تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يستهلك موارد طبيعية أكثر مما نعتقد

بدأ الحديث يتزايد حول آثار استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي  غير المرئية على البيئة، فقد أصبح من المعتاد أن يعتمد المستخدمون على المساعدات الرقمية للإجابة عن أسئلتهم أو تلخيص مستنداتهم أو إنشاء صورهم، دون التفكير في الكلفة البيئية التي تترتب على هذا الاعتماد المتزايد، إذ أن إنتاج فقرة واحدة من النص قد يتطلب استهلاك كمية من الطاقة توازي ما تحتاجه أجهزة حواسيب ضخمة تعمل في مراكز بيانات تستهلك طاقة كهربائية تفوق ما تستهلكه بعض المدن الصغيرة.

 

حوسبة كثيفة وماء كثير

تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال شبكات ضخمة من الحواسيب التي تتطلب قدرا هائلا من الطاقة للتشغيل والتبريد، وهذه الحواسيب تعمل باستمرار في مراكز بيانات كبيرة تقع في بلدان مختلفة حول العالم، وللحفاظ على برودة هذه الأجهزة ومنعها من الانهيار نتيجة الحرارة المتولدة، يتم استخدام كميات كبيرة من المياه العذبة في أنظمة التبريد، ما يعني أن إنتاج مائة كلمة من النص باستخدام أحد برامج الذكاء الاصطناعي قد يستهلك ما يعادل زجاجة كاملة من المياه الصالحة للشرب، وهو ما يثير تساؤلات عن عدالة توزيع الموارد بين الاستخدامات التكنولوجية والحاجات البشرية الأساسية في أماكن تعاني من نقص المياه.

هذه المراكز التي تُعد بمثابة القلب النابض للذكاء الاصطناعي أصبحت تستهلك من الكهرباء ما يكفي لإبقاء مدينة كاملة تعمل، الأمر الذي دفع بعض شركات الطاقة إلى تأجيل إغلاق محطات تعتمد على الفحم، أو حتى بناء محطات جديدة تعمل بالغاز لتلبية الطلب المتزايد، وهو ما يزيد من انبعاثات الغازات الضارة التي تساهم في تفاقم أزمة التغير المناخي، وفي هذا السياق تبدو التقنيات الحديثة سيفًا ذا حدين، إذ أنها تسهم في تحسين الكفاءة وتوفير الوقت لكنها في الوقت ذاته ترهق البيئة بثمن لا يُدفع نقدًا وإنما يُخصم من صحة الكوكب.

 

متى يكون الاستخدام مبررا؟

يرى عدد من الباحثين أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يكون خيارًا تلقائيًا في كل مهمة، بل ينبغي التفكير في مدى ضرورته من حيث الفائدة مقابل الضرر، على سبيل المثال، إذا كانت المهمة تتمثل في معرفة موقع متجر أو موعد إغلاقه، فإن استخدام محرك بحث بسيط أو الرجوع إلى مصدر مباشر هو خيار أكثر ترشيدًا للطاقة، أما إذا كانت الحاجة تتعلق بتحليل وثيقة طويلة أو تلخيص محتوى معقد أو ترجمة نص تقني، فإن الاعتماد على النماذج الذكية يكون أكثر مبررًا، بل قد يكون أقل ضررًا من محاولة إنجاز المهمة يدويًا على حاسوب محمول لفترة طويلة.

أظهرت دراسات حديثة أن إنتاج صفحة كاملة باستخدام أحد نماذج الذكاء الاصطناعي قد يولّد انبعاثات أقل من تلك التي تنشأ عن تشغيل حاسوب عادي لمدة ساعة لإنجاز نفس المهمة يدويًا، الأمر الذي يشير إلى أن الكفاءة لا تقاس فقط بالسرعة أو الدقة، بل أيضًا بكمية الطاقة المستهلكة والزمن المستخدم، ومع ذلك يظل التحدي الحقيقي في اتخاذ القرار الصحيح بشأن متى نلجأ إلى هذه التقنيات ومتى نفضل الوسائل التقليدية.

التقنيات الحديثة لا يمكن تجاهل فوائدها في مجالات متعددة، من التعليم إلى الرعاية الصحية إلى تطوير الأعمال، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة أخلاقية وبيئية لم يعد من الممكن تأجيلها، فالاستخدام الواسع وغير المنظم للذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراكم أضرار خفية قد لا يشعر بها الفرد بشكل مباشر لكنها تتفاقم على مستوى الكوكب، ومع وصول عدد المستخدمين إلى المليارات فإن التأثير البيئي يتضاعف ويصبح ملموسًا حتى وإن بدا غير مرئي في البداية.

التعامل مع هذه التقنيات يتطلب إعادة نظر في ثقافة الاستهلاك الرقمي، فليس كل سؤال يستحق أن يُطرح على برنامج ذكي، وليس كل مهمة تحتاج إلى أداة تعتمد على ملايين المعالجات الحسابية، ومن الضروري تطوير الوعي لدى المستخدمين العاديين والمؤسسات على حد سواء بأن الاستخدام الذكي ليس فقط في النتائج، بل أيضًا في الكيفية والتوقيت والغاية، لأن كل قرار رقمي نأخذه يترك أثرا ماديا على الأرض، سواء في شكل استهلاك كهربائي أو استنزاف لموارد المياه أو زيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى