تكنولوجيا

أمام الغزو التكنولوجي

ما مصير الكتاب الورقي؟

تزامنا مع تطور التكنولوجيا والإقبال الكبير على التكنولوجيا الرقمية خاصة، بدأت يظهر تراجع عن الإقبال على الكتاب الورقي، وهو ما خلق نوع من الخوف وولّد تساؤلات حول مصير الكتاب الورقي في هذه الثورة الرقمية، بعدما أصبح يقرأ عبر الشاشة بضغطة زر فقط دون لمس الورقة أو حملها بين اليدين.

وفي هذا الإطار، اقتربت جريدة “البديل” من بعض الأدباء والإعلاميين على هامش ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي، وحاولت معرفة قراءتهم لهذه التغيرات الحاصلة، فكانت لهم وجهات نظر، على غرار مدير مسرح بشا، الكاتب “عبد الله الهامل”، الذي تطرق إلى منظومة كاملة، تتمثل في فقداننا للعالم القديم، فقدنا حسبه القرى، الأرض التي تفلحها الثيران، فقدنا رائحة الجدات، فقدنا كوشة الطين، فقدنا أشياء كثيرة كانت في طفولتنا، التكنولوجيا قضت على هذه الحياة الجميلة حياة الرومانسية والمشاعر، وعوضتها بأشياء آلية مُؤَلْيَنة، وهنا الخطر برأيه. مضيفا أن الفن يعمل على استعادة ما فقدناه، لأن ما فقدناه لا يمكن استعادته إلا من خلال الرمز، كالشعر، الموسيقى، السينما، الفن التشكيلي، المسرح ربما… الفن بشكل عام. فالفن حسب الهامل، دائما يعمل على استعادة الأشياء القديمة التي فقدها الإنسان في حياته المتسارعة، إنسان الكهف كان يصطاد كل يوم لتقتات أسرته الصغيرة، ثم عندما اكتشف الملح أصبح يمكث أكثر في الكهف، ومن هنا خُلق الأنس والشعر والحب ثم الألفة، ثم اكتشف الزراعة فأصبحت مدة مكوثه بالبيت أكثر، ثم ثم ثم … حتى وصلنا اليوم، موضحا أنه مثلما كان الإنسان عبقريا في اكتشاف هذه الأشياء، أصبح اليوم الإنسان الحديث فاقدا للأشياء رغم كل ما يتوفر له من البذخ، فمع التكنولوجيا عاد إلى فردانيته مرة أخرى، خرج من الجماعة الصغيرة المتمثلة في الأسرة إلى فردانيته الموحشة، وربما هذه هي من مساوئ التكنولوجيا، في إشارة منه إلى إدمان الفرد على التكنولوجيا الرقمية لاسيما الهاتف الذكي وعالم الرقميات. فلماذا تم التخلي عن قراءة الكتاب الورقي؟، وعليه أجاب عن هذا السؤال ثلة من المثقفين والكتاب.

الكاتب.. عبد الله الهامل

رد الكاتب عبد الله الهامل:” ما دمنا نتحدث عن الكتاب الورقي ومن خلاله الورقات، دعيني أحدثك عن ورقات أخرى كالرسالة عندما كنا في بدايات شبابنا، كنا مرتبطين بالرسالة إلى الأصدقاء والأحباء والجرائد التي كانت تنشر كتاباتنا، كنا نكتب الرسالة ونضعها في الظرف ونضع لها طابعا بريديا ونرميها في صندوق البريد وننتظر، سواء الرد أو ساعي البريد الذي يمر في منتصف النهار أو الجرائد التي تنشر عليها مواضيعنا، اليوم الأمور تغيرت تماما، الآن أصبحنا نبعث برسائلنا بضغطة زر، سواء بالميكرفون أو الحاسوب أو الهاتف الذي أصبحنا من خلاله نتواصل مع العالم ونراه فيها، الأمور تغيرت بشكل معقد جدا يصعب فهمه، ولكننا يجب أن نساير هذا الوضع، و نحاول أن نجمل ما فقدناه في هذه القضية”. مواصلا حديثه عن الرقمة، قائلا: “الرقمنة ربما مفيدة في جانب آخر في جانب الإدارة، فهي تعطي للإدارة والحياة العامة تعطيها بعض الشفافية، فرغم ذلك لا قول فقدان الكتاب الورقي، لأن البشرية لا يمكنها أن تفقد الكتاب الورقي، فمثلما يتعامل المؤرخون اليوم مع المخطوطات القديمة كلغة وككنوز، يتعاملون معها بحذر، مثلما يتعامل مكتشفو الذهب ومكتشفو البترول ومكتشفو المعادن…، الكتاب الورقي سيبقى صامدا وإن كان سيتحول إلى كائن متحفي ولكنه سيبقى أكيد.

الإعلامي.. طاهر خضراوي

بينما يرى الإعلامي “طاهر خضراوي”، أنه يوجد تناسق في التطور بين المجالين العادي، مثلا في الصحافة المكتوبة أو الورقية، والوسائل الجديدة مثل اليوتيوب، الفايسبوك، التويتر وكل وسائط التواصل الاجتماعي، كما هو الحال بالنسبة للكتب الورقية مقابل المطالعة عبر المنصات الرقمية، على غرار  “بي. دي. اف”، فإذا سيكون هناك زوال سيكون في نفس الوقت، وإذا كانت هناك استمرارية سيبقى الفضاء الرقمي هو الغالب، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة. أما يخص زوال الكتاب الورقي من الوجود، فقد أكد “خضراوي” أنه لن يزول لسبب بسيط، فتتولاه مؤسسات كاملة، في طليعتها مصالح الأرشيف، كل المطبعات ودور النشر، اضافة غلى المؤسسات، موضح بقوله: “فرضا، لدينا بالجزائر مشروع سيحفظ لنا الكتاب، وهو مشروع المكتبات الرئيسية في كل الولايات إضافة إلى المكتبات المتفرعة بكل البلديات، بمعنى الكتاب لن يزول حتى وإن زال القارئ أو تناقص القراء إلى عدد قليل جدا أو محصور، مثلما هو الحال بالنسبة لعشاق الافلام، فما بين الفيلم الذي ينشر في قاعات السينما التي هي في حالة تراجع، هذا لا يعني حسبه أن هواة الفيلم المعروض بالطريقة القديمة أو الكلاسيكية قد اختفوا، والدليل اكتشفنا اليوم في سيدي بلعباس نادي سينما هواة، مازال ينشط، ولو توجهنا إلى داخل مناطق الجزائر، كورقلة أو المدية أو قصر البوخاري، مازال نادي سينما هواة، يتابعون الأفلام مع بعضهم ولو وديا، في فضاء ضيق أو عمومي ويناقشون محتوى الفيلم وتفاصيله، لأنهم يعشقون الفيلم بنسخته الكلاسيكية أو القديمة”.

الإعلامي والكاتب… احميدة العياشي

من جهته، يرى الإعلامي الكاتب “احميدة العياشي”، أنه فيما يخص أسباب تراجع قراءة الكتاب، بعدما كان في الماضي أنيس الفرد، واليوم غزو الثورة الرقمية لكل ما هو ورقي، فقد أوضح قائلا: “هذا مشكل في المجتمعات المتخلفة، البلدان الأكثر تقدما في التكنولوجيا، هي البلدان تصدر أكثر الكتب، على غرار أمريكا، التي تصدر 1 مليون نسخة و8 آلاف نسخة”، مضيفا: “في وسائل النقل كالميترو مثلا، جميعهم يحملون كتبا ويقرؤون، التراجع حدث أساسا في المجتمعات التي كانت مستعمرة وتراجع الكتاب في ازدياد، وقد حدث التراجع بسبب تغيير المنهج الدراسي”، عائدا بالذاكرة إلى الماضي بقوله: “… ومن الثمانينات والتسعينات، حتى في الابتدائي والمتوسط كنا في نهاية السنة نحظى بجوائز عبارة عن كتب، اليوم هذه السنة غير موجودة، اليوم هناك سياسة التخلي عن دعم الثقافة والكتابة وانعدام المجلات في مختلف المجالات، وهو المشهد المتصحر الذي يفتح المجال للعنف والمخدرات والتخلف”.

ومما سبق وتطرق له هؤلاء الكتاب والإعلاميين، فإننا نستشرف أن العالم الجديد بثورته الرقمية وتطوره السريع لن يقضي على زمان الكتاب الورقي وسيبقى ملازما له، كما أنه سيبقى محافظا على عشاق رائحة الورق المميزة التي تفوح بتقليب صفحاته وما في ذلك من سر وسحر رهيبين.

ميمي قلان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى