تكنولوجيا

صورة المرأة في الإعلام الرقمي

 بين التحرر والقوالب النمطية

مع تطور الفضاء الرقمي، أصبح الإعلام الرقمي نافذة واسعة تتيح للمرأة التعبير عن ذاتها، سرد قصصها، والمشاركة في النقاشات المجتمعية. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تُصور بها النساء في هذا الفضاء لا تزال تحمل تناقضات كبيرة.

بين من يسعى لتحرير المرأة وتمكينها، ومن يُصر على وضعها في قوالب نمطية تعزز صورا سلبية، نجد انعكاسًا لصراعات اجتماعية وثقافية أعمق.

 

المرأة والتحرر عبر الإعلام الرقمي

أحد أهم إنجازات الإعلام الرقمي هو إعطاء النساء صوتا أقوى وفرصة للمشاركة في النقاشات العامة، بفضل المنصات الاجتماعية مثل “إنستغرام” و”تويتر”، تمكنت النساء من بناء مجتمعات رقمية تُبرز قضاياهن وتعرض إنجازاتهن.

الإعلام الرقمي أيضا قدَّم فرصة لنساء من خلفيات متنوعة لعرض قصص نجاحهن في مجالات غالبا ما يهيمن عليها الرجال، مثل التكنولوجيا وريادة الأعمال. من الأمثلة الملهمة في هذا المجال “فرشتة فروغ”، التي أطلقت مبادرة Code to Inspire  لتعليم الفتيات البرمجة في أفغانستان، مما ساعد على تمكين النساء في مجتمع تقليدي باستخدام التكنولوجيا.

 

القوالب النمطية وتأثيرها على صورة المرأة

رغم النجاحات التي حققتها النساء في الإعلام الرقمي، إلا أن هذا الفضاء لا يخلو من التحديات، القوالب النمطية ما زالت تتسلل إلى طريقة تصوير المرأة، ما يؤدي إلى تعزيز مفاهيم خاطئة تحد من قدراتها. على سبيل المثال، يتم تسليع الجسد النسائي في كثير من الإعلانات الرقمية، حيث تُقدم المرأة كوسيلة جذب بصري فقط، مما يحصر دورها في المظهر الخارجي بدلًا من التركيز على إنجازاتها وقدراتها.

من جهة أخرى، يُظهر الإعلام الرقمي المرأة في بعض الأحيان كضحية دائمة، ما يكرس صورة الضعف ويرسخ في الأذهان أنها بحاجة دائما إلى منقذ. وفي أحيان أخرى، تُقدَّم المرأة كأم خارقة قادرة على التوفيق بين كل شيء، وهي صورة تبدو إيجابية ظاهريًا لكنها تضغط على النساء لمطابقة معايير غير واقعية.

 

التأثيرات المجتمعية لهذه الصور

تصوير المرأة في الإعلام الرقمي بهذه الطرق المتناقضة له تأثيرات عميقة على المجتمع، خاصة على الأجيال الصاعدة. بالنسبة للفتيات الصغيرات، يؤدي التعرض المستمر للصور النمطية المثالية إلى مشاكل في الثقة بالنفس والشعور بعدم الكفاية، خاصة إذا كنّ يقارنّ أنفسهن بما يُعرض على وسائل التواصل.

كما أن القوالب النمطية تحد من الفرص المتاحة للنساء في العمل والمجتمع، حيث ترسخ الأفكار التقليدية عن أدوارهن وتحد من طموحاتهن. على الجانب الآخر، الحملات التحررية تسهم في تعزيز الوعي بحقوق المرأة وتشجع النساء على التفكير بشكل مختلف.

في المقابل، تواجه النساء تحديات أخرى في الفضاء الرقمي مثل التحرش الإلكتروني والتنمر. على سبيل المثال، عانت العديد من الشخصيات النسائية العامة من الهجمات الإلكترونية التي تهدف إلى إسكات أصواتهن. ورغم ذلك، نجحت مبادرات مثل Safe Sisters في تقديم تدريبات على الأمن الرقمي للنساء لمساعدتهن في مواجهة هذه التحديات.

بين التحرر والقوالب النمطية، لا تزال صورة المرأة في الإعلام الرقمي ميدانًا للصراع. ورغم التحديات، تمتلك النساء الأدوات والفرص لإعادة تشكيل هذا الفضاء، الدعم المجتمعي والسياسات المسؤولة هما المفتاح لتحقيق هذا الهدف، مما يتيح للإعلام الرقمي أن يكون منصة حقيقية للتمكين والتغيير الإيجابي.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى