تكنولوجيا

لنجعل الشركات أكثر ثراءً؟

كيف يخدعنا الذكاء الاصطناعي

في كل مرة نفتح هواتفنا، نتصفح الإنترنت، أو نشاهد مقطع فيديو، هناك خوارزميات ذكاء اصطناعي تراقب سلوكنا، تحلل اهتماماتنا، وتدفعنا لاتخاذ قرارات قد لا تكون في صالحنا، بل في صالح الشركات التي تستخدم هذه التكنولوجيا لتعظيم أرباحها.

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لتحليل البيانات، بل تحول إلى وسيلة للتأثير على عقولنا وسلوكنا بطرق خفية، مما خلق ما يُعرف اليوم بـ “الاقتصاد النفسي”، حيث يتم استغلال نقاط ضعفنا النفسية دون أن نشعر.

من أكثر الأساليب انتشارًا ما يُعرف بـ التلاعب بالمكافآت الدوبامينية، وهو مفهوم بسيط لكنه فعال للغاية. عندما نقوم بتمرير الشاشة على تطبيقات مثل إنستغرام أو تيك توك، فإن الذكاء الاصطناعي يختار لنا المحتوى الأكثر جذبًا بناءً على تفاعلاتنا السابقة، مما يجعلنا نشعر بمتعة لحظية تدفعنا للبقاء لساعات طويلة دون أن ندرك ذلك. هذا ليس عشوائيًا، بل هو تصميم مدروس لجعلنا نقضي أكبر وقت ممكن على المنصة، مما يعني المزيد من الإعلانات، وبالتالي المزيد من الأرباح للشركات.

الأمر لا يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، بل يمتد إلى التسعير الديناميكي، وهو أسلوب يُستخدم في مواقع التسوق الإلكتروني وشركات الطيران والفنادق. على سبيل المثال، إذا بحثت أكثر من مرة عن رحلة إلى باريس، قد تلاحظ أن الأسعار ترتفع في كل مرة تعيد البحث. هذا ليس مجرد صدفة، بل نتيجة تحليل الذكاء الاصطناعي لسلوكك، وتقديره لاحتمالية شرائك للتذكرة، ومن ثم رفع السعر تدريجيًا لدفعك لاتخاذ القرار بسرعة.

حتى ذاكرتنا ليست في مأمن من هذا التأثير. بعض الإعلانات الرقمية لا تستهدف فقط وعينا، بل تستغل “تأثير الاسترجاع المتكرر”، حيث يتم عرض نفس الرسالة الإعلانية على فترات متفرقة، مما يجعلنا نعتقد أننا بحاجة فعلية إلى المنتج، رغم أننا لم نفكر به من قبل. بمرور الوقت، يبدأ العقل في تبني هذه الفكرة على أنها رغبة شخصية، بينما في الواقع، تم زرعها بواسطة الخوارزميات الذكية.

الأخطر من ذلك أن بعض الشركات بدأت تستخدم تقنيات التحليل العاطفي، حيث يتم تتبع تعابير الوجه أو طريقة تفاعل المستخدم مع المحتوى لتقديم عروض مصممة خصيصًا للحالة العاطفية التي يمر بها في تلك اللحظة. مثلًا، إذا كنت تتصفح موقعًا إلكترونيًا وأظهرت علامات تردد أو قلق، قد يظهر لك عرض خاص بخصم محدود المدة لإقناعك بالشراء قبل أن تغير رأيك.

هذه الأساليب تجعلنا نتساءل: هل نحن من نتخذ قراراتنا بحرية، أم أن الذكاء الاصطناعي يوجهنا بطرق غير مرئية؟ في ظل هذا الواقع، يصبح الوعي بهذه التقنيات هو السلاح الوحيد لحماية أنفسنا. تقليل وقت التعرض للمحتوى الذكي، استخدام أدوات منع التتبع، واتخاذ قرارات مدروسة عند التسوق، قد تكون خطوات بسيطة لكنها فعالة في استعادة السيطرة على عقولنا. في النهاية، الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون نعمة أو نقمة، والفرق بين الحالتين يعتمد على مدى إدراكنا لكيفية عمله وتأثيره على حياتنا اليومية.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى