محلي

ماراتون “سيدي بلعباس الثقافي والرياضي” المتضامن مع فلسطين

ختام بجرعات "بالقلم والقدم... نقاوم الألم"

أسدل الستار أمس السبت على فعاليات ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي، بوخز آخر حقن الأمل ومقاومة الألم الذي تخلفه الأمراض المستعمرة للجسد، بعدما غطت دموع الإنسانية والوطنية فعاليات الماراتون في شقه الثقافي الذي حمل شعار “سينما وأدب المقاومة… تضامنا مع فلسطين”، مساء الجمعة، الذي أعاد إلى الحضور قوة وتشبث آبائنا وأجدادنا بعنصر المقاومة وشحن عقولهم وأجسادهم بهذا المضاد الفكري والجسدي الفعال، في مواجهة أشرس وأعنف قوة استعمارية، لتطهير جزائرنا واستعادة حريتها وسيادتها.

اختيار الفيلم التاريخي “هيليوبوليس” للرائع “جعفر قاسم”، ليكون خاتمة المهرجان الثقافي، كان اختيارا صائبا من طرف لجنة الماراتون، فقد وقع نهاية هذه الطبعة الـ2 بدموع الحاضرين، وهم ينصهرون في مجريات الفيلم، الذي استطاعت مشاهده تحريك مشاعرنا اتجاه بلدنا وشعبنا، ونحن نشعر بقوة القهر والألم والمستعمر الفرنسي الغاشم يمطر شعبنا الأعزل الذي خرج يتظاهر سلميا، مطالبا بحريته وسيادة وطنه، بعدما نظمت فرنسا احتفالات انتهاء الحرب العالمية الأولى في 8 ماي 1945، بوابل من الرصاص ومحاولة اصطياده كفئران من حقوله والقضاء على نسله في المدينة والريف.

أحداث الفيلم أحيت روح المقاومة لدى الحضور بقاعة سينما “لعمارنة”، التي تبللت بدموعهم بعدما حاولوا حبسها خلال المشاهدة، وفجرها الصحفي والأديب “جمال فوغالي”، الذي أحيت شهقاته وهو يتناول تكريمه على مشاركته المهمة خلال فعاليات التظاهرة، عقب اعتلاء الحزن والألم ملامح وجهه، وهو يأخذ كلمة للتعبير عما يختزنه من جروح الماضي التي تأبى هجرانه، الدموع تزاوج لسانه، وهو يبوح بصعوبة لوعة فقدانه لوالده قبل أن يتعرف على ملامحه، بعد أن وهب نفسه وروحه شهيدا لتحيا الجزائر حرة مستقلة، وليس هذا فقط وبكل مرارة انفجر باكيا: “كتب لي العيش في جزائر اليوم المستقلة، لكنني لم أحظ بالتعرف على والدي، فقد غادرنا وأنا صغير، حتى أننا نجهل مكان دفنه، والدي شهيد بلا قبر”، ما عبر عنه فيلم “هيليوبوليس” والأديب الصحفي “جمال فوغالي”، هو لحظات معدودات في عداد صفحات سجلات ما يحفل به تاريخ الجزائر منذ 1830 إلى 1962، تاريخ محفور في الذاكرة، كلما نبشنا فيه، ازددنا تمسكا بوحدة ترابنا وشعبنا رغم اختلاف رؤانا وتوجهاتنا التي نعبر بها عن عشقنا لوطننا وهيامنا بجزائرنا.

عرض الفيلم في هذه الفترة وإعلان التضامن مع فلسطين المقاومة، يبعث برسالة واضحة وجلية، أساسها أن يتمسك الفلسطينيون بجذوة المقاومة ويبقون أعينهم على شعلة الانتصار مستمرة، لأن بقاءهم بوطنهم وتشبثهم بترابهم أكثر المقاومة انتصارا، فالمحتل لا يتحمل الألم بل يغادر هاربا عند أول مواجهة، لأنه فاقد لعنصر الانتماء وداخله مدمر لأن شعور الاغتراب عن أرض لا يملكها يسكنه. فلسطين التي ما تزال الجزائر تعتبرها قضيتها المصيرية والمحورية في مرافعاتها الدولية والإقليمية، ولا تتوانى في التذكير بأنها دولة كاملة الأركان، تحتاج إلى بقاء المقاومة مستمرة، مقاومة بكل تشعباتها بالكتابة، الغناء، التمثيل، السلاح، البقاء، التمسك بهوية الفلسطيني ماديا ولا ماديا، فالاستقلال لا يأتي باجتماع الصالونات وأحاديث المقاهي، بل الحركة والتحرك في كل الاتجاهات وإدارة كل المعارك على الميدان والمواجهة الحقيقية، فالاستقلال له ثمن والحرية لها ثمن، وللشعوب المضطهدة والدول المستعمَرة في تاريخ الجزائر دروس.

وبالعودة لفعاليات الماراتون الثقافي، فقد شهدت الساحة العمومية المقابلة لقاعة سينما ‘لعمارنة” حركة ثقافية نشيطة، صنعها سكان سيدي بلعباس ومن قصدها بإقبالهم على الكتب المعروضة، التي صاحبها بعض المؤلفين بتوقيعاتهم الشخصية على غرار “أحمد بجاوي، وحيد أسامة، عبد الكريم تازاروت، لزهر، ابراهيم قرعلي… وآخرون”، كما كانت عناوين مهمة في متناول عشاق الكتاب الورقي والمطالعة، كما أنه لم يخل من ليال شعرية، كما كانت المكتبة العمومية للمطالعة مساهمة باحتضانها لجلسات نقاش تناولت خطوة مهمة وملمة بما يحدث من تغير على المستوى الثقافي والسوسيولوجي في المجتمع الجزائري، بعدما نجح مسؤول المهرجان، الصحفي الأديب “احميدة العياشي” الجمع ولقاء أهم المثقفين المؤثرين في الرأي العام المحلي عبر وسائط التواصل الاجتماعي (الفايسبوك)، وحدوث ما يمكن وصفه بـ “المصالحة والتصالح”، بعد مقاطعة في العالم الافتراضي لعدم التقاء أفكارهم وكفر بعض منهم بأفكار بعضهم، حيث تناقشوا وجهة لوجه، وصححوا مفاهيمهم اتجاه كيفية حب الجزائر وخدمتها والحفاظ عليها والحفاظ على وحدة ترابها ولحمة شعبها، مع القبول بتعايش مختلف المواقف والرؤى التي لا تتنافى مع ذلك، فالماراتون الثقافي كان بمثابة تحفيز على ضرورة التحلي بمصطلح “المقاومة” في الحياة اليومية، لمواجهة الجهل، التفرقة، الفشل، الكآبة، المرض… والإقبال على الحياة بصورها الجميلة وأحداثها المتواترة بتخطي مواطن الألم والتشبث بجرعة الأمل.

يشار إلى أن شهرة الاختتام عرفت تكريمات متنوعة للمشاركين بحضور عدة شخصيات على غرار صاحب فيلم “هيليوبوليس” المخرج “جعفر قاسم”، البطل الأولمبي “نور الدين مرسلي” وإطارات الولاية، كما حظي والي الولاية “سمير شيباني”، الذي كان حضوره آخر نشاط ثقافي يحضره لتزامنه مع انتهاء مهامه بولاية سيدي بلعباس وانتقاله إلى منطقة أخرى من ربوع هذا الوطن لخدمته، بتكريم خاص وقد أثنى عليه من عايشوا مساهمته في النشاط الثقافي والرياضي للولاية، ومنهم مسؤول ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي.

 

انبثاق نادي وطني لأصدقاء ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي

عقب النجاح الذي حققه ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي في شقه الثقافي، وبعد الإقبال الكبير على مختلف نشاطاته، خلص إلى الاستجابة للمشاركين والزائرين بإنشاء ناد خاص به بشكل الرياضة والثقافة.

حيث استقر الاسم على “نادي أصدقاء ماراتون سيدي بلعباس الثقافي والرياضي”، على أن يأخذ طابعا وطنيا، ويكون مفتوحا أمام كل المواطنين بمختلف الأعمار، والمستويات والتوجهات، حتى يكون فضاء تلتقي فيه مختلف المشارب وتتلاقح فيه الأفكار وتناقش فيه مختلف القضايا والمواضيع التي تخص البناء الفردي والمجتمعي، ونشري ثقافة الوعي، والتشجيع على القراءة والانخراط في عالم الكتابة والإبداع وممارسة الرياضة. بينما سيكون نشطا على طول السنة، وفق برامج مسطرة وأهداف معينة، وهو ما سيساهم في التعرف على مختلف ثقافات مناطق الوطن وشخصياتها…، لاسيما وأن المبادرة فيه مالحة للجميع ماعدا المتعارضة مع أهدافه المنصبة أساسا على مقاومة الكراهية، التنافر، الشعور السلبي اتجاه الذات والآخرين عن طريق الممارسة الرياضية والتغذية الثقافية.

 

البطل الأولمبي “نور الدين مرسلي” وأبطال آخرون يدعمون ماراتون سيدي بلعباس 2024

كان البطل الأولمبي في 1500 كم، “نور الدين مرسلي” حاضرا صباح أمس السبت، لدى إعطاء المسؤول الأول على ولاية سيدي بلعباس، “سمير شيباني” إشارة انطلاق الماراتون للمشاركين، حيث يشارك ما يفوق 1600 مشاركا مسجلا قدموا من 50 ولاية، لخوض غمار 3 تخصصات، ال10 كلم والنصف مراثون المحدد بـ21 كلم وأخيرا المراثون المقدر بـ 42 كلم.

“نور الدين مرسلي” الذي حضر، أكد دعمه لكل الرياضات وخاصة رياضة العدو، وتشجيعه للجميع على ممارسة الرياضة باختلاف أعمارهم، وحتى المرضى منهم لأن الرياضة لها دور مهم في التعافي من مختلف الأمراض والحفاظ على صحة الجسد. كما حضر أبطال آخرون لدعم وتشجيع المشاركين على الجري، على غرار

 

المرأة تبهر الجمهور وتصنع الحدث

صنعت النساء المشاركات في ماراتون سيدي بلعباس الحدث، بحضورهن القوي وإصرارهن على طي مسافات الماراتون بإصرار وشجاعة. حيث شاركت امرأة في التظاهرة الرياضية قادمة من مختلف ربوع الوطن، وكلهن عزم على تحقيق نتائج تعطيهن دفعا إضافيا وتشحنهن بنفس جديد لمقاومة تحديات الحياة، على غرار ولايات الجنوب.

كما أن التظاهرة لم تخل من حضور العنصر النسوي لمؤازرة وتشجيع بنات جنسها، وكذا نصفها الآخر، في صورة رياضية راقية صنعت لوحة فنية رياضية تعكس جمالية الجمهور العبابسي ووعيه بمزايا دور مثل هذه التظاهرات الثقافية والرياضية، في إيصال رسائل السلام والتعايش وقبول الآخر دون عقد ولا حساسيات، وقد شاركت 300 امرأة في الماراتون، حيث سينال الفائزين بالمراتب الأولى، إضافة إلى شهادات تكريم، قيمة مالية تقدر حسب مركز الفائز، وذلك تشجيعا لهم على الاستمرارية في ممارسة الرياضة وتحفيزا لغيرهم للانخراط في عالم الرياضة، لاحتواء خاصة الشباب من الشارع وانتشالهم من الضياع في عالم المخدرات والجرائم.

 

محارب السرطان، “خالد بوداوي”… المقاوم بالقلم والقدم

كعادته، يواصل البطل الخارق “خالد بوداوي” ابن مدينة الباهية وهران، في صنع الاستثناء بتمكنه من قطع 21 كم، في تحد جديد مع أخطبوط السرطان.

والجديد في تحدي المغوار خالد، هو مرافقته من طرف زوجته خلال الجري، التي أكدت ليومية “البديل” أنها مكرسة كل وقتها وحدها لمساندة زوجها على تخطي المرض ومقاومة الألم الذي يحاول السطو عليه. ويعتبر “خالد بوداوي” والدا لطفلين “شيماء وخليفة”، من أندر الأشخاص الذين يمتلكون الشجاعة لمقاومة مرض ينخر أجسادهم بشراسة، ويحولون ألمهم إلى انطلاقة في حياة جديدة مليئة بالإبداع والإنجاز وصنع المعجزات.

وفي هذا الإطار، أدت الإصابة بمرض السرطان لدى “خالد” إلى التوقف اضطرارا عن الكتابة الصحفية، وبقي يهتم بعلاجه بين الجزائر وفرنسا، غير أن توالي السنوات لما يفوق 15 سنة ورفعه التحدي والإصرار على مقاومة المرض، دفعه إلى خوض غمار الكتابة، التي أصبحت متنفسه وفضاءه الذي جيد فيه التعبير عن أمله وترجمة أمله، حيث أصدر كتابين أحدهما بعنوان “العيش في أنا المزدوج”، ولكن الكتابة وحدها لم تعد تلبي رغبة “خالد” في تحدي المرض الشرس، ليجد ضالته عند أطبائه الذين نصحوه بتجريب الممارسة الرياضية لاسيما المشاركة في مختلف أنواع الماراتون، لأنها طريقة ممتعة في التخلص من الطاقة السلبية والأفكار الملوثة والمريضة، كما أنها تسمح بالإقبال على الحياة بكل قوة وحب وتفاؤل دون الالتفاتة إلى المرض، وقد ساعده هذا الخليط من التجارب الناجحة في قهر 5 أنواع من السرطان، ليصبح نموذج التحدي وعشق الحياة. يذكر أن “خالد بوداوي” يحضر لإصدار أدبي جديد يتناول فيه حياته الخاصة وأسرار قهره للسرطان وتغلبه على مكائد الحياة.

ميمي قلان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى