الجهوي‎

الفن التقليدي التلمساني

للفنون مكانة هامة لما تشكله من نقوش ورسومات

تركت الحضارات الغابرة بولاية تلمسان الزخم الواسع من الصناعات التقليدية والحرف اليدوية، التي لا تزال شاهدة حاليا بورشات متعددة للتصنيع على شاكلات متنوعة وشاعت بها، لما كان يتداول فيها من صنعة بالوسط الزياني الذي طالما تشبث وارتبط بحلاوتها رغم صعوبة الظروف في كيفية تحضير المادة الأولية التي تدخل في الوسمة التي تعرف بها الصناعة التلمسانية بلواحقها، كالشاشية ومصنوعات المجبود المصنوع بالمجبود .

وتصطحب القفطان العبروق والمنديل وبلوزة المنسوج والفوطة، والذي تقام بهم جميعا ما يعرف بالشدة الثقيلة التي يلزم فيها أيضا الرعاعش وأنواع المجوهرات “الجوهر والخرصة”، فالقفطان العريق بقي حيا وظل يتماشى مع ظهور أي عصر، لذلك لم ينقرض فيما تعاني حرفة البلاغجية (صناعة البلاغي) من أثر القلة وفي معظم الأحوال انعدامها، نظرا لنقص المادة الولية المتمثلة في جلد الماعز الخالص الذي تراجع في فترة الخمس سنوات الخيرة التي تضاءلت فيها شهرة البلغة وانحصر رواجها محليا بصفة قليلة حتى أن وجودها تقلص وعزف عنها صناعها الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة، الذين طالبوا من الجهات الوصية إعادة الاعـتبار لهذه الحرفة من خلال توفير “لكوير” المستخلص من جلد الحيوانات بدلا من تحويله أو توجيهه إلى مهام في غير ذي صلة به.

علما أن نعل “البلغة” يعود ظهوره إلى أواخر عهد الدولة المرينية وانتشر في فترة الدولة الزيانية، كان مخصصا للحكام والأمراء والسلاطين، بحيث استعملوه خصيصا لإراحة الراجلين عند التجوال والنزهة ببساتين وحقول وحدائق قصور المشوار وراحت تسميته في هذا العهد “بالخف”، كون لبسه يخفي السير وليس به أي قرقعة، الأمر الذي جعل مماليك الدولة يعطون له قيمة جليلة، وحسب بعض الأدلة أن البلغة كانت تمنح من قبل هؤلاء إلى العلماء المتمكنين والفقهاء كهدية عزيزة ليرتحلوا بها مسرعين، فرغم ما تحمله البلغة من معنى عريق إلا أن سمتها لم تصبوا إلى درجة ما كانت عليه عند الأولين ممن ارتداها لاسيما وأن الورشات قل عددها والمتاجر بالقيصرية بقي واحدا لا الحصر مختص في بيعها، مما يستدعي التوقف في هذه النقطة التي على وزارة السياحة والصناعات التقليدية رد الاعتبار إليها كون البلغة المغربية اليوم التي لها باع في عرضها، هي في حقيقة الأمر صنعة تلمسانية حملها قدماء الحرفيون إلى مراكش خلال هجرتهم إلى بلاد محمد الخامس.

 

 تراث عريق عبر مختلف مناطق الولاية

تنتشر في مدينة تلمسان مختلف الصناعات التقليدية التي هي متنوعة ومن أهمها: صناعة الخشب والنقش عليه من خلال الأثاث المنزلي والبراميل الخشبية وكذا النجارة العامة، فضلا عن انتشار صناعة الحلفاء إضافة إلى الطرز على القماش، الجلود والحرير، وكذا صناعة الزجاج والرسم عليه والصناعة الرملية، أين يكون الرسم على الزجاج باستعمال الرمال علاوة على الصباغة على الحرير، الجلود  والقماش، وذلك بالعديد من مناطق ولاية تلمسان، إلى جانب صناعة الرخام التي تعد من بين أهم الصناعات التي تظهر في مختلف مجسمات الرخام التي تستعمل في تجهيز المنازل والمساجد بنافورات المياه.

كما تنتشر صناعة الجبس والنقش عليه من خلال منمنمات من الجبس، لتبقى  صناعة القصب الوحيدة المزدهرة، وتتجلى من خلال إنتاج السلال والأدوات الموسيقية والفولكلورية كالناي، على عكس صناعة الجلود التي بدأت تندثر من المدينة بعد أن كانت منتشرة، حيث قل تواجد محلات صناعة الأحذية و”الباوبوش”، السروج وتجهيز الخيل، وكذا صناعة المحافظ وحقائب السفر التي أصبحت نادرة.

أما الصنعة التي تتجه نحو الاندثار “النحاس” ونقشه، الذي سبق له وأن راج بدمشق وتونس وهو أصل تلمساني، لكن وبعد وفاة معظم عمالقة النحاسين، لم يلجأ إليه حتى المهتمون والمختصون في المعاهد للنيل من حاجته، فيما لاتزال صناعة الجلابة، الحايك مرمى، المنسوجات والفخار التقليدي والخزف والزربية، وعلى حد مجموعة من العارفين بخبايا الحرفة التي انتقلت إلى المغرب العربي والمشرق العربي، أن تلمسان عندما كانت عاصمة المغرب الأوسط أصبحت بوابتي إفريقيا وأوربا فخرجت منها الكثير من التجارة لسلع وبضائع، ناجمة عن حرف وصناعات كمنشر الجلد السوق الذي ضم الخرازة والدباغة بأقادير (تلمسان) والسراحة والخشب والصوف والذهب والبنال والقرميد وغيرها من الحرف التي لا تخطر على بال أحد منا والتي وضعت اسما على مسمى بعدة أحياء بتلمسان منها حمام الصباغين وحي دراع الصابون كان مقرا لصناعة الصابون وشارع الخراطين (الخشب)، وحي البرادعـين والجبارين والصياغـين والقصارين والحلفاويين والغزالين والفخارين.

 

الزربية التقليدية بتلمسان

لازالت الزربية التقليدية بتلمسان، تصنع بأنامل نساء ماكثات في البيت في العديد من المناطق الريفية، أحد الموروثات التي تم تناقلها من جيل إلى آخر، حيث أصبحت مهددة بالزوال نتيجة المنافسة الصناعية الحادة في مجال صناعة الزربية المتمثل في إنتاج الزربية العصرية التي يتم صناعتها في مصانع متخصصة، فأصبحت تكتسح السوق وتباع بأثمان منخفضة مقارنة بأسعار الزربية التقليدية.

حيث أضحت تشد العديد من العائلات بألوانها الزاهية وأشكالها المتنوعة وأحجامها المختلفة سواء كانت مخصصة لفصل الشتاء أو الصيف، كونها تواكب الموضة في طريقة الصنع والشكل والألوان، فضلا عن انخفاض في أسعارها حسب تصريحات أحد الباعة أن الزربية التقليدية قد تفوق 20 ألف دينار، في حين أن الصناعية فأسعارها في متناول الجميع، إذ يتراوح سعر الواحـدة بين 2000 إلى 4500 دينار، ويزداد السعر حسب الحجم وأيضا النوع.

أما الزرابي التي تباع بالمتر الواحد والمخصصة للأروقة فهي في حدود 1500 دينار للمتر الواحد، ومن أشهر الزرابي المعروفة في منطقة تلمسان زربية “سبدو” التي تعرف إقبالا كبيرا، بمنطقة سبدو، إذ أن العروس التلمسانية لاتزال تأخذ معها ما لا يقل عن 4 زرابي، لما تتميز به تتميز به من رسومات مستنبطة من عمق تاريخ المدينة، حيث تم الحفاظ على وشمات خاصة واستحداث أخرى، إضافة إلى طريقة الصنع التقليدية مائة بالمائة، حيث تصنع من الصوف الذي يغسل ويغزل، ثم يصبغ للحصول على الخيوط المشكلة للزربية التي تتميز بعدم تأثر ألوانها بالماء والاحتكاك بالعوامل الطبيعية، ورغم جودتها إلا أنها بحاجة إلى تسويق أكبر خارج المنطقة من أجل ضمان انتشارها، وبالتالي استمرار صناعتها، وزيادة على اندثار صناعة الزرابي التي كانت رائجة بها، تعد حرفة صناعة الطين بسبدو في طريق الاندثار، إذ تعتمد في صناعتها على اليد البسيطة المتكونة من النسوة القاطنات بالمنطقة الريفية، ورغم هذا ما تزال بعض الصناعات تصارع البقاء مثل صناعة الجواهر كالبريم والخرصة واللباس التقليدي، الذي يجب أن تتزين به العروس وكذا صناعة الجلود، وأخرى تستحدث مثل السيراميك البوني بدائرة ندرومة، ويتم تطويرها في كل مرة كإدخال عليها الطلاء.

ولوضع حد لاندثار الصناعات التقليدية التي ازدهرت بها تلمسان في عقد ما من الزمن، وحل المشكل عملت الجهات المعنية على استحداث معهد إمامة للصناعات التقليدية، الذي من شأنه الحفاظ على آثار حضارة الصناعات التقليدية المعروفة بتلمسان الموجودة أو المنقوشة والتي في طور الانقراض، إذ فتح أبوابه مع فيفري 2003 ويعتبر الأول على المستوى الوطني، وقد تم اختيار منطقة تلمسان لإقامته، لما تمتاز به من أرضية خصبة كوفرة الصناعات بالمنطقة والأماكن السياحية، ورغم أن المعهد يتوفـر على عدة تخصصات تهتم بالصناعة التقليدية وتشجيعها مثل (النقش على الخشب والأثاث، الزجاج، الفخار، الألبسة، النسيج التقليدي، الجلود، الصباغة، النقش على النحاس، البناء، التركيب الحديدي وفن الخط)، إلا أن المعهد يبقى يعاني من نقص التأطير، يعتمد في ذلك على الحرفيين والذي من واجبه تكوين تقنيين سامين وكذا لياقة يدوية ومعلومات تكنولوجية.

أمـيـر. ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى