
يحتفل سكان ولاية تلمسان عـلى غـرار الولايات الأخرى بحلول السنة الأمازيغية الجديدة 2975ـ 2025 أمازيغي، وذلك حسب التقويم الذي استخدمه الأمازيغ منذ عهد شيشناق الأمازيغي، وبات ملحوظا اهتمام المواطن الجزائري في السنوات الأخيرة بالاحتفاء بمناسبة تظاهرة “أيناير”، التي تنطلق فعاليات ابتداء من 11 والى غاية 13 يناير.
حيث أكـد الباحث “علي عـبدون” أن مهرجان “إيراد” الذي تنظمه سنويا منطقة بني سنوس الجبلية الأمازيغية بولاية تلمسان، يعد ظاهرة اجتماعية تجعل منه التشكيلات الفنية مسرحا تقليديا أصليا، وهي كلمة معناها أسد نحو 10 شبان ليلة يناير ويلبس هؤلاء الشبان جلود العجل أو الماعز، ويجولون شوارع القرية تحت إيقاعات الطبول، بينما يتم سحب “إيراد” الكبير بواسطة سلسلة من قـبل شخص حتى لا يفر، وينتقل المشاركون في هذا الحفل من بيت إلى آخر لجمع الهبات التي توزع على فقراء القرية ومعوزيها، وأشار “عبدون” إلى “الشدة” الدرامية التي تميز عيد إيراد من خلال الأزياء التي يتم ارتداءها والأغاني والرقصات واللوحات المسرحية التي يؤديها المشاركون في المهرجان، مضيفا أن الأمر يتعلق هنا بتكريس الهوية والحفاظ عليها.

المسمّن، التريد، السفنج والشرشم أطباق تقليدية وطقوس قديمة ببني سنوس
وتبقى الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية أو ما يسمى عندنا بـ ”الناير” تتمثل مراسيمها بالخصوص بالأكلات الشعبية التي تشتهر بها بني سنوس، في هذه المناسبة الذي تثمنها المحافظة السامية للأمازيغية، لما ترسخه من رموز جميلة وما تؤرخه لحضارات عديدة، في إحضار وجبة عشاء مميزة عن باقي الأيام الأخرى، وذلك تيَمُنا بسنة فلاحية جيدة، وتكون الوجبة في الغالب الكسكس بالدجاج، المسمّن، تريد، السفنج.
كما يتم إعداد طبق الشرشم، فضلا عن تحضير أطباق من الحلفاء مملوءة من المكسرات المختلفة الأنواع والمذاق، من خلال توفير الفواكه الجافة كالتين و”الزفيزف” والمكسّرات كالجوز واللوز المقطوفة من بساتينهم، كما يتم طهي خبيزات من كسرة الدار مزركشة باللوز تتوسطها “بيضة العرب”، وتوزع على الصغار دون استثناء، وتوزعها ربات البيوت في أكياس من القماش محشوة بالمدخرات الشتوية الممزوجة مع المكسرات، وكذا التحضير لكل ما له علاقة بسنة زراعية أمازيغية جديدة، فضلا عن ذلك ستقوم كل من الفنانتين “محند سهام” من تيزي وزو و”نسرين” من البويرة بإحياء حفل فني من التراث الأمازيغي بالملعب البلدي، كما ستتخلل هاته الاحتفالات معرضا كبيرا للمأكولات التقليدية والمنتوجات الزراعية المحلية.
ولبني سنوس تاريخ زاخم بالأحداث، فسكان المنطقة البربريين سكنوها منذ ملايين السنين ولازالت اللغة الأمازيغية والشلحة منتشرة لحد الآن، ثقافة السكان المتنوعة دفعت بعالم الاجتماع الفرنسي “إيدموند ديستنغ” إلى القيام بدراسة أنثروبولوجية لسكان الكاف والخميس ما بين 1900 و1907، إذ يعرف على السكان إيمانهم بالخرافات والمعـتقدات، كما يتداول المؤرخون المهتمون بالمنطقة قصة وقوف الملك الأمازيغي شارشار سنة 950 في وجه جيوش الفرعـون رمسيس الثالث، أين ألحقت به هزيمة نكراء، شجاعة قبائل بني سنوس تواصلت جيلا بعض جيل، إذ وقـفت جيوش الجنرالين “كافانياك” و”لامورسيار” عاجزة في سنة 1846 في محاولتهم للسيطرة على المنطقة التي لم تتم إلا بعد وصول إمدادات كبيرة، وتواصلت بطولات السكان المحليين خلال ثورة التحرير المباركة، وتتكون هذه المنطقة من مجموعة من القرى والتجمعات السكانية أهمها تافسرة، بني هديل، ثلاثة، زهرة، بني بهدل، أولاد موسى، بني عشير، بني زيداس ومازر، سيدي يحي والكاف.
“كرنفال” و”غناء الصف” يعكسان تراث منطقة الكاف بسيدي يحيى
منطقة “الكاف” بسيدي يحيى ببلدية سيدي مجاهد، بدورها تحتضن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة، إذ سطرت في هذا الشأن جمعية “بصائر الكاف” برنامجا احتفاليا ثريا بالمناسبة، سيتم من خلاله إبراز تراث هذه المنطقة وإعادة بعث التراث داخل هذه المنطقة، حيث سينشط الدكتور “سعيداني أحمد” في الأنثروبولوجيا ندوة بالمناسبة حول هذه التظاهرة الثقافية التي تعد من ذاكرة هذه المنطقة.
هذا، إلى جانب عرض مجموعة نسائية “غناء الصف” الذي يدخل ضمن تراث منطقة الكاف، مع تنظيم معرض لأهم المنتوجات المحلية والمأكولات التقليدية، والأواني الفخارية التي كانت تصنع بهذه المنطقة، إضافة إلى عرض صور تاريخية للمنطقة، وكذا زيارة المسجد العتيق الذي يعد من أقدم المساجد على مستوى ولاية تلمسان والذي زاره الكثير من الشخصيات الوطنية والتاريخية، فضلا عن تلاوات للقرآن الكريم كونه كان قطبا من أقطاب تدريس القرآن الكريم والدين، حيث كان يأتيه حفظة القرآن الكريم من كل حدب وصوب معسكر، وهران، ندرومة وبني سنوس.
وهناك أيضا الكثير ممن تخرجوا من هذه المدرسة القرآنية العتيقة هم الآن إطارات في الدولة وشيوخ زوايا وأئمة، كما يتضمن البرنامج أيضا زيارة لبعض الأماكن الأثرية، منها مغارات أسفل القرية التي كان يسكنها أهل المنطقة وتسمى هاته المغارات التي هي عبارة عن كهوف بـ (الغيران) كان يسكنها الإنسان البدائي الذي عاش في هذه المنطقة، كما أن هذه المنطقة بها مقبرة تعود لثلاثة قرون، وذلك من خلال الدراسات التي أثبتت ذلك أن وجودها مع أقدم إنسان وجد على ارض هذه المنطقة التاريخية.
كما ستتخلل المناسبة وجبة غذائية تقليدية على شرف الحضور الوافدين لهذه المناسبة، ومن العادات أيضا “كرنفال”، وهي عادة “هايما” كانت تنظم سنويا من طرف الشباب، حيث يجوبون المنازل ويكرمون ثم يرفعون اكف التضرع لله سبحانه وتعالى، كما فيها نوع من الفكاهة ولباسهم كله من الطبيعة، ما يدل على ارتباط الإنسان بالطبيعة، كون شهر يناير السنة الفلاحية، أين استبشر سكان المنطقة “الكاف” خيرا بقدوم هذا الشهر والاحتفال بهذا اليوم 12 يناير الذي يختلف عن منطقة بني سنوس حسب أهالي منطقة “الكاف” بحوالي 3 أيام، أين يكرم فيها الأطفال، لتختتم مراسيم الاحتفال بكلمة ختامية بالمناسبة من طرف المنظمين والسلطات المحلية.
يناير مناسبة للتصالح مع الذات
من جهته، اعتبر الأستاذ “محمد.ج” أستاذ جامعي وباحث في التاريخ، أن الاحتفال بيناير هو مناسبة للتصالح مع الذات، لأنها تذكرنا بتاريخنا وحضارتنا العريقة والضاربة في عمر التاريخ، مذكرا أن الإنسان موجود منذ أكثر من مليوني سنة على هذه الأرض، ومذكرا بتاريخ الأمازيغ قبل الإسلام ومساهمتهم في الحضارة الإسلامية وأيضا في بناء الحضارة الإنسانية.
كما تحدث الأستاذ عن علاقات الأمازيغ مع الأمم الأخرى وتفتحهم على العالم، خاصة في عهد يوبا الثاني الذي عرف حكمه تشيد صروح علمية من جامعات ومكتبات مذكرا بمساهمات الأمازيغ في فتح الأندلس وإيصال الإسلام إلى إفريقـيا. ومن جهة أخرى، يقول مختصون أن يناير هو تقليد وطقوس تعكس الهوية الأمازيغية لسكان شمال إفريقيا، وهو تاريخ أمازيغي يضرب في الجذور لمنطقة شمال إفريقيا بحيث كان موجودا بأربعة قرون قبل الميلاد، وهو احتفال يقوم به الأمازيغ احتفالا بقدوم الموسم الزراعي والسنة الزراعية الجديدة، بحيث يعد أيضا احتفاء بالطبيعة والتيمن بأن تكون سنة مزدهرة ومحصول وفير. ومن جهته، فإن يناير لم يعد احتفالا شعبيا فحسب، بل أصبح احتفالا وطنيا رسميا وفرصة للجمهور للتواصل مع تراثه وتاريخيه والاعتزاز بهويته بكل أبعادها العربية والأمازيغية والإنسانية.
يناير وارتباطه بقصة الزعيم شيشناق…
التقويم الأمازيغي هو التقويم الذي اعتمده الأمازيغ منذ أقدم العصور، وهو مبني على النظام الشمسي، ويعتبر رأس السنة الفلاحية هو رأس السنة الأمازيغية.
التقويم الأمازيغي تقويم غير معروف على نطاق واسع والأبحاث العلمية حول هذا التقويم قليلة سواء ما يتعلق بالمصادر القديمة أو الحديثة، ويعتبر يناير أو ينير (تعني الشهر الأول في اللغة الأمازيغية) أول الشهور في التقويم الأمازيغي، ويعتقد الأمازيغ أن السنة الأمازيغية مبنية على واقعة هزم الأمازيغ للمصريين القدامى واعتلاء زعيمهم شيشناق للعرش الفرعوني.
وحسب الأسطورة، فإن تلك المعركة وجدت مكانها في تلمسان المدينة الجزائرية الحالية، غير أن معظم الباحثين يرجح أن شيشناق تمكن من الوصول إلى الكرسي الفرعوني بشكل سلمي في ظروف مضطربة في مصر القديمة، حيث سعى الفراعنة القدماء إلى الاستعانة به ضد الاضطرابات بعد الفوضى التي عمت مصر القديمة جراء تنامي سلطة العرافين الطيبين، وقد عمل الزعيم الأمازيغي شيشناق على ضبط وترتيب الأحوال في مصر القديمة يعتبر التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ 2975 سنة، أي قبل 950 سنة من ميلاد المسيح عليه السلام، وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، فإن التقويم الأمازيغي ليس مرتبطا بأي حادث ديني أو تعبدي…بل مرتبط بحدث تاريخي، وعندما يحتفل الأمازيغ برأس كل سنة أمازيغية فلاعـتبارهم هذا اليوم عيدا طبيعيا يرسخ ارتباطهم بالأرض التي عشقوها دوما ويكرس فهمهم الخاص للحياة، ذلكم الفهم الذي يتأسس على العقل بالدرجة الأولى.
yanuyur هو الشهر الأول في السنة الأمازيغية، وكلمة yanuyur مركبة من yan أي واحد وayur أي الشهر، ويطلق عليه أيضا id usggas أي ليلة السنة، وهو يوم يفصل بين فترتين، فترة البرد القارس وفترة الاعتدال، كما يعتبر البداية السنوية في الإنجاز الحقيقي للأشغال الفلاحية.
هناك الكثير من الروايات التي تفسر أسباب لجوء الأمازيغ إلى اعتماد هذا التقويم، غير أن الرواية الأكثر صحة تعتبر أن اليوم الأول من هذا التقويم، يؤرخ انتصار الأمازيغ بقيادة ملكهم شيشناق (ciccung) على الفراعنة في فترة حكم رمسيس الثاني، وبداية سيطرتهم التي دامت 3 قـرون من الزمن، وبعد ذلك بدأ الأمازيغ يخلدون كل سنة ذكرى هذا الانتصار التاريخي، ومنذ تلك المعركة أصبح ذلك اليوم رأس كل سنة جديدة حسب تقويم خاص.
وكيفما كانت الطريقة التي تمكن بها شيشناق من الحكم على مصر، فإن التواجد الأمازيغي قديم قدم التاريخ إن رمزية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في الشمال الإفريقي عامة والجزائر على وجه الخصوص، تكمن في إحضار وجبة عشاء مميزة عن باقي وجبات الأيام الأخرى، وذلك تيمنا بسنة فلاحية جيدة، وهي مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة تختلف باختلاف المناطق.
أمـيـر. ع