روبرتاج

تمزيق الكراريس، ترندات خطيرة وفيديوهات كارثية

سرطانات تتفشى بالمؤسسات التربوية


  • قرارات وزارية تكبح جماح تلاميذ متهورين
  • تلاميذ يصرخون على المنهاج بطريقة هجينة
  • أساتذة وأخصائيون يضعون اللوم على التكنولوجيات والهواتف الذكية

من تمزيق الكراريس إلى قصات شعر غريبة، إلى ملابس غير محتشمة إلى ترندات خطيرة، إلى فيديوهات أخطر، ظواهر دخيلة على مؤسساتنا التربوية في سلوك مستهجن اجتماعيا وتربويا، شوهت صورة القطاع الذي له ثقله في مؤسسات الدولة، فجاءت قرارات وزارية لتكون نقطة بداية نحو إصلاحات تربوية توعوية لكبح تصرفات ليست من أخلاق مجتمعنا، وتوصيات لردع تلاميذ متهورون قادتهم مواقع اجتماعية نحو مستقبل مجهول، غابت عنه سلطة الأسرة وحزم المعلم وردع المدير.


أصدرت وزارة التربية الوطنية في تعليمة موجهة لكافة مديري المؤسسات التربوية من ظواهر دخيلة على المؤسسات التربوية، لها علاقة بالإنترنت وما يجول داخل الفضاء الرقمي، وكشفت الوزارة عن تسجيل تجاوزات من قبل التلاميذ، وأمرت بضرورة إطلاق حملات تحسيسية تستهدف التلاميذ والأولياء لتحذيرهم من انتشار مثل هذه الظواهر الهجينة، وشملت تحذيرات الوزارة الوصية في التعليمة التي وصفتها بالاستعجالية، عدة ممارسات منها تمزيق الكراريس في آخر السنة الدراسية والترندات الأخيرة، منها “ترند البريسيتامول”، حيث قامت وزارة التربية بإطلاق حملة توعوية وتحسيسية بالتنسيق مع قطاع الصحة.

إلى جانب الفيديوهات للتلاميذ داخل الأقسام التربوية، وحتى من طرف بعض الأساتذة الذين يصورون فيديوهات داخل المؤسسات والأقسام ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون إذن التلاميذ وأوليائهم، حيث نشرت الوزارة الوصية تعليمات بمنع مثل هذه التصرفات داخل الحرم التربوي، ناهيك عن تعاطي السجائر الإلكترونية والتدخين، والممارسات غير اللائقة بالسلوك والهندام الى جانب الانتشار الكبير لاستهلاك المشروبات الطاقوية وسط التلاميذ، كلها مخالفات صريحة بالقانون المعمول به داخل المؤسسات التربوية.

 

وزارة التربية تُطلق حملة وطنية لجمع الكراريس والتوعية بالقيم المدرسية

استجابة للانتشار الواسع لمظاهر تمزيق الكراريس ورميها أمام المؤسسات التعليمية فور انتهاء الامتحانات، أمر وزير التربية الوطنية، السيد “محمد صغير سعداوي”، مدراء المؤسسات التربوية عبر الوطن بتخصيص قاعات لجمع الكراريس المسترجعة من التلاميذ، لتسليمها لاحقا إلى المؤسسة الوطنية للاسترجاع وإعادة التدوير، تنفيذًا للاتفاق المبرم بين قطاعي التربية والبيئة.

وخلال ندوة وطنية انعقدت عن بعد، شدد الوزير على “ضرورة التصدي لهذه السلوكيات الغريبة عن المنظومة التربوية، وتفعيل آليات التوعية عبر ورشات ونشاطات موجهة، تُرسخ في ذهن التلميذ احترامه للفضاء التربوي ومقتنياته الدراسية، بدلا من الانجراف وراء سلوكيات فوضوية تسيء إلى صورة المدرسة الجزائرية”.

 

تجاوب ميداني واسع ومبادرات تربوية محلية

فور صدور هذه التوجيهات، سارعت مديريات التربية إلى إرسال مراسلات للمؤسسات التعليمية تحثها على إطلاق حملات توعية، ليس فقط حول تمزيق الكراريس، بل أيضا حول الظواهر السلوكية الأخرى التي بدأت تفرض نفسها، كقَصّات الشعر الغريبة، اللباس غير المحتشم، والتحديات الرقمية الخطيرة المنتشرة عبر مواقع التواصل.

في تصريح خص به جريدة “البديل”، أكد المكلف بالإعلام لدى مديرية التربية لولاية وهران، “مختار دحماش” أن “ظاهرة تمزيق الكراريس هي سلوك دخيل على مجتمع المدرسة الجزائرية، لا يمكننا تجاهله أو تبريره مشيرًا إلى أن “الإدارة تتابع هذه المظاهر وتتحرك ميدانيًا لمحاصرتها، عبر حملات تحسيسية تنخرط فيها كل الأطراف: الأسرة، الإدارة، الأستاذ وحتى المجتمع المدني”.

وأضاف “دحماش”: “أنه قد بادرت بعض المدارس بالتعاون مع جمعيات أولياء التلاميذ والهلال الأحمر الجزائري، إلى تنظيم أنشطة توعوية بيئية وثقافية، من بينها مسابقة “أجمل كراس محافظ عليه”، وتوزيع مطويات تثقيفية، فضلا عن إقامة معارض للكراريس المسترجعة لعرضها كمصدر للفخر لا للإتلاف”.

 

اتحاد جمعية أولياء التلاميذ لولاية وهران يستنكر تصرفات التلاميذ

أكدت “بلوهراني أمينة” المنسقة الولائية وعضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ لولاية وهران، أن ظاهرة تمزيق الكراريس هي ظاهرة دخيلة على المدرسة الجزائرية وتسيء للمنظومة ككل ظهرت خلال السنوات الأخيرة. وبعد القرارات الصادرة عن وزير التربية، قامت التنسيقية بالشراكة مع الهلال الأحمر الجزائري مكتب وهران، وبرعاية السيد والي الولاية من 11 ماي إلى 31 ماي بحملة تحسيسية عن طريق المؤسسات التربوية لجمع الكراريس والكتب في آخر السنة بمساعدة مديرو المؤسسات، الذين يطلبون من التلاميذ وضعهم لدى الإدارة قبل خروجهم إلى العطلة، حتى تسهل عملية الجمع من أجل الرسكلة وضمان مصدر تمويل داخلي.

كما أكدت ذات المتحدثة أن هذه الأموال تصب في مساعدة المؤسسات التربوية في الدخول المدرسي المقبل، وتعتبر هذه المبادرة إستراتيجية فعالة تساهم في الحد من هذه الظاهرة وضمان مصدر تمويل، كما أشارت السيدة “بلوهراني” أن هناك حركة في الولاية من طرف فروعنا لإنجاح هذه العملية، معتمدين في ذلك على عنصر التحسيس وتحمل المسؤولية من طرف الأولياء.

ولقد نوهت إلى أن الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ يرفض رفضا قاطعا مثل هذه التصرفات، وتطلب من السادة الأولياء الانخراط في هذه الحملة بحثّ أبنائهم لوضع الكتب والكراريس لدى إدارة المؤسسة، تجنبا لتمزيقها ورميها أمام المؤسسات.

 

التحليل النفسي: من ضغط الامتحانات إلى العدوى الجماعية

وفي الجانب النفسي، ترى الأخصائية “برقاش إيمان” صاحبة عيادة “اليقين للصحة النفسية”، أن تمزيق الكراريس ليس مجرّد سلوك عشوائي، بل هو “تفريغ انفعالي ناتج عن تراكم ضغط نفسي طيلة الموسم الدراسي، خاصة مع نهاية الامتحانات، حيث يجد التلميذ نفسه فجأة في حالة من الفراغ والانفلات”. وتضيف: “غالبًا ما يكون هذا السلوك غير واعٍ، لكنه يتحول إلى فعل جماعي مدفوع بحاجة التلميذ إلى الانتماء للمجموعة وتقليد أقرانه”.

وتشير “برقاش” إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا خطيرًا في تضخيم الظاهرة، إذ تنتشر المقاطع المصورة لتمزيق الكراريس وتحظى بآلاف المشاهدات، مما يمنح السلوك شرعية مزيفة ويجعله مرغوبًا فيه داخل أوساط المراهقين.

وتحذر من “تطبيع مثل هذه التصرفات وتبريرها كتنفيس مشروع”، مؤكدة أن “المشكلة الحقيقية تكمن في غياب ثقافة احترام الإنجاز الشخصي”، فالكراس، بحسبها، يمثل رحلة معرفية تستحق أن تُحفظ لا أن تُهدر.

أما الأخصائية النفسية مالكة “عيادة الأمل”، “زوبيدة فواتيح”، فقد ركزت في حديثها لـ “البديل” على الجانب البنيوي للمشكلة، معتبرة أن “غياب الأخصائي النفسي داخل المؤسسات التربوية يحرم التلاميذ من مرافقة ضرورية في بناء وعيهم الذاتي”، مضيفة: “عندما لا يجد المراهق مساحة لتفريغ الضغوط والتعبير عن نفسه بشكل صحي، فإنه يتجه نحو سلوكيات فوضوية تنتهي في أغلب الأحيان بإيذاء الذات أو الجماعة”.

وتعتقد “فواتيح” أن “الاطفال غالبا ما يقلدون كل ما يرونه من طريقة كلام وضحك ولباس وحتى الكذب؛ ومن البديهي القول أن الطفل هنا يقلد ما يرى دون وعي أو إدراك لمضمون هذه السلوكيات، مما يعني انه سيقلد الجيد والسيء من سلوك الاهل او التلاميذ في المدرسة ”

واقترحت “فواتيح” تنظيم دورات تدريبية للأخصائيين النفسيين قبل التحاقهم بالعمل، يتم فيها تعريفهم بخصائص المجتمع المدرسي، وتدريبهم على كيفية التعامل مع مشكلات التلميذ والاهتمام بالمناهج الدراسية، والتأكيد على سلوك حل المشكلة وعمليات التفكير الناقد ومهارات التفكير العليا وإكسابها للتلميذ.

 

الأساتذة بين المطرقة والسندان

أكدت الأستاذة “شداد” من المدرسة الابتدائية “فلاح محمد” من مقاطعة الزوية بلدية حاسي بونيف، أن الأستاذ في حيرة من أمره بين أن يكون مربي أو يكون ملقن للمنهاج التربوي الذي أثقل كاهل الأستاذ والتلميذ، حيث لم يعد للمعلم الوقت الكافي لطول المنهاج الدراسي واكتظاظه، فأصبح في صراع مع الوقت لإنهاء البرنامج على حساب التربية والتوجيه وتوعية التلميذ بأهمية المادة، كما أن المعلم دون التعميم تغير بين الماضي والحاضر، حيث كان سلفا الأب والموجه والمسيطر الذي يحمل هم البلاد، أما الآن فجل همه إنهاء واجباته لا غير، متناسيا التوعية بالعلم المكتوب والحرف العلمي، وهو الحرف الذي نزل به القرآن، حيث إن العلم يرفع ولا يرمى في الشوارع.

 

غياب الأسرة أزم القضية

رأت الأستاذة “شحمي” من مدرسة “فلاح محمد” أن الأسرة لا تلعب دورها الكامل في التوجيه الأخلاقي والديني للطفل الذي غلب عليه صغر عقله، حيث تناست تماما مالها وما عليها.

هذا ما أكدته الأستاذة “شداد” التي أكدت أن الأولياء لا يتابعون سلوكات أبنائهم خارج المؤسسات التربوية، وأن اتصالهم بالمؤسسة مقتصر على النقاط والمعدلات آخر كل فصل، وأهملوا تماما الجانب الأخلاقي الذي سيطرت عليه وسائل التواصل الاجتماعي على غرار التيك توك والفايسبوك، كما نوهت الأستاذة شحمي أن الطفل أصبح في الحاضر واعي عن الطفل في الماضي بسبب التحول الرقمي الحاصل، فأصبح يقارن المنهاج الداخلي بمنهاج الدول الأخرى لتولد لديه طاقة انفجارية، كونه يرى بأن أي تصرف سيبدى منه هو تحرر من القيود الدراسية التي أثقلته، والتي على الأسرة أن تتكافل مع المؤسسة التعليمية لإنقاذ جيل بأكمله.

 

توصيات ختامية من مختصين نفسيين: من الكراس إلى القيمة

خلصت الحملة الوطنية، حسب متابعة جريدة “البديل”، إلى عدد من التوصيات الجوهرية التي يمكن أن تشكّل خارطة طريق للحدّ من الظاهرة، حسب أخصائيين نفسانيين وأساتذة تربويين في العديد النقاط:

– توفير أخصائي نفسي دائم في كل مؤسسة تربوية.

– تنظيم ورشات توعوية تستمر طيلة السنة الدراسية، لا تقتصر على نهايتها فقط.

– تفعيل دور المجتمع المدني في مرافقة التلاميذ، خاصة في مرحلة المراهقة

– إدراج أندية بيئية وثقافية في المناهج الموازية، تُعيد للكراس قيمته الرمزية والمعرفية

– ربط السلوك التربوي بالمواطنة البيئية، من خلال مبادرات إعادة التدوير والاحتفاء بالكراسات المحتفظ بها.

– نشر الوازع الديني لدى التلاميذ.


 إعداد: ج.ايمان / ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى