تكنولوجيا

حول موضوع “تطوير المدن الذكية – التجربة الصينية نموذجا”

الجزائر تحتك بالتجربة الصينية في إدارة المدن الذكـية

شــكل موضوع “تطوير المدن الذكية – التجربة الصينية نموذجا- ، “محور فعاليات اليوم الدراسي الذي نظمته المدرسة الوطنية للإدارة، بالتنسيق مع المدرسة الوطنية لمهندسي المدينة عـبر تـقـنية التحاضر المرئي، وهذا بحضور إطارات الدولة لــ 58 ولاية، وكـذا مشاركة تلاميذ المدرسة الوطنية لمهندسي المدينة الدفعة الثالثة.

حيث يأتي تنظيم هذا اليوم الدراسي حول تطوير المدن الذكية ضمن اتفاقا موقعا بين وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، مع أكاديمية الصين الوطنية للحوكمة، يتضمن برنامج تدريب لكيفية إدارة المدن الذكية والحكومة الإلكترونية، وهو برنامج عمل مشترك للبحث العلمي في كلا البلدين، بهدف تعزيز التعاون بين الهيئتين في مجالات التدريب، والتكوين وتبادل المعارف والخبرات التكـنولوجية في مجالات البناء المقاوم للزلازل والمدن الذكية، وتنظيم الورشات المشتركة لفائدة إطارات وتقنيين وموظفي قطاع الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية سواء على مستوى الأكاديمية الصينية أو في الجزائر، وهذا في إطار “رؤية الجزائر الجديدة” ومبادرة “الحزام والطريق”، على “تعـميق التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك الاقتصاد الرقمي والبحث العلمي وتدريس اللغة الصينية والإعلام والإدارة الضريبية والجمارك ومكافحة الفساد” ضمن الاتفاقات المبرمة للجانبان، والتي سمحت منذ سنة 2015 باستفادة أكثر من 160 إطارا سام من دورات تكوينية على مستوى الأكاديمية الصينية، و420 إطارا وموظفا تكونوا بالجزائر بتأطير من أساتذة ذات الأكاديمية، إضافة إلى عـقـد عـدة ندوات ثنائية حول مواضيع ذات الاهتمام المشترك.

تجسيدا لأهداف التنمية المستدامة آفاق 2030

فعاليات اليوم الدراسي هذا، يأتي أياما قلائل من الاجتماع الوزاري الأول العربي – الصيني للإسكان والتنمية الحضرية، المنعقـد بيـن 17 و19 ديسمبر 2024 بالجزائر العاصمة، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، وتحت شعار “العمران والبناء المستدام: تحديات وآمال واعـدة” تجسيدا لأهداف التنمية المستدامة آفاق 2030، والذي كللت أشغاله بورقة طريق تـتضمن مجموعة من الآليات لتمكين الدول العربية من الاستفادة من التطور التكنولوجي الصيني في مجال البناء المقاوم للزلازل والمباني الصديقة للبيئة، بما في ذلك تقـنيات البناء الجديدة السريع.

وأكـدت التوصيات على ضرورة استعمال التقنيات الذكـية في النقل الحضري والمواصلات للتخفيف من الازدحام والانبعاثات الغازية، وعلى أهمية استعمال مواد البناء الطبيعية المحلية والصديقة للبيئة، لخفض تكاليف الإنجاز من جهة، ولما لها من أثر بيئي وصحي من جهة أخرى، مع العمل على تسهيل تمويل السكن اللائق من طرف بنوك الإسكان وتسهيل منح القروض وتشجيع التمويل التشاركي، داعين بالمناسبة أيضا وضع سياسات حكومية عربية لتعزيز السكن الاجتماعي والسكن الميسور التكلفة، بالتعاون مع القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، من خلال العمل التشاركي في تمويل السكن اللائق، مع إتـباع سياسة العمران والبناء الذكي بتوفير استهلاك الطاقة وترشيدها والتكيف مع التغيرات المناخية.

هل ستعتمد الجزائر التقـنيات الذكية لبناء سكنات “عـدل3″…؟

يحـدث هذا، في وقـت تستعـد فيه الجزائر لإطلاق عملية إنجاز سكنات برنامج “عـدل3” والمقدرة بـمليون و400 ألف وحـدة، الذي يندرج ضمن خطة الدولة لتوفـير حلول سكنية مستدامة تستجيب لتطلعات المواطنين، حيث وفي هذا الصدد، أسـدى وزير السكن والعمران والمدينة “محمد طارق بلعريبي” تعليمات تقضي بإعداد مخططات “برؤية مستقبلية” ترتكز على دراسات علمية، يتم من خلالها تزويد الأقطاب الحضرية التي ستنجز في إطار برنامج “عــدل3” بكل التجهيزات العمومية الضرورية، وتقسيم المساحات المتوفرة بشكل يخلق مجالات جديدة، وتحديد أماكن الأنشطة المختلفة بشكل يتناسب مع راحة السكان وسهولة وصولهم للخدمات ما يزيد في جاذبيتها ويساهم في تحقيق الاستدامة، مـؤكدا بأن هذا التكامل بين التقنية والبحث العلمي يوفر نهجا جديدا متطورا لمشاريع سكـنات “عــدل3″، ما يـضمن بيئة معيشية متكاملة تحسن من جودة الحياة لمكتتبي هذا البرنامج.

و”أوضح بلعريبي” وفقًا لبيان صادر عن الوزارة بتاريخ 07 نوفمبر 2024، أن تكامل الجانب التقني مع البحث العلمي يشكل نهجا متطورا لمشاريع برنامج “عــدل3″، هذا النهج يهدف إلى خلق بيئة معيشية متكاملة تحسن من جودة حياة المكتتبين وتلبي تطلعاتهم، كما أصدر الوزير تعليماته للمدراء المعنيين بتقديم أربعة اقتراحات لمخططات التهيئة، تتضمن تحديد الطاقة الاستيعابية لعدد السكنات، بالإضافة إلى إجراء دراسات مفصلة حول طبيعة التربة في المناطق المستهدفة، وأشار إلى أن فهم خصائص التربة بشكل معمق سيتيح تحديد مستوى العمق المطلوب للأساسات، وضمان توافق التصاميم الهندسية مع الظروف الجيولوجية للمواقع المختارة، مما يعـزّز استدامة المشاريع وجودتها على المدى البعـيد.

خطوة إستراتيجية محورية نحو تطوير المدن الجزائرية

وبالمناسبة أيضا، قـدم المركز الوطني للدراسات والبحوث المتكاملة في البناء، ومركز الدراسات والإنجاز العمراني البليدة، دراستين متلائمتين والرؤية المستقبلية المقترحة لمشروع سكـنات “عــدل3″، وتم أيضا تقديم عرض حول الأغلفة المالية التقـديرية لمختلف مخططات التهيئة المقترحة مع وضع مخطط لكل ما يعـيق عملية الإنجاز.

وبهذا، يبقى برنامج “عـدل3″، يمثل خطوة إستراتيجية محورية نحو تطوير المدن الجزائرية، حيث يجسد رؤية مبتكرة تجمع بين الاستدامة والتطوير العمراني العصري، ويهدف المشروع إلى تلبية تطلعات المواطنين في الحصول على سكن ملائم ضمن بيئة حضرية حديثة، ومن خلال التعاون بين الخبراء المحليين والدوليين والسلطات المعنية، يُتوقّع أن يسهم هذا البرنامج في إعادة رسم ملامح المستقبل الحضري للجزائر، بما يضعها في مصاف الدول الرائدة في مجال التخطيط العمراني المستدام. علاوة على ذلك، يعكس البرنامج نموذجًا ملهما لتحسين نوعـية الحياة من خلال تطوير بنية تحتية متكاملة تراعي متطلبات العصر، مما يرسخ مكانة الجزائر كرائد إقليمي في تقديم حلول مبتكرة لقطاع الإسكان والتنمية الحضرية.

غـياب الديمقـراطية المحلية أو التشاركـية….أنـتـج مـدن عـشوائية وفوضوية

أكــد الخـبـيـر والدكـتور الجامعي (ف.م)، أن المدينة الذكية تفترض توفر اقـتصاد ذكي وحكامة ذكية المرتبط  أساسا بالمواطن الذكي وقبل ذلك بالمسير أو بالمقرر ـ السياسي ـ الذكي في كل مضارب الشأن العام، وبمعنى آخر فالمدينة الذكـية على غرار مدينة  دبي ومدينة سنغافورة…هي نتاج لنماذج ثقافية واقتصادية توصلت إليها المجتمعات في رحلة البحث عن نوعية الحياة والرفاه، مؤكدا في ذات السياق أن المدن التي تم تأسيسها في بلادنا تحت مسمى المدن الذكية Les Villes intelligentes هي بعيدة كل البعد عن ظاهرة الذكاء في مختلف أبعادها وتجسيداتها، فهي ـ حسبه ـ عـبارة عن مدن بلا روح وبلا جمال وتـفـتقـد لمقومات المدينة الذكية في ما يتعلق بالتكنولوجيا، الخدمات الصحية، نوعية التعليم ووسائل الترفيه وأيضا في كونها أحياء منعزلة ومغلقة غير مندمجة وغير متكاملة بل منفـرة للحياة المشتركة ومشجعة للاستقطاب المقيت.

حيث بنيت هذه المدن بنية استيعاب الجموع الهائلة من طلبات السكن لتكون مراقـد (Des Dortoirs) وليس فضاءات حيوية متكاملة، ومنتجة للتعاون والتضامن والإبداع بغاية النشاط واستدامته، وهذه الاختلالات العضوية والوظيفية مرتبطة بعجز الإدارة على المستوى المركزي والمحلي في تسيير المدن الكلاسيكية وحاجياتها القاعدية مثل توفير الماء بشكل منتظم، تعبيد الطرقات داخل المدن، الأرصفة، نظافة المدن وأمنها، الخدمات الصحية، المواصلات وخدمات الإنترنت…إضافة إلى ذلك المسألة التقنية والعلمية، مما أنتج قرارات عشوائية وفوضوية في ظل غـياب الديمقـراطية المحلية أو التشاركية المجسدة لانخراط المجتمع المدني في الحكامة المحلية، هذه النوعـية من القرارات أثرت على مدننا الكلاسكية وأثرت أيضا على مصير المدن التي سميت بالذكـية ـ محاكاة للمودة العالمية في تخطيط المدن ـ وهي بعـيدة كل البعـد عن تمظهرات الذكاء الطبيعي والاصطـناعـي.

نحو تحقيق نموذج مدن ذكية: لابـد من مسارات جديدة لتنمية الأقطاب الحضرية الجزائرية

على الرغـم من الإمكانات الكبيرة التي توفرها البرامج السكنية، فإنها تواجه مجموعة من التحديات التي يجب التصدي لها لضمان تحقيق أهدافه الطموحة.

ومن أبرز هذه التحديات، توفير الأراضي المناسبة لتنفيذ المشاريع، وهو أمر يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتخصيصًا مدروسًا للموارد المتاحة، خصوصا وأن معظم بلديات الوطن لا تحوز على أراضي ملكية ومعظمها ملكية تابعة للخواص، مما يعـد تسريع التنسيق بين الجهات المعنية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، ضروريا لضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة، خاصة وأن الرؤية المستقبلية للمشروع تركز على تحقيق معايير الاستدامة من خلال تصميم بيئة حضرية متكاملة تراعي الاحتياجات اليومية للسكان بمختلف فئاتهم، ويتمثل ذلك في توفير مساحات خضراء واسعة تُسهم في تحسين جودة الهواء وإضفاء الطابع الجمالي.

هذا، إلى جانب إنشاء مرافق اجتماعية وخدمية متطورة مثل المدارس، والمراكز الصحية، وأماكن الترفيه، وتسعى هذه المكونات مجتمعة إلى خلق بيئة تعزز الراحة والرفاهية، مما يجعل المشروع نموذجًا رائدا في تحسين نمط الحياة بشكل شامل، فالهدف ليس فقط تقديم وحدات سكنية حديثة، بل ضمان تطور المدن في إطار متوازن يجمع بين الحداثة ومتطلبات الاستدامة البيئية والاجتماعـية.

بناء مدن متكاملة تجمع بين التطوير العمراني والرفاهية الاجتماعية

 

  وفي ظل مساعي الجزائر نحو تعزيز التخطيط العمراني وتحقيق تنمية حضرية مستدامة تعكس طموحاتها لتحسين جودة حياة المواطنين، يـبـقـى بـرنـامـج “عــدل3” كواحـد من المشاريع الرائدة، إذ يتجاوز كونه مشروعًا سكنيا، ليشكل رؤية شاملة تهدف إلى بناء مدن متكاملة تجمع بين التطوير العمراني والرفاهية الاجتماعية، يعكس تحوّلاً نوعـيا في تصميم المدن، حيث يركز على إنشاء أقطاب حضرية تضمّ مرافق متطوّرة للأنشطة الرياضية والثقافية، مما يعزز النسيج الاجتماعي ويعطي المدن طابعا أكثر جاذبية، وهو ما أكده وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، أن هذا المشروع يعتمد على دراسات متقدمة وتكنولوجيا حديثة لتوفير خدمات عمومية عالية الجودة تلبّي احتياجات السكان وتسهم في تحسين بيئتهم المعـيشية.

أمير. ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى