تكنولوجيا

التحيز الرقمي

كيف تهدد الخوارزميات العدالة الاجتماعية؟

في عصر يهيمن عليه التقدم التكنولوجي، أصبح التحول الرقمي محورًا أساسيًا يعيد تشكيل جوانب عديدة من حياتنا، من العمل والتعليم إلى الخدمات العامة. ورغم الفوائد الجمة التي تقدمها هذه الثورة الرقمية، فإنها لا تخلو من التحديات التي قد تتحول، في بعض الأحيان، إلى عوامل تُعمق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. أحد أبرز هذه التحديات هو التحيز الرقمي، الذي يُعدّ عقبة رئيسية أمام تحقيق العدالة الرقمية.

بدلا من أن تكون الرقمنة وسيلة لتوسيع الفرص، قد تتحول، في بعض الحالات، إلى سبب لتعميق الانقسامات بين المجتمعات والأفراد. وتظهر ظاهرة التمييز غير المقصود حينما تنحاز أنظمة الذكاء الاصطناعي في نتائجها بسبب مشاكل في بيانات التدريب أو تصميم النظام، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عادلة أو غير متوازنة تجاه مجموعات معينة.

 

العديد من الحالات

يظهر التحيز الرقمي في عدة أشكال تؤثر بشكل بالغ على العدالة والمساواة في الأنظمة الذكية. في العديد من الحالات، قد تكشف الأنظمة الذكية عن انحيازات جنسية أو عرقية نتيجة لتصورات مسبقة قد تتضمنها بيانات التدريب. على سبيل المثال، قد تفضل خوارزميات التوظيف الرجال على النساء في بعض الوظائف أو تساهم في استبعاد مجموعات عرقية معينة بناءً على بيانات تاريخية تحمل بداخلها تحيزات غير عادلة. وقد تفشل هذه الأنظمة أيضًا في تمثيل بعض الفئات بشكل كافٍ، مثل السكان الأصليين أو الأشخاص ذوي الإعاقة، مما يؤدي إلى نتائج غير متوازنة تضر بتلك الفئات.

 

تحيز البيانات

علاوة على ذلك، يُعدّ تحيز البيانات أحد الأسباب الجوهرية وراء هذا التحيز الرقمي. فعندما يتدرب المطورون على بيانات تحتوي على تحيزات غير واعية، فإن النماذج الذكية قد تتبنى هذه التحيزات وتُظهرها في قراراتها. يحدث ذلك عندما تكون البيانات غير شاملة أو متحيزة بطبيعتها، ما يعكس قصورًا في جمعها وتصميمها. على سبيل المثال، إذا كانت البيانات تفتقر إلى تمثيل دقيق للفئات الاجتماعية المتنوعة، قد تظل الأنظمة غير قادرة على تقديم حلول عادلة وموضوعية. من جهة أخرى، يشكل تصميم الخوارزميات في ظل هذه التحيزات تحديًا آخر، إذ إن الخوارزميات التي تعتمد على بيانات مشوهة قد تعزز تلك التحيزات، سواء كانت عرقية أو جنسية أو اجتماعية. لذا، يجب على المطورين تبني تقنيات تعلم عميق تسمح بتحسين شمولية النموذج وتوازيه مع التنوع البشري والاجتماعي، بحيث يتم تدريب الأنظمة على بيانات أكثر تنوعًا واكتمالًا.

 

قلة التنوع

تساهم قلة التنوع في فرق تطوير الخوارزميات أيضًا في ظهور هذه التحيزات، فالمطورون الذين ينتمون إلى خلفيات ثقافية متشابهة قد يفتقرون إلى فهم تجارب الفئات الاجتماعية الأخرى، ما يعكس نقصا في التنوع الثقافي يمكن أن ينعكس في تصميم الخوارزميات ويؤدي إلى نتائج غير عادلة.

كما أن مسألة تحديث البيانات بشكل مستمر تُعدّ عاملًا حاسمًا في مكافحة التحيز الرقمي. يجب على المطورين التأكد من أن الأنظمة الذكية تظل مرنة بما يكفي للتكيف مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. إذا كانت البيانات تركز فقط على الحقائق والاتجاهات الحديثة، فقد يغفل النظام عن السياقات التاريخية الهامة التي قد تساهم في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر عدلاً.

 

تحدٍ اجتماعي

لذلك، من المهم أن يفهم مطورو الذكاء الاصطناعي أن التحيز الرقمي ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو تحد اجتماعي يعكس التفاوتات الموجودة في المجتمع. من الضروري جمع البيانات وتصميم الخوارزميات بعناية، مع مراعاة تنوع الفئات والتجارب المختلفة. كما يجب على المطورين العمل باستمرار على تصحيح التحيزات لضمان أن النماذج الذكية تسهم في تعزيز العدالة والمساواة. إن بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر شمولًا يتطلب التفكير المستمر والابتكار لضمان أن التكنولوجيا تصبح أداة لتقليص الفجوات الاجتماعية، بدلاً من توسيعها.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى