
في سابقة علمية تُعدّ فتحًا جديدًا في عالم الرعاية الصحية، أعلن باحثون من جامعة أمريكية بالتعاون مع شركاء دوليين عن تطوير أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتشخيص اضطرابات في حركات العين باستخدام كاميرا الهاتف المحمول فقط، ويأتي هذا الابتكار في إطار الجهود الرامية إلى تيسير الخدمات الصحية، وتقليل تكاليف التشخيص، وتوسيع نطاق الرعاية الطبية ليشمل المناطق النائية والمحرومة من التجهيزات المعقدة.
من أجهزة باهظة إلى أدوات في متناول الجميع
يعاني المصابون باضطرابات في التوازن أو الأعصاب من صعوبة الوصول إلى تشخيص دقيق لحالة تُعرف بالرأرأة، وهي حركات غير إرادية متكررة وسريعة للعين ترتبط في العادة بمشكلات عصبية أو دهليزية، وقد كانت الأدوات التشخيصية التقليدية مثل تصوير الرأرأة بالفيديو أو التخطيط الإلكتروني تتطلب أجهزة ضخمة باهظة الثمن، تتجاوز تكلفتها أحيانًا مئة ألف دولار، إضافة إلى حاجتها إلى وجود الطبيب المختص في المكان نفسه، مما يعقد مهمة التشخيص في المناطق البعيدة أو لدى المرضى ذوي القدرات المحدودة.
الأداة الجديدة التي تم الكشف عنها، تعتمد على الهاتف الذكي فقط، حيث يستطيع المريض تسجيل فيديو لحركات عينيه، ثم رفعه إلى منصة سحابية تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الفورية، وتقديم تقرير دقيق للطبيب المختص، وبهذه الطريقة، يتم تجاوز الحواجز المادية والبشرية، مع توفير وسيلة مريحة وآمنة يمكن استخدامها داخل المنزل، دون الحاجة إلى التنقل أو الانتظار الطويل.
ذكاء بصري قادر على التشخيص اللحظي
تعتمد التقنية الحديثة على نظام تعلّم عميق يُتابع حركة أكثر من أربعمئة نقطة في الوجه لحظيًا، ويركز بشكل خاص على قياس سرعة الطور البطيء لحركة العين، وهو مؤشر بالغ الأهمية لتحديد شدة الاضطراب وتقييم اتجاهه ومدته، وتُعد هذه القدرة المتقدمة خطوة رائدة في مجال التشخيص الطبي، لأنها تسمح بتوفير تقارير فورية تتضمن رسومات بيانية وبيانات كمية، يمكن للأطباء تفسيرها بسرعة، واتخاذ القرار العلاجي المناسب دون إضاعة الوقت.
وتظهر أهمية الأداة الجديدة في قابليتها للتكامل مع المنصات الرقمية الخاصة بالعيادات، حيث يستطيع الطبيب مقارنة التقرير المستلم بالملف الصحي الإلكتروني للمريض، وبالتالي وضع خطة علاجية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار التاريخ المرضي وتطوره، كما أن هذه الطريقة تتيح إمكانية المتابعة المستمرة عبر مقاطع فيديو لاحقة، تُرفع في أي وقت، مما يُسهم في رصد تطورات الحالة بدقة، وتقليل الحاجة إلى الحضور المتكرر للعيادات أو المستشفيات، وهو ما يوفر الجهد والمال للمريض.
في دراسة أولية شملت عشرين متطوعًا، أظهرت نتائج استخدام الأداة الجديدة تطابقًا كبيرًا مع نتائج الأجهزة الطبية التقليدية، ما يُؤكد دقة النموذج وخلوه من الانحرافات الجوهرية، ووفقًا لما صرّح به رئيس فريق البحث، فإن الأداة قادرة على توفير بديل فعال، بل وربما أفضل في بعض الحالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمرونة والتشخيص من بُعد، وأضاف أن قدرة الأداة على تجاوز الحركات الطبيعية مثل رمش العين بفضل خوارزميات الترشيح الذكية، يُعد ميزة مهمة ترفع من موثوقيتها وجودتها.
الأداة الجديدة لا تكتفي بالتشخيص فقط، بل تعمل كحل متكامل يُسهم في تحسين سير العمل الطبي، وتخفيف الضغط عن المؤسسات الصحية، حيث يمكن استخدامها في العيادات المتنقلة، وغرف الطوارئ، وحتى في المنازل الخاصة، مما يجعلها مناسبة لحالات الطوارئ أو المتابعة المستمرة أو حتى الوقاية الأولية، ويؤكد أحد الباحثين المشاركين أن هذه التقنية ما تزال في بداياتها، لكنها تمتلك الإمكانية لتغيير وجه الطب العصبي والدهليزي خلال السنوات القليلة المقبلة.
يعمل الفريق العلمي حاليًا على توسيع التجارب السريرية، وتحسين خوارزميات التعرّف على أنماط الرأرأة، وتحقيق مستويات أعلى من الدقة، استعدادًا للحصول على اعتماد رسمي من الهيئات الصحية، بهدف تعميم استخدامها في المستشفيات والعيادات العامة والخاصة، ويرى المختصون أن نجاح هذا الابتكار سيُمهّد الطريق أمام أجهزة ذكية أخرى قادرة على استبدال العديد من الفحوصات التقليدية، وتحقيق نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية الذكية.
إعداد : ياقوت زهرة القدس بن عبد الله