الجهوي‎

تعد أكبر تظاهرة شعبية في النعامة

انطلاق فعاليات وعدة "سيدي أحمد المجدوب" ببلدية عسلة

تنطلق غدا فعاليات التظاهرة الشعبية وعدة “سيدي أحمد المجدوب” ببلدية عسلة ولاية النعامة، والمميز هذا العام هو الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها السلطات المحلية لدائرة عسلة لإنجاح هذا الحدث واستنفار كافة المصالح، نظرا لتوقع كثرة الزوار كالعادة، والإقبال الكبير على بلدية عسلة من كل أنحاء الوطن المسجل وحتى من خارج الوطن.

هذا وكان عرش المجادبة – ببلدية عسلة الواقعة 53 كلم جنوب شرق ولاية النعامة، قد أعدوا وهيأوا كل الظروف لاستقبال الملايين من الزوار لإحياء أكبر تجمع وطني، والمتمثل في الموعد السنوي للموسم التراثي والشعبي للولي الصالح “سيدي أحمد المجدوب”، الذي يقام سنويا في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر منذ عام 1904 ، ويمثل مناسبة للتعارف والتصالح والكرم والتجارة والفروسية تلتقي خلالها مختلف القبائل والأعراش الشهيرة بالجهة الغربية للوطن، ويشرف على هذه التظاهرة التي سوف تشهد هذه السنة إقبالا كبير باعتبار أن الثلاث سنوات المنقضية كانت الوعدة تقام في شهر رمضان سكان المنطقة وزاوية الولي الصالح الذي تعرف الوعدة باسمه لنفوذه الروحي وبالمنطقة والتي أسسها ابنه سيدي التومي لتعليم القرآن الكريم، واستقبال وإيواء الضيوف كما كانت نقطة لانطلاق العمل الثوري في مواجهة الاستعمار الفرنسي.  

 

نسب “سيدي أحمد المجدوب”

هو “سيدي أحمد المجدو بن سليمان بن أبي سماحة بن أبي ليلى بن عيسى بن أبي يحيا بن أعمر ابن سليمان الملقب بن العالية بن سعيد بن عقيل بن حفص، الملقب حرمة الله بن عساكر بن زيد بن حميد ابن عيسى بن التادلي بن محمد، الملقب الشبلي بن عيسى بن يزيد بن الطفيل المدعو الزغاوي بن صفوان بن محمد بن عبد الرحمان بن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما تثبته كل الوثائق والمخطوطات، أما أمه فهي السيدة الفاضلة “عائشة بنت أحمد بن عبد الجبار”.

 

مــولـــده

تثبت بعض المخطوطات التاريخية الجزائرية وكذلك الوثائق التي خلفها الفرنسيون من المهتمين بالبحوث الاجتماعية للأغراض العسكرية والاستيطانية بأن “سيدي أحمد المجدوب”، عاش في القرن الثامن للهجرة أي أنه ولد حوالي 1490 ميلادي، وذلك اعتمادا على علماء أهل زمانه وأقطاب ذلك الوقت.

 

نــشــأتــه 

نشا في بيت علم وعلماء وشرف مشهود له فنمت فيه روح العلم والدين وحفظ القرآن الكريم الذي هو سراج يستنير به صاحبه ويهديه إلى الطريق المستقيم، فتكونت شخصية سيدي أحمد المجدوب كرجل علم وعمل وتعبد وانقطاع عن الدنيا والزهد فيها، والاعتكاف والكهوف لقهر النفس وذلها إلى درجة التصوف والانجدال الذي كني به “المجدوب” .

 

مــشـايــخــه

تتلمذ على يدي والده العلامة “سيدي سليمان بني أبي سماحة” وجده لأمه الشيخ “سيدي أحمد ابن عبد الجبار”، كما تتلمذ على يدي الشيخ “سيدي بن يوسف” صاحب مليانة والذي اعتبره “سيدي احمد المجدوب” شيخه الروحي فاتبع طريقته فكان من مورديه.

 تتكلم الروايات الشفوية وما تناقله سكان المنطقة، أن الولي الصالح سيدي “أحمد المجدوب” عاش في القرن الثامن للهجرة أي حوالي 1490 للميلاد تتلمذ على يد “سيدي احمد يوسف” مليانة وهو ابن عم العالم المتصوف “سيدي بوسماحة” دفين مدينة بني ونيف ومؤسس زاويتها، حيث ترك عدة مخطوطات وله عدة مراسلات مع الخلفاء الحفصيين بتونس تثبت علو مقامه، كما كانت لقبيلته مساهمات في حمل السلاح ضد الغزاة الأسبان على سواحل المغرب العربي

 

ثقافته وآثاره المادية

 لم يخلف “سيدي احمد المجدوب” فيما نعلم والله أعلم أي أثر مكتوب، قد يلقي الضوء على ظروف حياته ومبلغ ثقافته ومنتهى وزن شخصيته في المنطقة غير أن ما توارثت عليه الروايات وتناقلته عبر الأزمنة المتتالية أنه كان متضلعا في أمور الدين والأخذ بمبادئي التصوف، بحيث كان يؤم المصلين ويسدي النصيحة إلى درجة تقترب من إفتاء المرء، الذي اكسب شخصيته نفوذا روحيا مطلقا في هذه المنطقة، فضلا عن نسبه البوبكري نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان يضفي على هذه الشخصية مزيدا من الإجلال والاحترام. 

كما يعرف عنه أنه اعتكف طول حياته برفقة زوجته السيدة “أم كلثوم” بالكهوف المحاذية لمقام ضريحه خلف واد عسلة، وانتقل فترة من الزمن إلى الكهف المعروف باسمه بحمام عين ورقة المعني لنفس الغرض أي التعبد بعيدا عن ملاهي الدنيا وغرورها وزينتها، ولازالت أماكن التعبد شاهدة إلى يومنا هذا، وللزائر والمتأمل والباحث فرصة للوقوف عليها وهي موجودة في راس واد عسلة المشروع الأبيض قرب عسلة وعين ورقة ومنطقة مسيف والثنية الواسعة بالمشرية.

 

تأسيس زاوية سيدي أحمد المجدوب

نظرا لمكانة سيدي أحمد المجدوب في المنطقة، وما كانت ولازالت تمثله هذه الشخصية الدينية الصوفية وتعلق سكان المنطقة بها حبا واحتراما لشخصية ولي الله الصالح، وبعد مدة غير طويلة حاول ابنه “سيدي التومي” واستطاع أن يؤسس زاوية تحمل اسم والده الشيخ الصالح “سيدي أحمد المجدوب” تعلم القرآن الكريم، تستقبل الزوار وتكرم الضيف وتأويه في هذه المنطقة، التي كان يصعب على الإنسان التنقل فيها لشساعتها وقلة بضاعتها. 

أسس “سيدي التومي” زاوية تقصد من كل مكان وتطورت هده الزاوية فكانت ذات أهمية حتى كانت نقطة انطلاق الثورة التحريرية في منطقتها، بحيث كان أول لقاء لتنظيم الثورة والانضمام إليها ومشاركة فيها في زاوية “سيدي أحمد المجدوب”، وبمرور الزمن وخوفا من النسيان فكر أولاد “سيدي احمد المجدوب” بعد تأسيس الزاوية بما يسمى بالمعروف أي ذكرى ضد النسيان للترحم على الجد الصالح ولقاء أبنائه وأحفاده في تجمع سنوي حسب الإمكانيات المتاحة من جهة ومن جهة ثانية لصلة الرحم وتنظيم شؤون القبيلة الداخلية والخارجية وكقوة في المنطقة ذات وزن وهيبة فبدا هذا اللقاء على أساس موعد متكرر يحددونه باتفاق يجتمعون فيه نتيجة لحالة التطور المنطقي. أخذ اللقاء في تطور والتوسع ليشمل كذلك سكان المناطق الأخرى من غير أبناء “سيدي أحمد المجدوب” كضيوف وبمرور الوقت وتفاديا للأخطاء في التنظيم كعدم الحضور وعدم وصول خبر الموعد …. الخ اتفق جميع أبناء “سيدي أحمد المجدوب” على تحديد موعد محدد لا يخضع لأي تبديل أو تغيير وهو بالفعل ما تم بحيث اختيرت الجمعة الأولى من شهر أكتوبر الفلاحي.

 

تاريخ المباشرة في الوعدة

في البداية، كانت تحضر خيمة من كل فرقة أولاد “سيدي احمد المجدوب” قرب ضريح “سيدي التومي”، يقومون بالوليمة أي الوعدة وحوالي سنة 1904 حصل ما سبق، فتم تحديد موعد عام ليتم من خلاله حضور أبناء هذا الولي الصالح.

أسباب هذا الاختيار: أول جمعة يعني الأسبوع الأول من شهر أكتوبر يعبر هذا تعبيرا قاطعا عن التفكير الدقيق لمغزى الاختيار وثقافة المفكرين، حتى أنه تفكير علمي دقيق، خاصة إذا درسنا الأوضاع والحياة المعاشة في ذلك الزمان. 

فقبل الأسبوع الأول من أكتوبر تكون قوافل الصحراء الأولى قد عادت من سفرها، زيادة على ذلك أن العائلات التي كانت في الشمال لأسباب اقتصادية قد عادت، بحيث كانت تتوجه بكاملها إلى التل في وقت الحصاد منها من يحصد وباقي أفراد العائلة يقومون بجمع الحبوب المتناثرة في الأرض. 

وبعد الأسبوع الأول من أكتوبر تنطلق القوافل إلى الصحراء لجلب تمور التي كانت المادة الأساسية في غذاء سكان المنطقة بعد التحضير لهذا السفر في الوعدة. كما تنطلق بعد الوعدة عملية الحرث فكانوا يحتاجون إلى مساعدة بعضهم البعض نظرا لقلة الوسائل حتى البسيطة منها.هذا، وتعتبر المنطقة منطقة القصور بها أنواع من الخضر والفواكه اغلبها تنضج في الخريف كالتمور والرمان وبقية الخضر التي يحتاج لها الإنسان في الشتاء فكانت الوعدة موعدا للبيع والشراء، ويقابل هذا نهاية الخريف ودخول فصل الشتاء الذي كان يكون عادة قارصا مع قلة الإمكانيات، فكانت الوعدة موعدا لبيع وشراء الملابس الصوفية التي تنسج في القصور عسلة وبوسمغون والشلالة وغيرها.

إضافة إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى، ومنها صلة الرحم وحل بعض المشاكل الاجتماعية كالصلح والزواج والطلاق كما كانت موعدا للدائن والمدين وإعادة الودائع، وغيرها كل هذه السباب دعمت تنظيم الوعدة وجعلتها ملتقى بعد فراق، كان يطول على امتداد سنة بكاملها تفترق فيها أفراد العائلة وجماعتها لقضاء شؤونهم المختلفة عبر مناطق متباعدة من الجنوب إلى الشمال فكانت الوعدة بحق لقاء في قمة التنظيم والترتيب وأداة اتصال وتواصل في وقت كانت فيه وسائل الاتصال منعدمة تماما. 

كما أن أهم ميزة في وعدة سيدي أحمد المجدوب، هي التعارف والكرم والصدق والفروسية وغيرها، وكلها أعطت لهذا التجمع الكبير وجها لتآخي والتسامح والالتقاء، حيث يصبح هذا الموعد جهويا ووطنيا يقصده الزائرون من داخل البلاد ومن خارجها إضافة إلى التجار والفرسان من جهات مختلفة وحتى من المملكة المغربية. 

وتمتاز وعدة سيدي احمد المجدوب بعسلة على غيرها من الحفلات والملتقيات على أنها لا تجد المطاعم المتنقلة أو القارة، وكل من يقصد الوعدة فهو ضيف محبوب ومكرم قد ضربت الخيام لاستقباله وذبحت الذبائح لتقدم له كما أن أبناء سيدي أحمد المجدوب وحتى القادمون من مسافات بعيدة فهم مضيفون وليس ضيوفا، والمحظور في هذه الوعدة هو عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، فالمكان الطبيعي المطل على ساحة الوعدة أصبح مكانا مخصصا للضيفات والمحليات يقمن فيه بشؤونهن التجارية المختلفة وتشاهدن من خلاله الفرسان وطلقات البارود، ومن حين لآخر تنطلق منهن الزغاريد المدوية تشجيعا للفرسان، أما الساحة الكبرى أي عمق الساحة فهو للرجال وحدهم، فمنهم الفارس التاجر والمشتري والمتجول، كما أن سكان عسلة والبلدية اعتادت ومنذ مدة القيام بتجنيد جماعات من العمال للسهر على الأمن والنظام ومحاربة الاختلاط .

ابراهيم سلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى