الجهوي‎

تلمسان تُذكّر الأجيال بشهـدائها

في اليوم الوطني للشهيد

اليوم الوطني للشهيد هو يوم تحتفل به الأسرة الثورية والشعب الجزائري تخليدا للشهيد الذي ضحّ بالنفس والنفيس في سبيل هذا الوطن الغالي، وقد حظي الشهيد بالتكريم والتبجيل لما خصه به الله من مكانة حميدة،  وعرفان له، لما قدمت يداه من تضحيات جسام فهو الذي لبى وضحى بالروح والجسد دفاعا عن الوطن والحرية والشرف صادقا عهده ولم يبدل تبديلا.

حيث تهدف هذه المناسبة التي تحتفل الجزائر بها بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء تكريما لمــــــا قدّمه الشهداء حتى لا ننسى مغزى الذكرى واستشهاد مليون ونصف المليون من الشهـــــــــداء لتحرير الجزائر، وكذا إرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف من أجل استخلاص العـبر والإقـتداء بخطهم الشريف.

ففي تاريخ تلمسان الحديث هناك حوادث جرت ومعارك خلّد أصحابها عـبر من الزمن في سجل الشهداء ولكن بعضهم مازال في طي النسيان ويكاد سكان بعض المناطق لايعرفون بطولاتهم لأن أسمائهم لم تبصر النور بعـد شهدائهم ماتوا في ريعان شبابهم وعمر الزهور، إلا أنهم فضّلوا الموت والكفاح في سبيل الله على أن يعيشوا تحت السلطة الغاشمة للاستعمار الغاصب أنهم شهداء أبرار سقطوا في ساحة الفدى وخلدت أسمائهم بحروف من ذهب في سجلات التاريخ من أمثال العقيد لطفي، والشهيد مطعيش عبد القادر، وبوعزة الميلود، وعاصيمي إسماعيل، إلى طالب عبد الحميد، والشهيد بن صابر الملقب بالخياري، بوفلجة أرحمان، أحمد برغام، عبد القادر بلمختار، محمد الصغير بوجنان….وغـيرهم، والأسماء عـديدة وكثيرة وما هذه إلا باقة من بستان لرجال كانت خصالهم الشجاعة والصبر عند الشدائد، التواضع والتسامح والتفاؤل بالنصر اتجاه القضية الوطنية العادلة…حسن الخطاب الحماسي والتمكن من اللغة العربية التي تلقنوها في الكتاتيب ومدرسة الكشافة، حيث تحدو قساوة الاستعمار الفرنسي الغاشم رغم دباباته وطائراته تفضيل الشهادة والنصر على العيش في كنف الاستعمار الاستدمار.

 الشهيد “عاصيمي إسماعيل” الذي يجهل قبره

هو الضابط “عاصيمي إسماعـيل” المعروف في صفـوف جيش التحرير باسم “الميلود” الذي نشأ وترعرع على حب هذا الوطن…من مواليد 1930 بمسيردة التحاتة (باب العسة) ولاية تلمسان حفظ القرآن الكريم عن ظهر القلب بمسقط رأسه، وتعـلّم أصول اللغة العربية بالزوايا التي كانت منتشرة بالجهة أنذاك، وعند بلوغه سن الرشد 20 سنة رحل إلى المغرب، حيث التحق بجامعة القرويين بفاس، أين أضحى فقيها ومتعلما ضليعا في الأدب واللغة، لكنه سرعان ما ترك مقاعد الدراسة، لينظم مباشرة برفاقه في صفوف جيش التحرير سنة 1956 في وقت كان فيه فتيل الثورة قد اشتعل في كامل التراب الوطني، فعاش الشهيد عاصيمي مسارا جهاديا متميزا، حيث كان أحد ضباط الأوائل الموجودين أنذاك بالناحية التاريخية الخامسة وبالخصوص منطقة فلاوسن، حيث شارك من خلالها سنة 1958 في معركة أين أصيب بجروح وكان رفقة أخيه الشقيق عاصيمي فتح الله الذي أستشهد في هذه المعركة، لنقل بعدها للمغرب بمستشفى موريس روستو بوجدة لتلقي العلاج والرعاية الطبية قرابة 15 يوما وبعدها عاد إلى منطقة فلاوسن أين استقر بها مشاركا في عدة معارك ضد الاستعمار الفرنسي مجندا بذلك كل قواه بين مناطق تلمسان، حيث شهد له من خلالها بشجاعته المطلقة والجرأة في اتخاذ القرارات والتدابير الأساسية التي تهدف إلى صيانة مبادئ الثورة الجزائرية واستمراريتها عهدا ووفاء لدماء الشهداء.

وفي سنة 1960 قاد معركة الحوض الكبير بتلمسان التي تواصلت اشتباكاتها لمدة ثلاثة أيام على التوالي من يوم 23 أوت إلى غاية 26 أوت 1960 خرج منها الاستعمار مهزوما بعدد من القتلى والجرحى، أستشهد فيها 14 شهيد منهم الضابط “عاصيمي إسماعيل” الذي قامت أنذاك فرنسا بإجراء مراسيم دفنه بتلمسان في مكان مجهول لم يعرف قـبره لحدّ الآن، والملازم الأول “محجوب” ولد القائد وعـبود فطيمة وابنتها التي كان عمرها لايتجاوز الستين وبوعزاوي خيرة التي هي الآن في ذمة الله، وزوجة عبد القادر خضراوي صاحب ومسؤول البيت (المركز) الذي كان موقعه وسط عمارات الجيش الفرنسي وبين أحضان جنرالات فرنسا أين حدثت تلك المعركة، ونجت منهم المجاهدة الوحيدة المعروفة وهي “بابا أحمد شميشة” التي ألقي عليها القبض وهي مصابة بجروح بليغة أصيبت بها، وأدخلت السجن وحكم عليها بطول العمر المؤبّد، ولكن لم ينفذ بسبب المفاوضات التي كانت قائمة أنذاك لوقف إطلاق النار بين جيش التحرير الوطني والاستعمار الفرنسي.

الشهيد “سايح ميسوم” الملقب بالحنصالي

ولد الرائد الشهيد سايح ميسوم الملقب بالحنصالي يوم 05 أفريل 1927 بقرية الصفرة بناحية السواحلية دائرة الغزوات ولاية تلمسان، إذ ينتسب الشهيد إلى أسرة بسيطة تمتهن الفلاحة، وقد تعلم الشهيد القرآن الكريم والكتابة بجامع قريته، وعندما بلغ الحنصالي 21 سنة رحل إلى فرنسا وكان ذلك عام 1943، حيث كان هدفه في ذلك هو الحصول على تكوين مهني في ميادين عدة، كما تعلم اللغة الفرنسية وحصل على شهادة الأهلية، ليعود بعدها إلى أرض الوطن مشغلا بمتجر للمواد الغذائية وما كان ذلك إلا ستار لإخفاء هدفه.

ونظرا لما يمتاز به الشهيد سايح ميسوم من الحس الوطني الفياض وجهت إليه مسؤولية تهيأت الوسائل المادية والمعنوية، حيث كان بيته محطة إستقبال للأسلحة وأعظم قادة الثورة ومن بينهم العربي بن مهيدي الذي أسعف في بيته لمدة شهر ونصف حسب إعتراف أسرة الشهيد، أما عن نقل الأسلحة فأبرز عملية وأخطرها باخرة الصيد الآتية من مصر ولتي كانت محمّـلة بالأسلحة وكان على متنها الرئيس الراحل هواري بومدين، على الرغم من صعوبة العملية نتيجة الحصار المكثف الذي كان يشنه العدو إستطاع الشهيد سايح ميسوم مع العديد من المجاهدين من تحقيق النجاح في هذه العملية، إلى أن أعتقل من طرف الاستعمار وتعرّضه للتعذيب، لكنه استطاع الفرار وحسب بعض الإعترافات أنه مر بقرية الدراوش أين تمكن مبروك أحمد من نزع السلاسل التي كان مكبّلا بها الشهيد سايح ميسوم بعدها توجه إلى قرية أولاد علي التي كان ينشط بها العقيد عباس، أما سايح ميسوم فقد كان ينشط في المناطق التالية : الغزوات ندرومة ومغنية، محقّقا بذلك عـدة بطولات أبرزها : قتل 40 عسكري و60 جزائريا كانوا يعملون مع العدو، كما قام بمهاجمة مركز بوشفيع ما بين الغزوات وتونان وقام أيضا بقتل نقيب فرنسي بالجبل وأخذ أوراقه وأرسلها إلى عائلته بفـرنسا مما زاد من تشديد الخناق عليه، إلى أن أستشهد رحمه الله يوم 27 جويلية 1957.

 الشهيد “عيدوني أحمد” الملقب بسي إدريس

عـيدوني أحمد المسمى سي إدريس ولد في 20 ديسمبر1931 بدشرة الصفرة بلدية السواحلية، حفظ القرآن الكريم، وفي 1952 استدعته القوات الفرنسية للتجنيد فرفض إلى أن ألقي عليه القبض وسجن لمدة سنة كاملة.

في مايو 1954 التحق بجبهة التحرير الوطني وناضل بجانب الشهيدين العربي بن مهيدي قائد الناحية الغربية وسايح الميسوم وغيرهم من الأبطال الثورة التحريرية، وكثيرا ما نقل الأسلحة من كبدانة بالمغرب عبر الحدود الملغمة إلى داخل التراب الوطني، وفي 20 يناير 1956 وقع اشتباك مع القوات الفرنسية بمكان يعرف بدار أعمر، حيث جرح بشظايا القنابل بعد أن قتل جنديين من قوات لاستعمار ونقل على إثرها إلى المغرب ليعالج جراحه سرعان ما عاد إلى أرض الوطن ليواصل الجهاد مع رفاقه، لعيّن في مارس 1957 ملازما، ليستشهد البطل من نفس السنة في معركة فلاوسن المشهورة حاملا سلاحه المضاد للطائرات رفقة مجموعة من المجاهدين واثنين من إخوته المختار ومحمد.

 الشهيد “مطعيش عبد القادر” الملقب الرائد جابر

ولد الشهيد سنة 1928 بقرية أولاد موسى دائرة سبدو ولاية تلمسان من أسرة جد متواضعة أصيب في والده وهو في الثانية عشر من عمره فاحتضنته أمه بحنانها ووئامها وتكفله جدّه من أمه برعايته وتربيته.

ونظرا لما كانت عليه أوضاعه العائلية من بؤس وحرمان فانه لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة شأن الكثير من أبناء بلده فامتهن الخماسة لدى قايد البلدية، إذ عرف بالجرأة والمروءة وبخصال مكنته من أن ينال إعجاب القايد وتقديره، وعند بلوغه السن 21 سنة هاجر إلى فرنسا بقصد تحسين أوضاعه المادية، حيث مارس العمل السياسي وانخرط في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية أقوى الأحزاب السياسية آنذاك.

وفي سنة 1951 عاد الرائد جابر إلى أرض الوطن فأقام به فترة وجيزة حيث تزوج خلالها وعاد إلى فرنسا للعمل في الميدان، غير أنه لم يمكث سوى عاما عاد بعده إلى قريته (أولاد موسى) ليبدأ عهدا جديدا من الكفاح السياسي داخل الوطن وبالخصوص داخل قريته، التي أدخل إليها التنظيم لأول مرة وجعلها إحدى المعاقل التي تعجّ بالثورة والغضب، مما جعله يتعرض إلى المضايقات والمتابعات الاستعمارية، لكنه بفضل حنكته واصل نشاطه السياسي بروح عالية، إلى غاية قـيام الثورة أين أسندت له مسؤولية الإشراف على ثلاث بلديات تحت قيادة البطلين “العربي بن مهيدي وعبد الحفيظ بوصوف” في تنظيم الجماهير الشعبية ووضع القواعد المادية استعدادا لخوض العديد من المعارك ومن بينها معركة (جبل بوحمامة) في مارس 1955 التي أبلى فيها وجنوده بلاء حسنا، هي معركة ساخنة أسفرت عن مقتل 27 عسكريا فرنسيا واستشهاد اثنين من المجاهدين.

وفي 27 ديسمبر 1957 ألقت قوات العدو القبض على ثلاثة ضباط بناحية (صبرة) فكان لزاما على الشهيد جابر أن يزور المنطقة لهدف ترتيب الأمور وإعادة تنظيمها، وفي الطريق وقع مع رفاقه في حصار شرس لقوات العـدو اضطرته إلى أن يلتجئ إلى قرية (تالة) التي تتوافر على معالم طبيعية يمكن الاحتماء بها غير أن حصارا آخر ضرب على الشهيد وإخوانه بمخبأ في منزل أحد المناضلين وقد حاول المسؤول العسكري (سي لحسن) الخروج من الخندق فأصابته رصاصة العدو واستشهد، وقد أدرك الرائد جبار خطورة الموقف فأطلق النار على نفسه مفضلا الموت الشريف من أن يؤخذ رهينة عند العدو، وذلك في 13 من شهر فبراير من عام 1958.

 الشهيد “منقاري بن أعمر” المدعو سي منور

ولد الشهيد منقاري بن أعمر المدعو سي منور سنة 1926 بمسيردة التحاتة، حيث حفظ القرآن الكريم وانخرط في حزب الشعب منذ سنة 1947، حضر في افـتـتاح مدرسة المصامدة بمغنية مع الكـثير من المناضلين أين ألقي القبض على الشيخ ميمون من طرف الدرك الفـرنسي، وتم نقله إلى سجن الشلف، بعدها انتقل الشهيد إلى فرنسا للعمل، حيث كان يتواجد هنالك مجموعة من المناضلين أمثال : بوضياف، بومعزة، لحول الحسين، مزغـن…وغـيرهم، إذ كانت مهمته تتمثل في جمع الأموال من المهاجرين بفرنسا وتسليمها إلى السيد بومعزة، وفي سنة 1953 دخل إلى الجزائر جالبا معه آلة تصوير ومنظار، ومدياع الاتصال من أجل النضال والكفاح المسلح، وبعد كشف صلته بالثورة أصبح مطلوبا من قبل شرطة الاستعلامات بمغنية، أين هاجر رفقة العائلة من مسيردة نحو تافنة ـ واسر ـ ناحية صبرة عند المناضل الشهيد عباد بوزيان المدعو سي بلحسن، وبعدها انتقل سي منور إلى جبال الخميس ببني سنوس أين كان يتواجد العديد من المناضلين أمثال بوصوف، العربي بن مهيدي، جابر، لطفي فراج، سي عبد القادر الزهـراوي…وغـيرهم.

وبعد اندلاع الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954 أسندت له مهمة تدريب الجيش برفقة الشيخ السنوسي واستراد السلاح من ملوية ناحية الناضور بالمغرب إلى جبال بني سنوس لتوزيعها على جيش التحرير الوطني، وبعـد الانتهاء من عملية استراد السلاح كان ينتقل إلى منزل شعبان حمدون بالبطيم لتقديم تقرير نجاح مهمة نقل السلاح لعبد الحفيظ بوصوف.

هذا وقد شارك الشهيد في عدة معارك كانت تستهدف الهجوم على الثكنات والمراكز الاستعمارية، منها الهجوم على ثكنة سيدي الجيلالي بسبدو، والكاف بسيدي مجاهد، بن يابير ببني بوسعيد أين أصيب بجروح خفيفة من قبل مجموعة من الفرنسيين مدعمين ببعض المجندين السينيغاليين، إضافة إلى عدة معارك أخرى بالمصامدة وبوسدرة وغيرها.

وفي آخر سنة 1956 وبالضبط في روبان ببني بوسعيد أين جمعت القيادة عناصر جيش التحرير برفقة بوصوف وبومدين حيث تم إعادة هيكلة الجيش ليصبح حينها ضابطا وقياديا في منطقة الولاية الخامسة، إلى جانب تكليفه بكتابة التاريخ، إلى أن أستشهد في نفس السنة مع مجموعة من الضباط من بينهم الرائد جابر وغيرهم من الشهداء كشعبان حمدون…

هكذا يمرّ بنا التاريخ فيهزنا الشوق من حين لآخر وتعيدنا الذاكرة ونحن نحتفل بخمسينيات الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية إلى أبهى صورة الشهادة والتضحية بالدماء، مما يحتم على شباب اليوم أن يدرك جيدا أن الإعلان عن اندلاع الثورة المسلّحة في أول نوفمبر 1954 واستقلال الجزائر يوم 05 جويلية 1962 ليس بالأمر اليسير خاصة أن أولائك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه كانت ذخيرتهم وسلاحهم إيمانهم بالثورة والوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى