
بعد عشر سنوات من سقوط نظام معمر القذافي، اجتمعت الأسرة الدولية مجددًا يوم أمس في باريس لمحاولة مساعدة ليبيا على استعادة الاستقرار في مرحلة أولى تتمثل بإجراء انتخابات ناجحة في 24 ديسمبر المقبل.
وعليه شارك وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، في مؤتمر باريس حول ليبيا، المنظم بمبادرة مشتركة بين كلمن ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، بالشراكة مع الأمم المتحدة. وهذا بصفته ممثلا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
ويأتي قرار مشاركة الجزائر في هذا الموعد تجسيدا لالتزام السلطات العليا في البلاد، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، بمواصلة الجهود التي تبذلها بلادنا لمرافقة ومساعدة الأشقاء الليبيين في تنفيذ خارطة الطريق السياسة التي سطرتها الأطراف الليبية من أجل إنهاء الأزمة واستعادة الأمن والاستقرار، عبر تجسيد أولويات المرحلة الحالية والمتمثلة في التحضير للاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في غضون الشهر المقبل وانسحاب المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية وتوحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة الوطنية.
فضلا عن مشاركته في أشغال المؤتمر وإلقاء بيان باسم رئيس الجمهورية، سيكون للوزير لعمامرة، على هامش هذا الاجتماع، عدة لقاءات ثنائية مع نظرائه من الوفود المشاركة وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية.
ووفقا لمسودّة حول البيان الختامي للمؤتمر، فإن المجتمعين سيلوحون بخيار العقوبات، حيث سيؤكدون أن من يحاولون عرقلة الانتخابات والانتقال السياسي في البلاد سيُحاسَبون، وقد يواجهون عقوبات من الأمم المتحدة.
واستضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤتمر الذي انعقد بعد ظهر يوم أمس بحضور قادة نحو ثلاثين دولة، بينها بلدان تشارك في التنظيم مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، ومن الجانب الليبي رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة.
وتحثّ المسودة الأطراف كافة على الالتزام بجدول زمني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من المقرر أن تبدأ في 24 ديسمبر، كما تدعو أيضا إلى تنفيذ خطة قائمة لسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا دون تأخير.
وسيلقي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة عبر الفيديو، وسيحضر المؤتمر أيضًا مسؤولون من معظم الدول الأطراف في الأزمة الليبية أو في تسويتها بما في ذلك نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
جدول أعمال المؤتمر
وبحسب المصادر، فإن ملف المرتزقة أبرز الملفات المطروحة في مؤتمر باريس، إضافة إلى دعم الانتخابات وتوحيد الرؤى حولها.
من جهته، أوضح الإليزيه أن الهدف من هذا المؤتمر الدولي هو توفير الدعم الدولي لاستمرار الانتقال السياسي الجاري وإجراء الانتخابات في موعدها، وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن الانتخابات قريبة، مؤكدة أن استقرار البلاد على المحك، وأن المعطلين الذين -يريدون تعطيل الدينامية الحالية- يتربصون بها، ويحاولون إخراج العملية عن مسارها.
وتابعت، أن الهدف هو جعل العملية الانتخابية غير قابلة للنقاش ولا يمكن التراجع عنها، والتأكد بعد ذلك من أن نتيجة الانتخابات يتم احترامها.
مشابه لمنتدى دافوس
ويهدف المؤتمر، الذي انطلق بمبادرة من ماكرون عام 2018، إلى إقامة اجتماع سنوي في باريس لأبرز الدول، وهو مشابه للمنتدى الاقتصادي الذي يقام في دافوس أو المنتدى حول التحديات الأمنية الذي ينظم في ميونيخ.
ووفق بيان قصر الإليزيه، فإن ماكرون أراد إنشاء حدث دولي منتظم متعدد الجهات الفاعلة -دول ومجتمع مدني ومنظمات غير حكومية وشركات- بهدف الاستجابة للتحديات الرئيسة الحالية للسلام بكل معانيه.
وتهدف هذه النسخة الرابعة إلى تشجيع انتعاش أكثر صلابة وشمولية -لمرحلة ما بعد كوفيد-19- من خلال اقتراح مبادرات لإدارة الثروات العالمية المشتركة بشكل أفضل، وفق ما أورد الموقع الإلكتروني للمنتدى.
الانتخابات غير مؤكّدة
ومع ذلك، تبقى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر والانتخابات التشريعية التي ستجرى بعد شهر، غير مؤكدة وسط تجدد الخلافات بين المعسكرين المتنافسين.
ويفترض أن تطوي هذه الانتخابات التي تشكل تتويجًا لعملية سياسية شاقة برعاية الأمم المتحدة، صفحة عقد من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتنهي الانقسامات والنزاعات بين معسكرين متنافسين، أحدهما في غرب البلاد والآخر في الشرق.
لكن التوتر السياسي عاد مجدّدًا إذ يشكك كلا الطرفين بسعي الطرف الآخر إلى تغليب مصالحه ما يجعل إجراء الانتخابات غير مؤكد في وضع أمني ما زال هشًا.
هل ينجح مؤتمر باريس الدولي في حل الأزمة الليبية
تجتمع قوى عالمية في فرنسا اليوم الجمعة، للدفع من أجل إجراء انتخابات في ليبيا في موعدها المنشود نهاية العام الجاري، وإقرار جهود لإخراج القوات الأجنبية من البلاد بالرغم من التشاحن السياسي المتنامي الذي يهدد بإفشال عملية سلام مستمرة منذ عام.
وتم تحديد 24 ديسمبر موعدًا مستهدفًا لانتخابات ليبيا عبر خارطة طريق تدعمها الأمم المتحدة العام الماضي، شكلت أيضًا حكومة وحدة مؤقتة لتولي السلطة من إدارتين متنافستين في الشرق والغرب متحاربتين منذ سنوات.
ويُعتبر هذا الاستحقاق فرصة لإنهاء عدم الاستقرار والحرب المستمرين منذ عشر سنوات تقريبًا، عقب الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011 وأطاحت حينها بمعمر القذافي، ومع خلافات بشأن الأساس القانوني للانتخابات، قد ترفض فصائل رئيسة من الطرفين التصويت، مما قد يسفر عن انقسام عنيف آخر.
وقبيل الاجتماع، قال مسؤول بالرئاسة الفرنسية للصحافيين طلب عدم الكشف عن اسمه: في حين باتت الانتخابات قريبة فإن الوضع لا يزال هشًا، مضيفًا أن هناك بعض الأطراف المستعدة لاستغلال أي غموض لدعم مصالحها الخاصة، وتابع من الواضح أنهم ينتظرون لنصب فخ للعملية الانتخابية ومحاولة إخراجها عن مسارها.
إنذار للمفسدين
في السياق نفسه قال دبلوماسيون، إن البيان الختامي قد يطلق إنذارًا للمفسدين المحتملين من أنهم قد يواجهون عقوبات.
وأعلنت الحكومة الليبية، أن رئيسها عبد الحميد الدبيبة سيشارك في مؤتمر باريس الدولي، كما أكدت أن إسرائيل ليست مدعوة، وذلك بعدما ترددت أنباء في وسائل إعلام في ليبيا وخارجها عن مشاركة تل أبيب بدعوة من باريس.
من جهتهم، يؤكد أعضاء المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عدم التعويل على نتائج هذا المؤتمر، ومع أن باريس كانت تسعى في بادئ الأمر إلى حضور الرئيسين التركي والروسي، فقد أرسلت أنقرة وموسكو ممثلين أقل مستوى من ذلك، وهو ما قد يدل على للتعقيدات المتعلقة بإخراج القوات الأجنبية.
ويقف مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية بقوة إلى جانب قوات شرق ليبيا -الجيش الوطني الليبي- التي تلقت دعمًا خلال الحرب من موسكو إضافة إلى الإمارات ومصر، وتلقت حكومة طرابلس السابقة دعمًا من قوات نظامية تركية في ليبيا بصفة مستشارين ومن مقاتلين سوريين حلفاء، وفقًا لما قالته الحكومة التركية، فيما أشار دبلوماسيون إلى أنه من غير المرجح أن تقوم تركيا بتحرك قبل خروج قوات من الشرق.
وذكرت القوات المتمركزة في شرق ليبيا أنها وافقت على ترحيل 300 من المرتزقة الأجانب من الأراضي الخاضعة لسيطرتها وذلك بعد طلب من فرنسا.
ق.ح