
قصد التصدى لظاهرة التصحر وزحف الرمال، سخرت الدولة آليات جديدة بالولايات السهبية خاصة بولاية النعامة، وفي سبيل ذلك خصصت أموالا طائلة لتجسيد المشاريع الوقائية بالدرجة الأولى، ومن هنا جاءت الحاجة الملحة لإنشاء محميات طبيعية للحفاظ على التراث الطبيعي لهذه المناطق وحماية الأنواع النباتية والحيوانية النادرة والمهددة بالانقراض، وتحقيق التوازن الايكولوجي.
تعد الولايات السهبية الممتدة من النعامة غربا إلى تبسة شرقا، مرورا بولايات البيض، الأغواط والجلفة البوابات الرئيسية نحو الصحراء الكبرى، كما تعد الحاجز المنيع والسد الواقي أمام خطر زحف الرمال نحو الشمال، وعليه اتخذت الدولة إجراءات جادة لمكافحة التصحر وإيجاد الميكانيزمات الضرورية لضمان الحد الأقصى للتوازن البيئي والإيكولوجي، خاصة مع الظواهر الطبيعية الأخيرة كالاحتباس الحراري وتأثيره السلبي على الولايات السهبية ذات المناخ القاسي وتعرضها الدائم إلى أخطار الاضطرابات المناخية كالفيضانات، الجفاف والتصحر.
إطلاق مشروع حماية الحيوانات البرية من أجل عودة الغطاء النباتي بالنعامة
يهدف المشروع إلى حماية مواقع المحمية من أخطار التلوث، التشويه، التخريب، البناء الفوضوي والصيد الممنوع، مع إعداد الدراسات العلمية والأثرية حول التوازن البيئي والأثري لهذه المواقع، وجرد وإحصاء الأصناف النباتية والحيوانية التي تزخر بها المنطقة، وذلك من خلال خلق نوع من التربية البيئية الموجهة لمختلف الفئات الاجتماعية، وترقية السياحة البيئية والتسلية في الطبيعة عن طريق تنظيم الزيارات الميدانية وإقامة المنتديات والمعارض قصد الحفاظ على الأصناف الحيوانية، بالخصوص الضب الذي يعد من الأصناف النادرة المتواجدة بالمنطقة.
وهو عبارة عن حيوان يشبه إلى حد كبير الحرباء، يتراوح طوله ما بين 30 إلى40 سم ويزن بعض الكيلوغرامات، وهو حيوان يغير لونه للتأقلم مع البيئة التي يعيش فيها ويعمر من 10 إلى 15 سنة في أحسن الأحوال ويتغذى على الحشرات الصغيرة ولما يكبر يتحول إلى آكلات العشب والفواكه، وهو الوحيد الذي يتغذى على العشب، وهو نوع نادر ومهدد بالانقراض، لذا يهدف هذا المشروع إلى حمايته وضمان تكاثر سلالته، هذا إلى جانب بعض الأصناف النباتية الأساسية التي تعمل على حماية التربة من الانجراف والتصدي لخطر زحف الرمال كنبات الشيح العطري والحلفاء.
الاعتماد على المحميات الطبيعية لخلق توازن بيئي
تهدف عملية الاعتماد على إنشاء المحميات الطبيعية إلى إعادة الغطاء النباتي، خاصة النباتات المعروفة بها المنطقة وأيضا إلى نشر الوعي البيئي والإيكولوجي، يرتكز على جرد الأصناف الحيوانية والنباتية لهذه المواقع وإعداد مختلف الدراسات العلمية حول التوازن البيئي والأثري لهذه المناطق لتفادي كل أشكال الإتلاف، خاصة المساحات الغابية المتواجدة بالمنطقة، منها غابة جبل عنتر و’جبل عيسى، حيث توجدان في وضعية مزرية، جراء عبث يد الإنسان بهذا الإرث من خلال تحويلهما إلى مجمعات من النفايات الصلبة والعضوية.
وأضحت المنطقتان كنقاط لتعاطي كل أنواع المهلوسات، بعد أن سيطر عليها تجار الخمور والمخدرات، إلى جانب استفحال ظاهرة سرقة الأخشاب واقتلاع الأشجار التي شكلت دوما درعا واقيا لخطر زحف الرمال، سيما وأنها تستحوذ على ثروة حيوانية ونباتية نادرة كالغزال البري، الضب، والأرنب البري وهي الأنواع التي تتعرض إلى حملة إبادة، جراء القنص الفوضوي غير المنظم من طرف هواة الصيد غير الشرعي.
هذا، إلى جانب العديد من أنواع النبات والأشجار مثل الشيح، الحلفاء وأشجار الصنوبر الحلبي الذي يشكل القسم الأكبر من غابات ولاية النعامة، وهو الوضع الذي دفع بالعديد من الجمعيات المحافظة على البيئة، إلى دق ناقوس الخطر، داعية الجهات الوصية إلى ضرورة التكفل الجاد بالوضع والعمل على تطهير هذه الفضاءات الغابية من أيدي المنحرفين والعابثين بها، خاصة بعد أن دعمت العديد من المساحات السهبية بزراعة العديد من الأنواع النباتية، خاصة القطف العلفي وكذا إعادة تشجير مختلف الفضاءات التي تم إتلافها بفعل فاعل، وهو دور ريادي منوط بمحافظة الغابات وأعوانها من خلال تكثيف عمليات الرقابة ضد لصوص الحطب وبارونات الفساد.
منطقة “الصفيصفة” موقع طبيعي أثري محمي نموذج للنجاح
توجد هذه المحمية الطبيعية بدائرة وبلدية الصفيصفة التي تبعد بـ 100 كلم عن مقر ولاية النعامة و650 كلم إلى الجنوب الغربي من العاصمة الجزائر، تتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 2423 هكتارا، وهي منطقة ذات طابع تاريخي أثري من خلال التواجد المكثف للآثار الرومانية من نقوش على الحجارة وقصور قديمة، أين تقع منطقتا رويس الجير والنفيخة واللتان تتميزان بمناخ شبه جاف على بعد 25 كلم من منطقة الصفيصفة، وهما عبارة عن موقع طبيعي أثري وتاريخي محمي، لم يتأثر بعد بظاهرة التلوث ويعطي منظرا خلابا وجب حمايته.
فهو عبارة عن غابة متحجرة تعود إلى ما قبل الميلاد وتمتد على مسافة عدة كيلومترات بمحاذاة المنطقة السهبية، أين تعيش العديد من الأصناف الحيوانية النادرة والمهددة بالانقراض كالغزال، لروي والضربان، حيث وغير بعيد عن هذه المحمية، تم اكتشاف هياكل عظمية للديناصور وذلك سنة 1999 وهو ما يفسر غنى المنطقة بفعل ماضيها الأثري والذي يعود إلى حقبة ما قبل التاريخ.
ولكون هذا التراث الطبيعي والتاريخي يتمركز في منطقة ريفية ذات كثافة سكانية ضئيلة، أين يشكل التاريخ الحي الممزوج بالمناظر الطبيعية الخلابة وجب الاعتناء به والمحافظة عليه من خلال إنشاء المحمية الطبيعية بالمنطقة السهبية الصفيصفة، والتي تشكل موقعا استراتيجيا للسياحة البيئية وفضاء طبيعيا أمام الباحثين المختصين في هذا الميدان.
ابراهيم سلامي