
شهد مجلس قضاء غليزان يومًا دراسيًا مميزًا، تمحور حول موضوع “عقوبة العمل للنفع العام”، حيث افتتح الجلسة كل من رئيس مجلس القضاء والنائب العام، بحضور نخبة من القضاة والأساتذة الجامعيين والمحامين.
وأكدت الكلمات الافتتاحية على أهمية تعزيز البدائل العقابية التي تسهم في إصلاح المحكوم عليهم وتخفيف العبء على منظومة السجون، بما يتماشى مع التطورات الحديثة في التشريعات الوطنية والدولية.
المداخلة الأولى جاءت تحت عنوان “بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريعات المقارنة”، وقد ألقاها الأستاذ “زقاي بغشام”، أستاذ بكلية الحقوق بجامعة غليزان. تناول “زقاي” أبرز التجارب المقارنة في الدول الأوروبية التي اعتمدت عقوبة العمل للنفع العام كبديل عن السجن، مسلطًا الضوء على نجاح هذه العقوبة في تحقيق أهداف إصلاحية وتهذيبية دون المساس بحريات الأفراد. وأشار إلى أن المشرع الجزائري حاول تبني هذا التوجه من خلال إصدار نصوص قانونية تتيح تطبيق العقوبة في العديد من الحالات، كما تناول التحديات التي تواجه التطبيق، لا سيما المتعلقة بآليات التنفيذ، وأكد على أن هذه العقوبة تسهم بشكل كبير في إعادة تأهيل المحكوم عليهم، بما يحقق التوازن بين العقاب والإصلاح.
المداخلة الثانية بعنوان “عقوبة العمل للنفع العام في التشريع الجزائري”، قدمتها القاضية “شنتوف ريحانة” من محكمة وادي رهيو، استعرضت القاضية الإطار القانوني لهذه العقوبة في الجزائر والتعديلات التشريعية الأخيرة التي شملت القانون 06/24 الصادر في 28 أفريل 2024. وأوضحت أن القانون الجديد رفع مدة العقوبة إلى 5 سنوات وأتاح إمكانية إشراك مؤسسات المجتمع المدني في التنفيذ، مما يعكس توجهًا نحو تعزيز المشاركة المجتمعية في تحقيق العدالة.
أما المداخلة الثالثة فقد ألقاها وكيل الجمهورية لدى محكمة غليزان، “مامور الطيب”، تحت عنوان “دور النيابة في تنفيذ عقوبة العمل للنفع العام”. ركز وكيل الجمهورية على الدور الذي تلعبه النيابة العامة في تسجيل هذه العقوبة ضمن صحيفة السوابق القضائية القسيمتين رقم 1 ورقم 2، بينما تُستثنى القسيمة رقم 3 من الإشارة إلى هذه العقوبة. وأشار إلى الإجراءات الجديدة التي تضمنها القانون، بما في ذلك إمكانية قضاء المحكوم عليهم لعقوبتهم في مؤسسات خيرية وجمعيات ذات منفعة عامة.
وفي المداخلة الأخيرة، تحدث القاضي “لونيس سيد احمد”، قاضي تطبيق العقوبات بمجلس قضاء غليزان، عن أهمية دور قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة التنفيذ وضمان سير الإجراءات بما يحقق أهداف العقوبة. ليختتم اليوم الدراسي بمناقشة مفتوحة شارك فيها نقيب المحامين “حساني عبد الله” ومجموعة من المختصين، قبل أن يتم تلاوة التوصيات التي قدمها النائب المساعد “عبد القدوس صوافي”.
ومن أبرز هذه التوصيات: السماح بإخضاع الأحداث ابتداء من سن 16 لعقوبة العمل للنفع العام في مراكز التكوين المهني، حيث يُدمج العمل مع التكوين لتأهيلهم اجتماعيًا. كما دعت التوصيات إلى تعميم العقوبة على جميع الأحكام، إعداد قوائم بالأماكن المخصصة لتنفيذ العقوبة، ومراقبة تنفيذها من قبل النيابة العامة. وشددت التوصيات أيضًا على عدم شمول عقوبة العمل للنفع العام بمراسيم العفو لما لها من فعالية في إعادة الإدماج الاجتماعي، بالإضافة إلى تخصيص منح اجتماعية للمحكوم عليهم من ذوي الظروف الخاصة، والاستعانة بوسائل الإعلام والجمعيات لتحسيس المجتمع بأهمية هذه العقوبة كإجراء إصلاحي.
هذا اليوم الدراسي يعكس خطوة هامة نحو تعزيز مفهوم العدالة الإصلاحية، حيث تهدف عقوبة العمل للنفع العام إلى تحويل المحكوم عليهم إلى أفراد فاعلين في المجتمع، بما يرسخ قيم التكافل الاجتماعي ويخفف من العبء على نظام السجون، ويؤكد حرص الجزائر على مواكبة التطورات القانونية العالمية.
جيلالي. ب