
فتحت وزارة الدفاع الأميركية، تحقيقا جديدا في غارة جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في سوريا في 2019، وذلك بعد أسبوعين من نشر تحقيق صحافي لـ”نيويورك تايمز”، اتّهمت فيه الجيش الأمريكي، بأنه حاول التستّر على وجود ضحايا غير مقاتلين في عداد قتلى الغارة.
وأوضح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أول أمس، أن وزير الدفاع لويد أوستن، كلّف الجنرال في سلاح البرّ مايكل غاريت إعادة النظر في التقارير المتعلّقة بالتحقيق الذي سبق وأن أُجري في هذه الحادثة والتي وقعت في 18 مارس 2019 في بلدة الباغوز معقل تنظيم الدولة الأخير في شرق سوريا قبل القضاء عليه في الشهر المذكور.
تحقيق لمدة 90 يوما
ووفقا للتحقيق الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” فإن قوة أمريكية خاصة، كانت تعمل في سوريا، وتحيط عملياتها أحيانا بسرية بالغة أغارت ثلاث مرات في ذلك اليوم على مجموعة من المدنيين قرب بلدة الباغوز، مما أسفر عن مقتل 70 شخصًا بينهم نساء وأطفال.
وأوضح كيربي، أن الجنرال غاريت الذي كان قائدا للقوات البرية العاملة في الشرق الأوسط، وهو منصب لم يغادره سوى قبل أيام قليلة من الضربة الجوية، سيجري خلال مهلة أقصاها 90 يوما مراجعة لا تشمل الضربة فحسب وإنما أيضا الطريقة التي أجري فيها التحقيق الأولي بشأنها، وكيفية إبلاغ التسلسل الهرمي العسكري بحيثياتها.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، فإن التحقيق الجديد الذي سيجريه الجنرال غاريت، سيركز خصوصا على ما إذا كانت الضربة قد انتهكت أيًا من قوانين الحرب، وكذلك سيركز أيضًا على ما إذا كانت تدابير حماية المدنيين المفترض اتّباعها، وفقًا لتحقيقات سابقة أجريت في هذه المأساة قد جرى اتّباعها بالفعل.
ولفت كيربي إلى أنه سيتعين أيضا على التحقيق الذي سيجريه الجنرال غاريت، أن يحدد ما إذا كانت هناك عقوبات ينبغي أن تُتخذ، وما إذا كانت هناك إجراءات متبعة ينبغي أن تُعدل.
وكان تحقيق أولي أجرته القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” التي تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط؛ خلص إلى أنّ الغارة الجوية التي استهدفت الباغوز في ذلك اليوم تمّت في إطار الدفاع المشروع عن النفس وكانت متناسبة واتخذت خلالها خطوات ملائمة لاستبعاد إمكانية وجود مدنيين.
وأضاف التحقيق الأولي أن بعضا من النساء والأطفال سواء بناء على عقيدة تلقنوها أو على خيارهم الشخصي، قرروا حمل السلاح في هذه المعركة وبالتالي لم يكن بالإمكان اعتبارهم محض مدنيين.
وبحسب نفس المصدر، فإن الغارة شنّتها وحدة القوات الخاصة “تاسك فورس 9” بطلب من قوّات سوريا الديمقراطيّة حليفة واشنطن والتي قادت قواتها المعارك الأخيرة ضد تنظيم الدولة في محافظة دير الزور على الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط، والتي تخضع بشبه كامل حاليًا لسيطرتها.
ووفقا لسنتكوم، فإن موقعا لقوات سوريا الديمقراطية كان تحت نيران كثيفة ومعرضا لخطر الاجتياح، ما استدعى غارات جوية دفاعية على مواقع مقاتلي تنظيم الدولة، مضيفا أن قوات سوريا الديمقراطية وقوات العمليات الخاصة على الأرض لم تبلغ عن وجود أي مدنيين في المنطقة.
المعركة الأخيرة
وفي مارس 2019 أعلن كلّ من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إسقاط “دولة الخلافة” التي أقامها تنظيم الدولة، وذلك بعد أن دحر آخر مقاتلي التنظيم من آخر معقل له في بلدة الباغوز، والتابعة لمحافظة دير الزور.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرها حول “مجزرة الباغوز”، في 12 نوفمبر الجاري، وقالت إنها استندت فيه لوثائق سرية، وأوضحت أن طائرة دون طيار عسكرية أميركية في سماء البلدة، كانت تبحث عن أهداف عسكرية، لكنها لم تشهد سوى حشد كبير من النساء والأطفال متجمعين على ضفة نهر الفرات، حيث نصبت العوائل والنساء والأطفال حينها خيمًا قربه تجنبًا للقصف الذي كان يدك كل حجر في الباغوز لقتل عناصر تنظيم الدولة الذين تحصنوا داخل المنازل وفي حفر جهزوها مسبقا.
وأضافت الصحيفة أن طائرة عسكرية أميركية من دون طيار من طراز F-15E، أسقطت قنبلة تزن 500 رطل على الحشد، تبعه إسقاط طائرة ثانية قنبلة أخرى بوزن 2000 رطل، ما أدى إلى مقتل 70 شخصًا، مؤكدة أن الهجوم كله استغرق حوالي 12 دقيقة.
أهمية بلدة الباغوز
تقع البلدة بمحاذاة الحدود العراقية من الجهة السورية، وعمد تنظيم الدولة بعد انحسار سيطرته على قرى وبلدات في دير الزور بعد معارك أخيرة مع قوات سوريا الديموقراطية بإسناد جوي هائل من التحالف الدولي، إلى اتخاذها الحصن الأكبر له نظرًا لوجود تلال بمحيطها وطبيعتها التي تساعد التنظيم على التخفي.
لكن التحالف الدولي أدرك محاصرته للباغوز بشكل كامل، بعد أن قام التنظيم بتجميع المئات من عناصره والعشرات من قادته فيها مع زوجاتهم وأطفالهم، إلا أن كثافة القصف عليها دفع التنظيم إلى إفراغ البلدة من السكان بعد أن أدرك أن لعبة اتخاذ المدنيين دروعًا بشرية لم تعد تنفع، ولجأ مرغمًا إلى فتح ممرات للخروج لهم، فيما فضّلت الكثير من عوائل التنظيم البقاء فيها قرب نهر الفرات.
وأمام ضربات التحالف أجبر تنظيم الدولة في 23 مارس 2019 على الاستسلام وتسليم المئات من عناصره لأنفسهم وزوجاتهم وأطفالهم، إلى قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، حيث جرى نقل النساء والأطفال إلى مخيم الهول بريف محافظة الحسكة الذي تديره “قسد” حاليًا، فيما نُقل قادة وعناصر التنظيم إلى سجون في المحافظة، في وقت تمكن قادة تنظيم الدولة من الصف الأول من الفرار خلال أيام المعارك.
ق.د