أجل استكشاف ظروف الاستثمار وما يمكن أن يجسدوه من مشاريعهم، إلى جانب الاطلاع على المشاريع السكنية التي تسمح لهم بالحصول على سكنات تجعلهم يستغنون عن الاستئجار بالفنادق لمدة طويلة والبقاء أكثر من اللازم عند عائلاتهم، وذلك بفضل التحفيزات التي وضعتها الدولة الجزائرية لخدمتهم منذ السنة الماضية.

وللتعرف أكثر على وضعية الجالية الجزائرية بالخارج وعلاقتها بالوطن الأم، تواصلت جريدة “البديـل” مع الجزائري “عصام برحاب” أستاذ بفرنسا وسياسي من أجل إثراء الموضوع، فكان هذا الحوار:

 

الصيف يقترب والجالية الجزائرية تحجز مقاعدها نحو الجزائر، هل ترى أن الإقبال سيكون أكثر هذه السنة؟

أهلا، الجالية الجزائرية معروفة بارتباطها الوثيق بوطنها الأم، وهي دائمة البحث عن المناسبة والفرصة للسفر نحو الجزائر، رغم ارتفاع أسعار التذاكر التي لا تقارن، بيد أن الاجراءات التسهيلية التي وضعتها الدولة الجزائرية لأبنائها السنة الفارطة، شجعت الكثير لاختيار الجزائر كوجهة سياحية لاسيما من الجيل الجديد لاكتشاف جغرافيتها والاحتكاك بشعبهم عن قرب.

 

هل ما تم تسخيره من اجراءات كاف للجالية الجزائرية؟

رغم أن الدولة الجزائرية وفرت الكثير من التسهيلات، إلا أن استئجار البواخر يبقى غير كاف، ورغم أن الأسعار المرتفعة للتذاكر وهو ما يعتبر مشكل بالنسبة للعائلات التي يتجاوز عدد أفرادها 3 أشخاص. بيد أن الاجراءات المتعلقة بانتهاء صلاحية جواز السفر والتأشيرة والاكتفاء ببطاقة التعريف الوطنية، جعل الكثير من الجزائريين يتغاضون عن أسعار التأشيرة ويحزمون أمتعتهم نحو الجزائر. إضافة إلى أنه لابد من إيجاد طريقة تخدم المسافر الجزائري والدولة فيما يخص كيفية التصرف بالسيارة بعد بقائها 3 أشهر بالجزائر، كما يجب توسيع وتفعيل عملية الحجز عن بعد.

وفي جانب آخر، تعتبر فرنسا وإسبانيا المعبران الأكثر اعتمادا من طرف الجالية الجزائرية في العالم للتوجه نحو الجزائر لعدم وجود خطوط مباشرة مع الكثير من الدول. وعليه لابد من تدعيم هذين المعبرين لتسهيل تنقل الجزائريين، وذلك بالتنسيق بين وزارة النقل وباقي الجهات المعنية.

 

في كل مشهد عام يعرض على الشاشات يظهر علم الجزائر أو هتافات جزائرية صرفة، ما سبب ذلك؟

نعم، الجزائريون يملكون جينات وطنية ليست كباقي الشعوب، لهم تعلق غير عادي بوطنهم الأم رغم ما هو متوفر لهم من ماديات بالدول المتطورة التي يعيشون بها، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالجزائر، فالجميع يصطف وراء العلم الجزائري، وتسقط كل الانتماءات والتوجهات.

حتى أن اعتياد باقي الجنسيات على الذهنية الجزائرية فيما يخص التغني بالجزائر، جعل أولئك الأجانب يحفظون الشعارات الجزائرية على غرار “وان، تو، ثري، فيفا لالجيري”، حتى في التواصل الاجتماعي تأكدت هذه الفكرة، وأصبحت الجزائر كسؤال قار في محتواهم الرقمي، على غرار سؤال يتكرر كثيرا في الشوارع بالدول الأجنبية خاصة بدول الاتحاد الأوروبي “من هو الشعب الذي يتفاخر كثيرا بدولته الأصلية”، ويأتي الرد بكل عفوية وبساطة “الجزائري”.

 

فيما يخص النشاط الجمعوي للجالية، هل هناك اهتمام في هذا المجال؟

رغم أن النشاط الجمعوي يعتبر من مفاتيح توثيق التواصل والترابط بين أفراد الجالية وحتى علاقتهم مع وطنهم الأم، إلا أن العمل الجمعوي بالنسبة للجالية الجزائرية في الخارج مازال يحتاج إلى تشجيع ودعم أكثر.

فلابد من إيجاد صيغة للتكفل بالجمعيات لتسهيل تجميع الجزائريين وتوعيتهم وتمكينهم من البقاء على صلة بما يجري بالجزائر وكيف يمكنهم تقديم إضافات إليها. ناهيك عن أن هذه الجمعيات تسمح بتقارب الجزائريين وتقريب وجهات نظرهم والتكافل فيما بينهم. وهنا يمكن الإشارة إلى الجيل الذي سبقنا في الهجرة وبقائهم متصلين ببعضهم ووفائهم للجزائر، حتى أنهم خلال الانتخابات مثلا مازالوا أوفياء لعهد الحزب الواحد، فيقولون: “سننتخب على الجزائر”. فالجزائر وفرت الظروف والعناصر الأساسية لنجاح أبنائها الذين هاجروا ليكملوا تكوينهم العلمي والمهني بالخارج، في وقت يجب التذكير بأن الهجرة مغروسة في بني آدم منذ وجد على هذه الأرض، وليست محصورة بالجزائريين فقط وإن اختلفت طرق الهجرة من شخص لآخر، فلولا التنقل وتبادل الخبرات والأفكار مع الأجانب ما كان التطور الذي وصل إليه العالم اليوم، وحتى الدول المتقدمة هناك إطارات وكفاءات تغادرها إلى أماكن أخرى من العالم بحثا عن ظروف تلائم رؤيتها وطموحها.

 

كيف يمكن تفعيل النشاط الجمعوي حسب رأيكم؟

وسط ما يجري من تغيرات وتطورات في العلاقات الدولية والتطور العلمي التكنولوجي والاقتصادي، فإن كل الدول تستغل جاليتها بالخارج، من أجل الاستفادة من خبراتها لاسيما تلك الموجودة بالدول المتطورة وتشغل مناصب هامة، لأجل استغلالها في تطوير اقتصادها وصحتها وتعليمها وحتى تسهيل الحياة اليومية لمجتمعها، وهو ما يجب على الجزائر أن تقوم بتفعيله، من خلال زيادة اهتمامها بجاليتها، وتشجيعها على التواجد ضمن فضاءات جمعوية ناشطة، تكون في تواصل مع ممثلياتها الديبلوماسية، لتسهيل سبل التواصل مع كل أفراد الجالية، وخلق فضاءات لالتقاء الجيل الجديد مع سابقه وتوطيد العلاقات، حتى يتعرف على بعضه وبتعمق في علاقته بوطنه الأصلي.

ويتم ذلك عبر تسهيل وتفعيل لقاءات دورية مع الممثليات الديبلوماسية الجزائرية بالخارج، من أجل تناول مختلف المواضيع التي تشغل الجزائريين واطلاعهم على كل ما هو جديد بالنسبة لهم كجالية من جانب الجزائر حتى يكونوا على علم بكل صغيرة وكبيرة كأنهم بالجزائر، ويتم إدماج الجالية الجديدة وتعزيز علاقتها بوطنها الأم. فعلى التمثيليات الديبلوماسية المساهمة في إنشاء جمعيات في مختلف المجالات لكسب كفاءات متكاملة وذلك بتحفيزها وتشجيع المواهب، كما أنه لابد من استغلال الكفاءات الجزائرية بالخارج لتقديم الإضافة للجزائر بطريقة أو أخرىأ إلى جانب الاعتماد على شخصيات تحسن التواصل ولها إلمام بالعمل الخدماتي والمؤسساتي من أجل توثيق العلاقة بين المغترب وطنه.

 

الجزائر سهلت ظروف الاستثمار للمغتربين، هل توجد استجابة برأيك؟

ما قامت به السلطات الجزائرية لصالح أبنائها فيما يخص تسهيلات الاستثمار بأراضيها يعتبر إضافة تستحق الثناء إلى جانب تدابير اقتصادية أخرى تعتبر مهمة للجالية، لكن عنصر التواصل يبقى ضعيفا.

فالجالية الجزائرية بالخارج منهمكة في حياتها اليومية ، لا يمكنها الإلمام بكل ما يجري بالجزائر في وقته وبسرعة ، وهو ما يستدعي إيجاد سبل خاصة لإيصال المعلومات إلى المهاجر المغترب، لاسيما وأن الجزائر تركز على اعتماد التكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية، وذلك عن طريق القيام بإرسال رسائل نصية عبر العناوين الإلكترونية للمغتربين وكذا عبر هواتفهم النقالة، من أجل تنبيههم إلى المعلومة، في الوقت الذي يتم فيه برمجة لقاءات موسعة عبر مختلف المقاطعات السكانية بالمهجر لهؤلاء الجزائريين، ينشطها من لهم علاقة بالمعلومة أو الاجراء المتخذ من طرف السلطات الجزائرية وله علاقة بهم، حتى يقتنعوا بما علموه ويرفع اللبس عن الغموض الذي يكتنفه، من أجل إقناعهم لاسيما ما يتعلق بالجانب الاستثماري. مع الإشارة إلى أنه فيما يخص المشاريع الاستثمارية يمكن للمغتربين إنشاء مؤسساتهم الاستثمارية المختلفة بالجزائر، خاصة وأنهم متواجدين بالخارج، ما يعني أنهم يعرفون ما ينقص الجزائر كمشاريع، وما هي المشاريع التي تقدم إضافة للشعب والدولة، كما أنها تعود عليهم بالفائدة، وحتى تفوق بعض الأدمغة الجزائرية في الخارج في بعض المجالات، يفتح المجال أمامها لدخول الجزائر وإنشاء مؤسساتها و تحقيق خدمة هنا والتوجه إلى التصدير من أجل.

 

الحديث عن الجالية الجزائرية بالخارج لا يلغي الحديث عن الهجرة غير القانونية…؟

طبعا أكيد، فقد أصبحت الهجرة غير الشرعية أو ما يعرف بـ”الحرقة” من صلب ركائز العلاقات الدولية، والأمر لا يتوقف على الجزائر وأوروبا فقط، فقد أصبحت ظاهرة طاغية على المشهد العالمي، يستنزف أموالا وجهودا من طرف الدول حتى يتم التحكم فيها، وسط انتشار فكرتها لدى كل المجتمعات لاسيما تلك المنتمية للدول الفقيرة ودول العالم الثالث، غير أنها تختلف في طرقة الوصول إلى الطرف الآخر من العالم، لأن الهجرة كما سبق وقلت هي وليدة مع قدوم سيدنا آدم إلى الوجود.

بالنسبة للجزائر، فقد تحولت من منطقة عبور للحراقة إلى مركز إقامة لهم في ظل إقبال الأشقاء الأفارقة، غير أن أبناءها الحراقة بالخارج، فهناك الكثير منهم قد اندمج في العالم الأوروبي وقد التحق بعضهم بمراكز التكوين للحصول على شهادات تسمح لهم بالحصول على مناصب شغل، ناهيك عن الزواج بأجنبيات، ورغم التضييق من طرف فرنسا عليهم في الآونة الأخيرة، إلا أن الشباب الجزائري أصبح يعرف كيف يسير وضعه حتى لا يصطدم بالترحيل، في ظل وجود جمعيات حقوقية وخيرية تساعدهم من أجل تسوية وضعيتهم القانونية. بيد أن السلطات الجزائرية تبقى ملزمة بالتواجد المستمر من أجل حماية جاليتها بالخارج والتدخل في حال حدوث تجاوزات في حقها، لأنها تبقى عنصرا أساسيا في تكوين المجتمع الجزائري وسفيره أمام باقي المجتمعات.

 

كلمة أخيرة؟

خلاصة القول يجب تأطير الجالية الجزائرية حتى تقدم الإضافة والأفضل للجزائر لاسيما وأنها تتمتع بوطنية زائدة مقارنة بباقي الجاليات وتفتخر دوما بوطنها الأصلي من أجل تعزيز ارتباطها ببلدها، حتى لا تستغل بطريقة أو أخرى من طرف جهات تحمل العداوى للجزائر.

 

من هو “عصام برحاب”؟

يعتبر “عصام برحاب” من الكفاءات السياسية والعلمية فهو خريج جامعة “محمد بوضياف” للعلوم والتكنولوجيا بوهران، التي قدمت ومازالت تخرج الكفاءات والإطارات للجزائر. فرغم وجوده بالمهجر، إلا أن رابطه ببلده الأم لم ينقطع، لاسيما وأنه استلهم حب الجزائر من والده المجاهد الراحل “توهامي برحاب” الأمين العام الأسبق لمنظمة المجاهدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى